ترشيحات الخلافة وكولوش - خالد الخميسي - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 10:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ترشيحات الخلافة وكولوش

نشر فى : الأحد 8 نوفمبر 2009 - 10:13 ص | آخر تحديث : الأحد 8 نوفمبر 2009 - 10:13 ص

التوريث.. ترشيح شخصيات عامة للخلافة.. الرئيس مبارك سوف يستكمل المسيرة «لآخر نفس» كما صرح بذلك بنفسه من قبل.. مجلس حكماء وفترة انتقالية. اقتراح من هنا ومبادرة من هناك وصمت كصمت القبور من قبل الحزب الحاكم. وسط هذا العراك الذى يموج به سطح الحياة السياسية فى مصر أود أن أعود ثلاثين عاما إلى الوراء لقص حدوتة تصلح أن تكون حدوتة قبل النوم. وهى حدوتة كولوش وترشيحه لنفسه لخوض غمار الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 1981.

وكولوش هو ممثل كوميدى، مهنته الأساسية ليست التمثيل فى الأفلام أو فى الأعمال التليفزيونية وإنما تقديم عروض على خشبة مسرح عبارة عن مجموعة من الاسكتشات الساخرة التى تهدف إلى الضحك من خلال تقديم نقد اجتماعى وسياسى وإنسانى. وفى أحد هذه المسارح التى كان يقدم فيها كولوش عروضه، وفى يوم 30 أكتوبر عام 1980 وكان عمره آنذاك 36 عاما، دعا عدد من الصحفيين وأعلن رسميا أنه سوف يكون واحدا من العدائين فى سباق الرئاسة الفرنسية. وقال فى هذه الليلة جملته الشهيرة: إنهم (أى رجال السياسة) يتعاملون معنا (الشعب) كمغفلين، إذن صوتوا لمغفل». كان رئيس الجمهورية الفرنسى فى هذا الوقت هو فاليرى جيسكار ديستان من جناح اليمين الفرنسى ومنافسه الرئيسى فرنسوا ميتران رئيس الحزب الاشتراكى، كلاهما لم يعر موضوع كولوش أى اهتمام باعتبارها نكتة لا تستحق غير قهقهتين ليستمرا بعدها فى التقطيب إلى الأبد. لكن سوف يقوم استطلاع رأى بتغيير طعم هذه النكتة تماما.

ففى 14 ديسمبر عام 1980 أظهر استطلاع رأى تم نشره فى جريدة الأحد أن 16% من الشعب الفرنسى يؤيد كولوش رئيسا للجمهورية. وتحول فجأة هذا المضحك الهزلى إلى قضية أمن دولة. وتوالت استطلاعات الرأى التى أكدت جميعها تعاطف نسبة مهمة من الشعب الفرنسى مع ترشيح كولوش. وبدأ الرعب يتسلل تدريجيا إلى قلب رئيس الجمهورية بعد أن بدأ كولوش فى شن حملة لا رحمة فيها ضد شخص وسياسات ديستان، كما تسلل نفس الرعب فى روح ميتران، بعد أن أكدت الاستطلاعات أن كولوش سوف يحصل أساسا على أصوات اليسار وبالتالى سوف يقضم بفمه قطعة كبيرة من كعكته الشخصية. ما الحل؟ كان الحل السريع هو فرض الرقابة العنيفة على هذا الرجل. تم منع ظهوره فى التليفزيونات وفى الإذاعات. حاول أصدقاؤه فى التليفزيون مساعدته ولكن تم منع برامجهم. وعلى الرغم من فرض الرقابة على ظهوره إلا أن شعبيته بدأت فى التصاعد. قرر حينها رئيس الجمهورية الاتصال بوزير داخليته لتحطيم كولوش سياسيا. وتم وضع كولوش ولمدة شهور لمراقبة دقيقة وتجسس على مكالمته التليفونية وبدأت سلسلة من المقالات فى الظهور لتشويه صورته. ولكنه رغم كل ذلك يستمر فى حملته الرئاسية للاستهزاء بنظام سياسى شاخ ورجال سياسة فقدوا البوصلة. ولكن كما نعرف جميعنا أن هؤلاء لم يفقدوا قدرتهم على البطش، ففى يوم استيقظ كولوش صباحا على خبر مقتل مساعده «رينيه جورلان» برصاصتين فى الرقبة. ثم يتلقى بعدها بيومين رسالة تهديد بالقتل. وفى يوم 6 أبريل 1981 يعقد مؤتمرا صحفيا ليعلن انسحابه لأن القصة لم تصبح مضحكة وإذا لم يضحك فكيف سوف يقوم بإضحاك الآخرين.

أسدل الستار عن تجربة فريدة من ممثل كوميدى عبقرى فى إثبات مدى هزلية النظم السياسية القائمة ومدى عبث النظم المؤسسية. وأثبت فى شهور قصيرة عقم هذه الشخصيات التى تقود البلاد لمصلحتها أساسا. كما أوضح للجميع أن الشعب قد مل من الأوضاع الحالية وأنه يرغب فى القيام بثورة ليس على النظام القائم فقط ولكن على الأوضاع جميعها.

وما دخل فرنسا بمصر والفرق بين دخل الفرد فى كل من البلدين هائل؟ هو أن الناس هنا وهناك قد فقدوا تماما ثقتهم فى النظام العام القائم. الأمر لا علاقة له فقط بشخص رئيس الجمهورية، فتردى الأوضاع قد فاق هذه المرحلة بزمن ليس بيسير. نحتاج أن نفكر فى نظام جديد، عقد اجتماعى جديد. رؤية جديدة لعلاقة الناس بالسلطة التنفيذية، فى إطار من الضحك والمتعة وليس فى إطار من القتامة يتميز بها من يتصور نفسه من النخبة المنتخبة.  

خالد الخميسي  كاتب مصري