مصر وتدوير منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 2:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر وتدوير منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية

نشر فى : الخميس 8 أبريل 2010 - 10:09 ص | آخر تحديث : الخميس 8 أبريل 2010 - 10:09 ص

 من حين لآخر تطرح دولة عربية أو أخرى فكرة تدوير منصب الأمين العام للجامعة العربية بين الدول الأعضاء وعدم حصر المنصب فى دولة المقر وحدها. تقوم هذه الفكرة على أن «مصرية» الأمين العام لا تستند إلى نص فى ميثاق جامعة الدول العربية، وإنما باتت عرفا جرت عليه الممارسة الفعلية بفعل وجود مقر الجامعة فى القاهرة بنص الميثاق والثقل العربى لمصر ودورها، وقد تغيرت الأوضاع كثيرا ومعها الوزن النسبى للدور المصرى، والسياسات المتضمنة فى هذا الدور الأمر الذى يستدعى من وجهة نظر أنصار هذه الفكرة ضرورة الخروج على هذا العرف المستقر.

ترفض مصر هذا الطرح رفضا كاملا على النحو الذى عبر عنه تصريح لوزير الخارجية فى أعقاب ما تردد عن دعوة جزائرية لتدوير المنصب ذكر فيه أن المنصب كان مصريا وسيبقى مصريا.

فى هذه المرة إذن كان طرح الفكرة جزائريا، ولا يستطيع المرء أن يحسم علميا الدافع وراء المبادرة الجزائرية: أهو عدم رضا عن الجامعة فى وضعها الحالى؟ لكن أى عاقل يعرف أن الوضع الذى تجد الجامعة فيه نفسها لا يعود أساسا بالتأكيد إلى أمينها العام وإنما إلى بنيتها السياسية ذاتها، بل إن الأمين العام الحالى خير من يثبت أن «مصرية» المنصب لا تؤثر على «عروبة التوجه».

كما أن الدبلوماسية الجزائرية تبدو بهذا الطرح ــ وهو من حقها بطبيعة الحال ــ وكأنها تتصور أن مساهمتها فى إصلاح الأوضاع العربية وتغييرها تتركز فى هذه المبادرة، وكان مما يتسق مع ذلك أن نرى لهذه الدبلوماسية نشاطا دافقا تمتلك مقوماته يظهر لبقية الأطراف كيف تكون المواقف الحقة من قضايا العرب، وكيف ينبغى تجاوز سياسات الشجب والإدانة إلى سياسات الإرادة والفعل. وبهذا يصبح اقتراح تدوير منصب الأمين العام جزءا من منظومة سياسية شاملة وليس مجرد فكرة قد يتصور البعض ــ خطأ ــ أنها مجرد نكاية فى مصر وسياستها.

لا شك أن الكلمة التى ألقاها السيد عمرو موسى فى الجلسة الافتتاحية لقمة سرت الأخيرة قد أعطت زخما للحديث عن تدوير منصب الأمين العام، قال الرجل بصراحة ووضوح إنه يعتقد أن مرتين فى منصب الأمين العام تكفيانه، وهو ما يعنى صراحة أنه غير راغب فى التجديد لمرة ثالثة، وإذا كان البعض قد رأى أن موقفه الخاص بعدم رغبته فى التجديد قد ورد فى عبارات غير حاسمة فإن هذا الرأى مبنى على عدم فهم لطبيعة الصياغات الدبلوماسية وتوقيت الطرح، فلم يكن متوقعا من الأمين العام أن يتحدث بقطع وإطلاق عن عدم التجديد دون أن تكون هناك عروض أو ضغوط محددة من الدول العربية عليه كى يجدد، والأمر كله ما زالت أمامه سنة كاملة كى يحسم، ولذلك فقد اكتفى بالتعبير عن موقف شخصى لا شك أنه كرره كثيرا فى مناسبات سابقة. وفى كل الأحوال لا شك أن كلماته هذه قد فتحت شهية الراغبين فى الحديث عن تدوير المنصب.

تحركت الدبلوماسية المصرية منذ بدأت بوادر الطرح الجزائرى للدفاع عن بقاء المنصب مصريا، وكما سبقت الإشارة فقد صرح وزير الخارجية بأن المنصب كان وسيبقى مصريا، وكنت أفضل لو أدخل البعد العربى فى تصريحه ولو كجزء من تكتيكات كسب المعركة المتوقعة، كأن يقول إن المنصب كان مصريا بطلب عربى وسيبقى كذلك برضا عربى، أو كأن يقول إن مصر لن تتخلى عن التزاماتها القومية تجاه قيادة العمل العربى المشترك، وما إلى هذا من تعبيرات تخفف من وقع تصوير المسألة وكأنها قضية مصرية.

وعلى أية حال فإن الدبلوماسية المصرية فى معركتها هذه لا تستند إلى نص قانونى كما سبقت الإشارة، بمعنى أن الميثاق لا ينص على مصرية المنصب كما ينص على مصرية المقر، وإنما هى تستند إلى عرف سائد منذ نشأة الجامعة العربية فى 1945 وحتى الآن. بل إن المدة القليلة (نحو عقد من الزمان من أكثر من ستة عقود هى كل عمر الجامعة) التى شغلت المنصب فيها شخصية تونسية رفيعة هى الشاذلى القليبى منصب الأمين العام قد تطابقت مع الانتقال المؤقت لمقر الجامعة إلى تونس بسبب الخلاف المصرى ــ العربى حول توقيع اتفاقيتى كامب ديفيد فى 1978 ثم توقيع معاهدة السلام المصرية ــ الإسرائيلية فى 1979، وهو ما يفيد معنى أن الأمين العام يفضل أن يكون من دولة المقر.

والواقع أن ثمة مدرستين فى هذا الصدد فى الوطن العربى: الأولى تذهب إلى أن انتماء الأمين العام لدولة المقر يسهل تنسيقه معها ومن ثم ييسر الكثير من العقبات التى يمكن أن تعترض عملها، لكن عيب هذه المدرسة ينبع من احتمال أن يتأثر الأمين العام بسياسة دولته ومن ثم يكون أقرب إلى مبعوث لهذه الدولة فى المنظمة المعنية منه إلى شخص يجلس على قمة الهرم التنظيمى فيها، وهو ما تحاول المدرسة الثانية تفاديه بأن يكون الأمين العام من غير دولة المقر خاصة فى حالة التضارب بين سياسات المنظمة وسياسات الدولة. ولا يمكن الادعاء بسيادة أى من المدرستين فى العمل العربى المشترك، بمعنى أن ثمة منظمات تأخذ بالمدرسة الأولى وأخرى تأخذ بالثانية.

ومن اللافت أنه يمكن القول إن الدبلوماسية المصرية تتبع فى هذا الصدد مدرسة خاصة بها، تتمثل فى التركيز على الاحتفاظ بمنصب أمين عام جامعة الدول العربية باعتبار أنها بمثابة الخيمة التى تنضوى تحتها جميع منظمات العمل العربى المشترك، وتترك باقى هذه المنظمات بصفة عامة للدول العربية، وثمة أكثر من موقف لم تتردد فيه القيادة المصرية باتخاذ قرار بسحب مرشحها لتولى المسئولية الأولى فى إحدى المنظمات العربية عندما وجدت أن هذا يمكن أن يسبب مشكلة فى علاقاتها العربية مع دولة عربية أو أكثر، أو اتخاذ قرار مبكر بدعم مرشح إحدى هذه الدول فى منظمة ما دون مساومة أو ابتزاز، أو اتخاذ قرار بعدم التمسك بمنصب القيادة فى منظمة أخرى عندما تنتهى مدة المدير المصرى بمعنى عدم الإصرار على أن يكون الخليفة مصريا، وتأييد مرشح من دولة أخرى.

وقد روى لى أحد المسئولين العرب من الذين تولوا إدارة إحدى المنظمات العربية أن الرئيس حسنى مبارك قد أصدر توجيهات بسحب المرشح المصرى لصالحه بعد أن تلقى رجاء من رئيس الدولة التى ينتمى إليها بألا تخذل مصر مرشح هذه الدولة، وأنه ــ أى الرئيس مبارك ــ قد علق فيما يبدو على تحفظ بعض معاونيه على القرار بأن مصر يجب ألا تستأثر بكل شىء فى هذا الصدد، وأنها يجب أن تترك للدول العربية الأخرى مجالا كى تقوم بدور فى قيادة منظومة العمل العربى المشترك.

فى ظل هذه السياسة يصبح تهديد «مصرية» منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية ضربة دون شك لدور مصر فى منظومة العمل العربى المشترك، فالمتأمل فى جنسيات من يقودون المنظمات العربية المتخصصة لن يجد سوى الدكتورة ودودة بدران على رأس منظمة المرأة العربية، وهى منظمة ما زالت علاقتها غير واضحة المعالم تماما بمنظومة العمل العربى المشترك، ولذلك فإن فقدان مصر منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية يعنى الكثير بالنسبة لدورها العربى واعتراف الدول العربية به وتقديرها له وهو ما لا يمكن بطبيعة الحال أن تقبله الدبلوماسية المصرية ببساطة، ولعل هذا ما يفسر التصريحات القاطعة التى أدلى بها وزير الخارجية المصرى وسبقت الإشارة إليها.

لن تكون معركة الدبلوماسية المصرية سهلة فى هذا الصدد بالدرجة نفسها التى لن تكون فيها معركة أولئك الذين يريدون أمينا عاما غير مصرى سهلة أيضا، فلقد تغير الوضع العربى وتبعثر كثيرا، وعلى الرغم من أن البعثرة تفتح الطريق لبناء التحالفات إلا أنها تفتحه للجميع وليس للدبلوماسية المصرية وحدها، وعلى الرغم من أن سابقة التكتل العربى العام خلف المرشح المصرى لمنصب المدير العام لليونسكو تفتح الباب للتفاؤل بشأن مصير جهود الدبلوماسية المصرية للاحتفاظ بمنصب الأمين العام، إلا أن السياق مختلف، ففى اليونسكو كان «العرب» فى مواجهة دولية إذا جاز التعبير أما فى الجامعة العربية فإن العرب عندما يتناولون قضية تدوير منصب الأمين العام إنما يناقشون علاقاتهم الداخلية.

وهكذا فإن دقة الحسابات قد لا تجعل الدبلوماسية المصرية تطمئن فى أى معركة حول منصب الأمين العام لأكثر من الحصول على أصوات ما يعرف بالدول المعتدلة وعددها لا يتجاوز سبعة تصبح ثمانية بإضافة مصر أى أكثر من ثلث الأعضاء بقليل، أما مرشحو بقية الدول فسيخضعون للتنافس بين الدبلوماسية المصرية ومن يريد تحديها فى هذه القضية الحيوية بالنسبة لها.

قد يكون التجديد للسيد عمرو موسى لمدة ثالثة هو أسهل الحلول، فالرجل أثبت باقتدار كما سبقت الإشارة أن «مصريته» ليست قيدا على «عروبته»، لكن تصريحه الذى سبقت الإشارة إليه فى كلمته الافتتاحية أمام قمة سرت يضعف من احتمال التجديد له سواء لأنه يفتح شهية الطامحين إلى خلافته أو ــ وهذا هو الأهم ــ لأنه يعكس بالتأكيد إحباطه من الوضع العربى العام وصعوبة الارتقاء به بما يتناسب والتحديات المحيطة به، وقد يعكس الانطباع بأن الرجل بات يعتقد أن دوره الداخلى فى مصر قد يكون أجدى لها ولأمتها من بقائه فى منصب الأمين العام.

ولذلك أعتقد أن قبول السيد عمرو موسى التجديد له لمدة ثالثة فى المنصب مستبعد وقد يكون الأكثر احتمالا أن يصدر قرار بالتمديد له سنة أو سنتين إذا تأزمت المسألة، وسوف يصعب عليه رفض ذلك إذا بدا فى حينه أن الجامعة مهددة بانقسام شديد.

أما الدبلوماسية المصرية فأمامها عام كامل تنشط فيه لكسب الأنصار، وإن كنت أعتقد أن الأهم من ذلك هو القيام بمراجعة شاملة وموضوعية لسياسة مصر العربية لتقليص نقاط الخلاف مع أكبر عدد ممكن من الدول العربية بما لا يمس المصالح المصرية بطبيعة الحال، وسوف تكون فى هذه المراجعة فائدة مزدوجة لمصر وأمتها العربية: فائدة لمصر أولا لأنها ستحتفظ بهذا المنصب الرفيع الذى سيُبقى ــ ولو شكليا ــ على استمرار دورها العربى، وفائدة للأمة العربية عندما تتولى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية شخصية مصرية رفيعة تستند إلى سياسة تحظى بقبول عربى أوسع نطاقا مما هى عليه الآن.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية