ديمقراطية يوليو المؤجلة - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ديمقراطية يوليو المؤجلة

نشر فى : الجمعة 8 أغسطس 2014 - 7:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 8 أغسطس 2014 - 7:45 ص

«تسقط الديمقراطية، تسقط الحرية، يسقط الدستور، تسقط الأحزاب، يسقط الخائن الجاهل السنهورى، يعيش الجيش، يعيش جمال عبدالناصر، الموت للخونة» كانت هذه عينة من الهتافات التى شهدتها المظاهرات المدبرة يوم 29 مارس 1954، والتى انتهت بالاعتداء على الدكتور عبدالرزاق باشا السنهورى رئيس مجلس الدولة حينها داخل مقر المجلس، والذى كان معارضا لعدد من قرارات مجلس الثورة، التى أصدرها الضباط وجاءت مخالفة للقانون مما جعل عبدالناصر يقوم بحل مجلس الدولة وتصفية قضاته.

المستشار السنهورى غنى عن التعريف فهو احد أساطين القانون فى مصر والعالم، وشارك فى وضع دساتير عدة دول عربية، وحصل على عدد 2 دكتوراه فى القانون من فرنسا، وتولى وزارة المعارف خمس سنوات، وله مؤلفات موسوعية أثرت المكتبة القانونية والفكر الإنسانى بشكل عام. لم يشفع له كل ذلك حين قرر عبدالناصر الانقضاض على تجربة التحول الديمقراطى التى أعقبت حركة يوليو ليؤسس لنموذج سلطوى عرف استفتاءات نسب الـ99.999%، وأدخل مصر فى مغامرات انتهت بنكسة يونيو واحتلال ثلث مساحة مصر.

لم يكن السنهورى وحده هو الرافض للانقلاب على الديمقراطية الذى تكشفت ملامحه الأولى بانقلاب عبدالناصر على محمد نجيب، بل كشف اجتماع الميس الأخضر ــ الذى واجه فيه ضباط سلاح الفرسان عبدالناصر ــ خطورة ما يفعله هو وأتباعه بمجلس قيادة الثورة على مستقبل البلاد، وقال لهم عبدالناصر بوضوح (الشعب المصرى لم يبلغ بعد مرحلة أن تكون له قدرة على التعامل بالديمقراطية لذلك يجب أن نحكم نحن ) وحين عارضوا ذلك وقالوا له إن قيم الديمقراطية تترسخ بالممارسة والتعلم ولا يمكن أن نفرض الوصاية على أهلنا، كان قراره النهائى أننا أكثر دراية بما يجب فعله وسنفعله، وبالفعل تم عزل محمد نجيب، وبدأت مرحلة الزعيم الملهم التى انتهت بالنهاية التى يعلمها الجميع.

•••

مبررات تأجيل الديمقراطية فى كل عصر ومرحلة تتنوع، ولكنها فى الأغلب واحدة من هؤلاء:

أولا: مواجهة العدو الخارجى وكان شعار (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) أيام المواجهة مع اسرائيل طريقا للهزيمة والنكسة المهينة.

ثانيا: تحقيق الأمن الداخلى برفع شعار (الأمن قبل الديمقراطية) وكل من رفعوا هذا الشعار لم يحصلوا على الأمن ولا الديمقراطية.

ثالثا: توفير لقمة العيش وتحقيق التنمية (لقمة العيش قبل الحرية) ولم نرَ تجربة لدولة قمعت الديمقراطية وانتهكت حقوق الإنسان ثم استطاعت إطعام شعبها وكفايته بل أغرقته دوما فى الديون التى انتقصت استقلالية قراره وحملت الأجيال الجديدة إرثا بائسا تدفع ثمنه.

رابعا: الادعاء أن الشعب غير ناضج لممارسة الديمقراطية، وأن اختيارات غير المؤهلين للديمقراطية ستكون سيئة ضد مصلحة الوطن.

خامسا: حماية الدولة من السقوط لأن الدول التى حاولت تطبيق الديمقراطية سقطت وتفككت لذلك فلا مجال للديمقراطية، التى ستسقط الدولة.

سادسا: الديمقراطية مؤامرة خارجية، ودعاتها والمطالبون بها عملاء وخونة يريدون تدمير الوطن.

•••

تعددت الذرائع لتأجيل الديمقراطية فى مصر والعالم العربى واستبدالها بأشكال ديكورية منتقصة ومشوهة. وظل هناك من يفرض دوما وصايته على المصريين، وظل أيضا من يروج لهذه الخرافات السابقة من نخب سياسية وفكرية وإعلامية ودينية يتم استخدامهم لتزييف وعى الجماهير وكما يقولون (لا يستطيع المستبد أن يحكم إلا بمساعدة مثقف خائن للحرية ومزيف للوعى).

من العجيب أننا لا نتعلم من أخطاء الماضى ويظهر كل حين مروجون لهذا الإفك يقومون بتسويق هذه المبررات، ومن المذهل أن مظاهرات مارس 1954 كانت مأجورة ومدبرة لكننا اليوم قد نجد أصواتا مشابهة ومطالبات ليست بالضرورة مأجورة وتتبنى هذه الأفكار.

النظام السياسى العربى يبدو أنه قد جند كل إمكاناته لإجهاض أى تحول ديمقراطى كان متوقعا عقب ثورات الربيع العربى، وساعد غباء الإسلاميين وسوء إدراكهم على إهداء الاستبداد فزاعات ومبررات لسحق الديمقراطية ورفع الشعارات السابقة مع عدم إغفال دور بعض النخب المدنية التى انحازت للنظم السلطوية بعد عجزها عن مواجهة الإسلاميين شعبيا وسياسيا لذلك قررت التحالف مع الأنظمة على حساب الديمقراطية.

كل ما أصاب الديمقراطية الناشئة فى بلادنا من انتكاسات سببه الاستبداد والتطرف الدينى، وهما وجهان لعملة واحدة ولا يستطيعان العيش منفردين. الاستبداد يحتاج لخلق العدو وتفزيع الجماهير به، والتطرف الدينى يحتاج الاستبداد لخلق المظلومية التى يصعد بها مشروعه.

لم تكن داعش لتظهر إلا بوجود حاكم طائفى مستبد مثل المالكى فى العراق، وقاتل موتور مثل بشار الأسد فى سوريا، ولم تكن ليبيا لتصل لهذه الأوضاع الكارثية إلا بصنيعة القذافى وتراثه، الذى حرث الأرض للتطرف، ولم تكن الثورة المصرية لتُختطف إلا بسوء حسابات الإسلاميين وطمعهم ونهمهم للسلطة مع استغلال الثورة المضادة لتشتت الثوار لتثبيت أقدامها وإعادة إنتاج نفس المقولات.

المسئولية اليوم كبيرة للغاية على دعاة الديمقراطية تتمثل فى دحض وتفكيك خرافات ترسيخ الاستبداد، وكذلك مواجهة التطرف الدينى المتصاعد والذى هو نتاج الاستبداد وتأجيل الديمقراطية. نحن ندور فى حلقة مفرغة بين المستبدين والمتطرفين ولابد أن نخرج من هذه الثنائية القاتلة لأى حلم بالتقدم والتنمية واللحاق بركب الحضارة الإنسانية.

معركتنا تحتاج إلى النفس الطويل لكن لا بد من خوضها حتى لا يضيع مزيدا من عمر الوطن فى إعادة إنتاج الفشل.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات