عسل أسود - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 11:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عسل أسود

نشر فى : الأحد 8 أغسطس 2010 - 9:49 ص | آخر تحديث : الأحد 8 أغسطس 2010 - 9:49 ص
يعبر فيلم عسل أسود بصورة جيدة عن جوهر أزمة السينما المصرية. وهى أنها سينما بلا عقل، بلا مايسترو، بلا رؤية، بلا آباء شرعيين. وللأسف الشديد أن من يقوم بدور الموتور المحرك للأحداث كثيرا ما يكونوا أبطال هذه الأفلام، وهم لا يستطيعون بالتأكيد القيام بهذا الدور. أما أشباه المنتجين الموجودين على الساحة فهم أبعد من يمكنه أن يكون العقل المفكر لصناعة فيلم. جوهر الأزمة أن السينما المصرية بلا منتج سينمائى حقيقى

. العاملون فى فيلم «عسل أسود» لم يقصروا فى أداء أعمالهم. فالإخراج تقنيا جيد، إدارة التصوير جيدة، الديكور جيد، التمثيل كذلك. المونتاج أيضا جيد، فالمخرج فى الأصل مونتير، وينضم إلى قافلة المونتيرين المخرجين. وكذلك الفكرة جيدة. ولكن للأسف كل هذا لا يصنع فيلما جيدا وإنما يمكن أن يصنع مشاهد متفرقة لطيفة، مضحكة وأحيانا مؤثرة.

ما شاهدناه على الشاشة ليس كافيا لكى نطلق على هذا الفيلم فيلما، مثله مثل معظم «الأفلام»، التى تنتجها السينما المصرية خلال العشرين عاما الماضية: إنها مجرد سكتشات هزلية موجهة للصبية. يخرج المتفرج من عسل أسود مبتسما، ومحتمل أن يكون لديه شعور بالرضا، ولكنه لا يشعر أبدا أنه قد شاهد فيلما يمنحه متعة فنية حقيقية. اخترت هذا الفيلم تحديدا للحديث عن أزمة السينما المصرية لأنه من أفضل أفلام هذا العام رغم ما به من عيوب فاضحة.

أتذكر ما قاله لى يوما صلاح أبوسيف أن أنور وجدى هو من أهم صناع السينما المصرية. سألته ممثلا أم مخرجا فرد: لا هذا ولا ذاك وإنما منتجا. فلولا أمثال آسيا وأنور وجدى ورمسيس نجيب وحسين القلا واستوديوهات كاستوديو مصر والنحاس وغيرها ما كنا وجدنا السينما المصرية التى ونحن نشاهد أفلامها اليوم جاءت متسقة ومنسجمة مع ذاتها.

الفيلم مثله مثل أى مشروع يجب أن يمر بمراحل إنتاج وفقا لنظام منطقى ومعايير عامة دقيقة داخل نسق فكرى واضح. يشرف على هذه المراحل ودقة تنفيذها المنتج السينمائى. من المفترض أن يتخطى أى فيلم معايير الجودة عن كل مرحلة بدءا من مرحلة المعالجة السينمائية إلى آخر مرحلة فى عملية الإنتاج، وذلك وفقا لمعايير يضعها هذا المنتج. لو كان لدينا هذا المنتج لكنا صنعنا ولا شك فيلما جيدا. أو على أقل تقدير فيلما ليس به عيوب فاضحة.

شخصية بطل فيلم عسل أسود ــ وهى الشخصية المحورية التى تدور حولها ومعها الأحداث ــ هى شخصية رجل أبله أحيانا، وشديد الذكاء أحيانا أخرى، عديم الشعور فى بعض المشاهد وشديد الحساسية فى مشاهد أخرى دون أى خط درامى يسمح بهذه الانتقالات الشعورية فما بالك بانتقاله من شخصية إلى أخرى.

نجده على سبيل المثال وليس الحصر فى النصف الثانى من الفيلم، وقد اختبر بعد مروره بتجارب عديدة، يتوجه إلى إحدى الشخصيات التى لا تجد مسكنا نتيجة لظروف اقتصادية شديدة الوطأة ويضطر وزوجته أن يعيشا فى منزل حماته، ليقترح عليه أن يسافر وزوجته إلى بلدان أوربية للسياحة ليستطيع الاختلاء بها. هناك التباس لدى صناع الفيلم بين أن يكون المرء قد عاش خارج مصر، وبالتالى افتقاده لبعض المعرفة الاجتماعية وبين أن يكون شخصا أبله قضى عمره فى المريخ.

ونجد نفس هذا البطل فى مشهد آخر ينصح صديقه نصائح عاطفية صادقة وعميقة وفى محلها تماما. هل صنع هذا الالتباس كوميديا؟ لا أظن. فلم يضحك أحد فى الصالة باقتراح البطل على الزوج أن يسافر. والأمثلة فى اختلاف الشخصية باختلاف السكتش كثيرة. الأزمة الأكبر فى هذا الفيلم هو انتقال السيناريو المتكرر بين الهزل المطلق والدراما الاجتماعية. فهناك العديد من المشاهد، التى تندرج فى بنائها إلى المشهد الهزلى الذى يعتمد على المبالغة الشديدة كمشهد المظاهرة مثلا. مجموعة من ضباط الداخلية داخل مظاهرة تندد بسياسات الولايات المتحدة ويطلب لواء من بطل الفيلم أن يمسك الميكروفون ليعلن على الملأ أنه أمريكى الجنسية. فيهجم عليه المتظاهرون.

مشهد لا يمت لعالم الواقع بصلة. ويتضمن للأسف استمرار فى التعامل مع المتظاهرين وقضية التظاهر بكثير من الاستخفاف على نمط كتابات العديد من كتاب السينما المتشدقين منهم وغير المتشدقين. لا مانع بالتأكيد من إنتاج فيلم هزلى ولكننا نجد أجزاء أخرى من الفيلم تمت كتابتها وتصويرها وإخراجها وتمثيلها باعتبارها دراما اجتماعية. عدم الانسجام هذا هو نتيجة منطقية لعدم وجود منتج. لعدم وجود عقل مفكر.

كيف يمكننا تفريخ منتجين سينمائيين؟ سؤال يجب الإجابة عنه فورا لإنقاذ السينما المصرية.
خالد الخميسي  كاتب مصري