الأوصياء يمتنعون - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأوصياء يمتنعون

نشر فى : الخميس 8 أكتوبر 2009 - 10:30 ص | آخر تحديث : الخميس 8 أكتوبر 2009 - 10:30 ص

 من المستحيل أن نتحدث عن الأوصياء دون الحديث عن القُصَّر (بضم القاف وفتح الصاد المشددة)، فوجود الأوصياء يتناسب تناسبا طرديا وعكسيا مع وجود القُصَّر من عدمه. ومن الملاحظ أن مجتمعنا المصرى وبقراءة سريعة لأحواله، قد اتفق على أن الشعب قاصر، وبالتالى لا بد من وجود أوصياء عليه، وهذا الاتفاق ليس وليد اليوم ولكنه عبر الأجيال، أى منذ أيام الفراعنة وإلى اليوم، مرورا بحقب زمنية متعددة. فقد أذل الفرعون الشعب المصرى وسخره فى بناء المعابد والأهرامات. وكان الأوصياء هنا عبارة عن تحالف بين الملوك والكهنة، أى تحالف السياسة مع الدين، على إخضاع الشعب ومعاملتهم معاملة الأطفال. وتوالى على الشعب الحكام اليونانيون ثم الرومانيون، وبعدهم جاء العرب لتخضع مصر للخلافات الإسلامية المتعاقبة. وكان آخر حاكم للأتراك الأوصياء الملك فاروق. ثم تحول الوضع بقيام الثورة ليصبح الرئيس الوصى منا وعلينا بدءا من جمال عبدالناصر وحتى اليوم. لكن نظام الأوصياء لم يتوقف فى عصرنا الحالى على الوصاية السياسية بالمعنى التقليدى لكنه امتد إلى الوصاية الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية...الخ، وهذا أمر غريب وليس له مثيل فى أى دولة من دول العالم. ودعونا نتأمل فى بعض النوعيات المختلفة من الوصاية.

أولا ــ الوصاية السياسية:

من الواضح جدا أن هناك وصايا سياسية على الشعب المصرى، ومبرر هذه الوصاية أن الشعب المصرى غير قادر على أن يمارس الديمقراطية بشكل كامل وطبيعى. فلا يوجد وعى حقيقى لدى جماهير الشعب، وبالتالى لو أطلق الخيار لهذا الشعب فسوف لا يختار الاختيار الصحيح أو الذى فى صالحه، وبالتالى لا بد من وضع خطوط حمراء لا يتجاوزها الشعب فى اختياراته السياسية.. لأنه مثلا لو قمنا بعمل استفتاء للعلاقة مع إسرائيل فسوف يطالب غالبية الشعب بإلغاء المعاهدة، وإذا قمنا بعمل انتخابات حرة فسوف يصل الإخوان للسلطة..الخ، هذا ما تروجه وسائل الإعلام التى تتبنى الوصاية السياسية لكن الحقيقة غير ذلك تماما، فمعظم الشعب المصرى يرفض إلغاء المعاهدة ويرفض حكم الإخوان، وإن كان هناك من يقبل فليس حبا فى إسرائيل أو الإخوان لكن كرها فى أسلوب الوصاية الذى يراه يضغط عل أنفاسه. وهناك أمر آخر فى منتهى الوضوح، وهو أنه فى كل قضية سياسية أو الرغبة فى اتخاذ قرار تتعلق الأنظار وتصاغ الأسماع لمعرفة رأى الرئيس.. وإذا ما أشار الرئيس من بعيد عن رأيه، تجد أن جميع الدراسات والجهود تنحى جانبا ويجند الجميع لتحقيق ما أشار إليه الرئيس. ولا شك أن الرئيس يكون قد درس الأمر، إلا أن الجميع يقدمون دراساتهم وينتظرون رأى القمة. ودليلنا على ذلك قرارا ذبح الخنازير بدلا من إعدامها، وغلق المدارس. وهذان القراران لم يكونا فى حاجة إلى تلميحات الرئيس.. بل إن قرار ذبح الخنازير ثبت خطؤه، وكنا نرجو أن يثبت صحة قرار تأجيل المدارس. الذى أريد أن أشير إليه هنا ليس صحة القرار من خطئه، لأن هذه القرارات جميعها نسبية، فلا يوجد قرار صحيح تماما أو خاطئ تماما.. لكن المشكلة فى انتظار القُصَّر فى قلق وتوتر بعد دراسات واجتماعات واقتراحات... إلخ، إلى أن يلمح لهم الوصى بما يريد. والعيب هنا ليس على الوصى بقدر ما هو على القُصَّر الذين لا يريدون أن يبلغوا سن الرشد.

ثانيا ــ الوصاية الدينية:

وهى من أصعب وأقسى أنواع الوصاية، لأن رجال الدين يتحدثون باسم الله.. وبالتالى على القُصَّر الطاعة وعدم المناقشة. ولمصر تاريخ طويل فى الوصاية الدينية، لكن لم تبلغ الوصاية الدينية ذروتها فى أى مرحلة من مراحل التاريخ المصرى مثلما بلغته اليوم، فالمؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية تفرضان وصايتهما وبصورة مبالغ فيها على الشعب المصرى. وعلينا أن نتخذ أكثر من مثل لذلك، عليك أن تستمع إلى رأى رجال الدين فى الحديث عن المرأة وستجد عجب العجاب، فهم يتحدثون عن كائن غير عاقل وغير مفكر، كائن يمتلكه الرجل، وأى حديث عن تحرير المرأة يأتى من أقلية الأقلية سواء كانوا فقهاء مسلمين أو مفكرين مسيحيين، فالمرأة التى تخرج عن هذا الخط هى فاجرة وكافرة...الخ. ثم تأملوا معى ما حدث للصحفية السودانية لبنى حسين فقط لأنها ارتدت سروالا، وما حدث للذين يجاهرون بإفطارهم فى رمضان، وكل هذا يعنى أن الشعب المصرى قاصر ولابد من أوصياء يعرفونه ما هو الحلال؟ وما هو الحرام؟ ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فلقد أعلن شيخ الأزهر والبابا شنودة تأييدهما لرئاسة السيد/ جمال مبارك وهذا حتى قبل إعلان أى ترشيحات للمنصب. ونحن هنا لا نتحدث إطلاقا عن جدارة السيد جمال لحكم مصر من عدمه، لكننا نتحدث عن مبدأ الوصاية.. فبإعلانهما هذا برآ ذمتيهما، وهما لا يعلمان أن مثل هذا الأسلوب فى محاولة السبق الزمنى ــ بلا شك ــ ليس فى صالح المرشح، لأن الشعب يرفض الوصاية ويتمرد عليها، لأنه بطبيعته يرفض السلطة. أما آخر ما قرأته فى جريدة الدستور فى أمر الوصاية، أن فضيلة المفتى تقابل مع نبيل ابن المطرب محمد فوزى فى حفل إفطار فقال له: يا نبيل إنى أرى والدك مع الأبرار القديسين فى الجنة، فتعجب نبيل قائلا: لكن يا مولانا أبى كان يشرب الخمر، فسأله فضيلة المفتى: هل رأيته يمسك الكأس فقط أم يشرب منه، قال نبيل: رأيته يمسك الكأس، وهنا جاءت الفتوى: «لقد كان يجامل أصحابه دون أن يشرب»، وهنا استراح نبيل لمصير والده. وهكذا وصلت الوصاية أن رجال الدين يمتلكون مفاتيح الجنة ويقدمون صكوك الغفران التى كان يقدمها الكهنة فى العصور الوسطى، والتى أطلق عليها قرون الظلام.

ثالثا ــ الوصاية الثقافية:

يوجد عدد من المثقفين يفرضون وصاياتهم بوضوح على الحياة الثقافية المصرية. بالطبع هؤلاء لا تطاول قاماتهم الأجيال السابقة من المثقفين الذين نادوا بالليبرالية المصرية والخروج من المأزق الدينى، مثل أحمد لطفى السيد وطه حسين وزكى مبارك وزكى نجيب محمود.. وغيرهم. لكن معظم مثقفى اليوم ينقسمون إلى قسمين رئيسيين، الأول يبذل جهدا خارقا مع النص الدينى ليستنطقه بأنه يقبل الاختلاف مع الآخر، بل ويرحب بهذا الاختلاف، وأن الكتب المقدسة تحض على المسامحة والاستنارة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالطبع يقوم المثقف هنا بعملية انتقائية من النص الدينى حيث يوجد فى النصوص الدينية ما هو عكس ما يستشهد به. هؤلاء يحاولون عقد مصالحة بين الدين والعلم أو الدين وحقوق الإنسان وكلها محاولات فاشلة، لأن الدين يقوم على فكرة الشعب المختار، ورؤية كل أتباع دين لله إنه اختارهم كأفضل شعوب الأرض. هؤلاء يفرضون وصايتهم على النص وعلى البشر الذين يسمعونهم.. أما الصنف الآخر فهم أولئك الذين يعتبرون أن النصوص الدينية تحتوى على كل ما يحتاجه الإنسان من ثقافة وعلم...الخ، وهؤلاء أيضا يفرضون وصياتهم على الناس. والحقيقة أن المثقفين الحقيقيين هم الذين يفصلون تماما بين ما هو علمى وثقافى وما هو دينى، فالدين وجدان وإيمان وروحانيات، أما الثقافة فهى نوعية أخرى لإشباع الوجدان والعاطفة الإنسانية والفكر العلمى، وهذا ليس من الإيمان فى شىء، فالدين أساسه الإيمان والعلم أساسه الشك. لكن تجد هؤلاء المثقفين الأوصياء يرفضون أى إبداع أو تجديد، وهذا ضد الثقافة، بل ويضعون خطا أحمر للتجديد، لذلك لا يخرج من تحت أيديهم شبابا مثقفا مبدعا مجددا. دليلنا على ذلك أنه فى مناظرة أخيرة بين مجموعة من المثقفين الليبراليين وقادة دينيين عن ماذا يحدث لو أطلقنا الحرية الدينية فى مصر؟، اتفق 90% من المناظرين على أن عموم الشعب المصرى لا يزالون أطفالا لن يمارسوا هذه الحرية بنضوج. وقال أحدهم إذا حدث ذلك فكأنك وهبت درجة الدكتوراه لطفل فى المرحلة الابتدائية.

لقد كاد الشعب المصرى أن يختنق من كثرة الأوصياء عليه، مما جعله شعبا كسولا فكريا، إذا احتاج لرأى سياسى يتجه إلى الوصى السياسى، وإذا احتاج إلى رأى دينى يولى وجهه نحو الوصى الدينى، أما إذا احتاج إلى الوصى الثقافى فما عليه إلا أن يتقدم نحو وصيه الثقافى، بل هو الآن لن يحتاج حتى إلى أن يسأل الأوصياء عليه فقط أن يدير مفتاح التليفزيون وسوف يراهم جميعا يتنافسون على إراحته من كل هذه الجوانب، يحملونه على أكف الراحة، ويسقونه الدين والثقافة والسياسة ويتركونه لينام مستريحا يحلم بالمدينة الفاضلة على الأرض وبالجنة فى السماء.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات