«حروب فاتنة».. تمرد العقل والجسد - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الأحد 12 مايو 2024 3:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«حروب فاتنة».. تمرد العقل والجسد

نشر فى : الخميس 9 مايو 2019 - 11:25 م | آخر تحديث : الخميس 9 مايو 2019 - 11:25 م

هذه المجموعة القصصية تعيد الاعتبار إلى متعة وبهجة قراءة السرد القصير، وتنضم بجدارة إلى قائمة أفضل ما قرأت من كتب فى 2018، حسن عبدالموجود فى «حروب فاتنة» الصادرة عن الكتب خان، يدخل شخصياته فى تجارب فريدة، يسير معهم قدما بقدم، ويشاركهم مأزق اللحظة، وسطوة الزمن، وخيبة السعى، ولكنهم أبدا لا يستسلمون: إذا خذلهم الواقع، منحهم الخيال أجنحة، وصنعت لهم إرادتهم ألف معنى. سرد رائق متمكن، ينسج بدأب وبذكاء، ويرسم ملامح شخصيات لا تنسى، كما أنه من النادر أن يأتلف التعاطف مع السخرية على هذا النحو اللامع والمتماسك.

معزة متمردة، ولوحة مرسومة، ونافذة مفتوحة، ودراجة منسية، وجبل متغطرس، وشجرة معمرة، ومحطة خارج التاريخ، ليست هذه الأشياء أقل بطولة من الشخوص، بل لا يمكن فصلها عنهم، وكأنها بطاقة تعارفهم، وهناك دوما مساحة لكى تشارك متأملا، إثر نهايات محكمة، ولا أظن أن نوعا أدبيا آخر، بخلاف القصة القصيرة، يمكنه أن يكثف الفكرة، ويصنع التأثير بمثل هذه القوة والوضوح.

مأزق شخصيات المجموعة سببه المسافة بين واقعها وأحلامها، بين ما خططت له وأرادته، وبين ما حصلت عليه، بين أوامر عليا واجبة التنفيذ، وحرية وتمرد نولد بهما، ويتعرضان للقمع، تلجأ الشخصيات، تحقيقا للتوازن، فى كثير من الحالات، إلى واقع مواز، إلى لحظة تحقق حميمية أو مختلسة، الحروب الفاتنة فى جوهرها تتجاوز معنى القصة البديعة التى تحمل نفس الاسم فى المجموعة، إنها حروب الإنسان مع الزمن، مع اللحظة، ومع القوة الراسخة التى تريد برمجته، من هذا الصراع، الذى يجيد الكاتب رسمه، تنشأ دراما فاتنة حقا، يثريها الخيال، وتزينها المفارقات الواقعية، والتى تبدو أكثر جموحا من الخيال.

يمكنك أن تلمس هذا المفارقات فى هيئة المناضل القديم، الحائر بين واجب الحزب، وواجب الحب، وأن تراها فى أزمة موظف خارج الزمن والتاريخ، وفى دهشة مثقف من حيوان يحول كتبه إلى طعام، وفى تكليف جندى مقاتل بحراسة شجرة، ولكنك يمكن أن تتحرى الرد قويا ومبتكرا فى كثير من القصص، سواء فى علاقة جسدية تتحدى العالم من خلال شباك مفتوح، أو فى ابتكار وسيلة لاستدعاء النوم، أو للقفز إلى قلب لوحة استجابة لجمال بطلتها، أو فى لحظة اقتحام جريدة لإعطاء درس، واستعادة دور ومعنى.

الخيال والجنس فى هذه المجموعة وسائل تمرد، وأفعال احتجاج، وليسا مجرد لوحات مجانية، وكأنهما يترجمان تمرد العقل، وتمرد الأجساد، ماذا يمتلك الإنسان فى مواجهة واقعه سوى إرادته وخياله وجسده؟

العجوز المنسى من أيام الوحدة المصرية السورية، يتحقق جسديا مع فتاة فى قلب المكان المنسى، يمارس لأول مرة فعل الحياة، فى قلب عالم ميت، لا يريد أحد أن يعترف بموته، والهروب من الموكب الرسمى، يكون أيضا مع العشيقة التى تتمرد على التقاليد، فعلان فى زمن واحد: الحياة فى رسميتها وقواعدها وأوامرها الصارمة، والإنسان فى تمرده، وبحثه عن حريته، من هذه الثنائية، تكتسب القصص حيويتها، وتبدو الحروب جديرة، حقا، بأن تستمر حتى النهاية، مهما كانت النتائج.

يلفت النظر، أيضا، دور المرأة فى كثير من قصص المجموعة، تبدو كما لو كانت طوق النجاة، والجانب الأكثر حياة فى الواقع المزعج، فى إحدى القصص، تذهب الزوجة إلى زوجها المدرس باليمن، تسانده فيشفى من مرضه، وتعيد الحياة إلى جسده بالحب، وتواجه معه جبلا قاسيا، وظروفا أكثر قسوة، المرأة هى الأم التى جلبت المعزة إلى المنزل، فاكتشف الراوى عالما تحكمه الغريزة والفطرة، قد يكون عالما فوضويا، إلا أنه مختلف ومثير للدهشة، المرأة عالم بأكمله، يمكن أن يغير المسار، إيجابا أو سلبا، لعلها أيضا من الأمور القليلة التى تستحق الحرب من أجلها.

وإذ يمتزج العادى بغير المألوف، وإذ يرفض الأبطال الاستسلام، فإن شخصيات حسن عبدالموجود وحكاياته، تمنحنا شعورا بالأمل فى تغيير ما، ولو على مستوى فرد، يصعد جبلا، حاملا حقائب أحلامه، انتظارا للحظة تحقق عابرة.

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات