حرية الصحافة والإعلام تقيد بالقانون - طارق عبد العال - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حرية الصحافة والإعلام تقيد بالقانون

نشر فى : الإثنين 9 يوليه 2018 - 10:45 م | آخر تحديث : الإثنين 9 يوليه 2018 - 10:45 م

تعد حرية التعبير وإبداء الرأى من قبيل الحقوق المقدسة للإنسان، والتى تعتبر حرية الصحافة أهم تجسيداتها، فهى تعنى فى المقام الأول عدم خضوعها للرقابة والترخيص والضرائب، وتمكين رؤساء تحرير الصحف من صلاحية تقرير سياسة الصحيفة، وكذا الحق فى التحقيق والحصول على المعلومات، وأيضا حرية نشر هذه المعلومات والآراء، وذلك حتى تتحقق الأهمية المرجوة من الصحافة، وكون الصحافة لن يتأتى لها أن تؤدى الدور المنوط بها وتتحقق الأهمية المرجوة منها إلا بكفالة حريتها، ولا مجال للإبداع بدون حرية، ولا قيمة للتقدم بدون تحقيق المزيد من الحرية، وتزداد الحرية قيمة وتربو مكانة حين تقترن للصحافة وترتبط هذه الأخيرة بها، وهذا للمكانة التى تتبوأها الصحافة كإحدى وسائل التعبير عن الرأى فى المجتمع المعاصر والمنزلة التى تحتلها فى النظام الديمقراطى، فهى السبيل إلى معرفة ما يدور فى المجتمع، والإحاطة بالقيم الاجتماعية والسائدة بين جنباته، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنها تكشف عن النقص المتفشى بالمجتمع، وتعمل على دفع الجهات المسئولة عن إصلاح وتكملة هذا النقص سواء من النواحى الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية. هذا الدور الأساسى للصحافة هو ما يفسر سر اهتمام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ــ عالمية كانت أم إقليمية، ولذلك فقد أوردت فى متن نصوصها العديد من القواعد المؤيدة لحرية الصحافة والإعلام، وكذلك حرصت كل الدساتير العالمية على إبراز دور الصحافة والحفاظ على حريتها، وضمان فاعليتها، ولم يخرج عن ذلك المشرع الدستورى المصرى منذ أن عرفت مصر الدساتير المكتوبة، وهذا ما سار عليه الدستور المصرى الأخير لسنة 2014، حيث أقرت مادته رقم 65 على أن حرية الفكر والرأى مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول والكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر، ثم جاءت المادة رقم 70 بالنص على كفالة حرية الصحافة والطباعة والنشر، وضمنت حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام لكل الأشخاص الطبيعية أو الاعتبارية، وأن يكون إصدارها بمجرد الإخطار، كما حظرت المادة 71 فرض الرقابة المطلقة على الصحف ووسائل الإعلام، إلا فى زمن الحرب أو التعبئة العامة، كما قيدت كذلك توقيع عقوبات سالبة للحرية على جرائم النشر، وضمنت المادة 72 استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام. وهذا كله لا يعنى إلا تطبيقا للنظام الديمقراطى الذى يعنى اتصال الحكام بالمحكومين للتشاور حول نظام الحكم، وإدارة الدولة، فإن الصحافة هى همزة الوصل بين الطرفين. فمن خلالها يعلم الحاكم ما يريده الشعب وعبرها يقف الشعب على تصرفاته، يتمكن من الرقابة على أعمال الحكومة فهى تعد بحق الوسيلة الفعالة لممارسة هذه الرقابة، لذا فلابد من كفالة حريتها، وأنه بدون كفالة هذه الحرية يكون ضمان هذا الحق ضربا من المستحيل.
***
وإذا كان الدستور قد عقد للقوانين مهمة تنظيم كيفية ممارسة حرية الصحافة والإعلام، فإن ذلك لا يعنى تقييد تلك الحرية أو وضع المزيد من العقبات سواء كان فى كيفية إنشائها أو كيفية ممارستها، إذ إن هناك حدودا للقوانين حينما تقوم بمهمة تنظيم حق أو حرية لابد أن تقف عنده، وأهم تلك القواعد أو الحدود التى يجب أن يقف عنده حد القانون، هى ضمان ممارسة تلك الحقوق، وعدم إثقالها بالقيود، وألا يجور عليه أو يحد من نطاقها بما يفرغها من مضمونها، الذى حرص الدستور على صونه وكفالته.
وإذ إن مجلس النواب قد وافق الشهر الماضى من حيث المبدأ على مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام، وإحالته إلى مجلس الدولة لإعداد تقريره بشأن ذلك القانون، وبالاطلاع على نصوص ذلك المشروع، نجد أنه يتجاوز حدود تنظيم الحق، بما يعد أو يمثل نوعا من الجور على حرية الصحافة والإعلام، وأهم المواد التى تمثل افتئاتا على حرية الصحافة والإعلام فى مشروع القانون، ما جاء منها متعلقا بطريقة الإنشاء فى المواد أرقام 35، 36، 37، 54 والتى بها تجاوز فى حدود المبالغ المالية المطلوبة للموافقة على التأسيس. كما أن ذلك المشروع قد توسع فى استخدام العبارات الفضفاضة، والتى تحتمل التأويل، وهى عادة أصبحت ملازمة للتشريعات المصرية، ونجد لذلك مثالا فى المواد أرقام 4، 15، 199، والتى وردت بها ألفاظ التعصب، والكراهية، والتعرض للأديان، والمواد الإباحية، وممارسة نشاط مُعادٍ للديمقراطية، والتعرض للحياة الخاصة للمواطنين والمسئولين، وهى كلمات غير منضبطة وبلا تعريفات واضحة. كما أن المادة 19 قد منحت المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام حق وقف الصفحات الشخصية على فيسبوك وتويتر والمدونات وغيرها، إذا تعدى عدد المتابعين ٥ آلاف متابع، وذلك فى حالة الوقوع فى خطأ أو جريمة من الجرائم السابقة.
كما خول القانون لسلطات المجلس الأعلى للإعلام الذى يهيمن عليه وفقا لطريقة الاختيار الموضوعة بهذا القانون الطابع الحكومى، ولا يمثل فى مجلس إدارته الصحفيين أصحاب القضية الأساسية والمصلحة المفترضة، وكذلك هم أصحاب الحق المراد تنظيمه والحرية التى لا يجوز تهميشها، إذ منحه صلاحيات كبيرة فى محاسبة الوسائل الإعلامية والصحفية، كما أنه ألزم المواقع الإلكترونية بتسليمه نسخة من المواد المنشورة بها، ومنحه حق إصدار التراخيص أو سحبها، فضلا عن وقف تجديدها من عدمه. كما أن القانون ساوى بين الصفحات الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعى بالصحف والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية، سواء فى المساءلة أو الحجب، ومنح المجلس الأعلى للإعلام حق تحويل صاحب الصفحة للنيابة العامة إذا رأى المجلس أن ما ينشره صاحب الصفحة مخالفا لأعراف الدولة أو الحكومة.
***
وقد جاء مشروع ذلك القانون مقننا لأمر حبس الصحفيين فى العديد من مواده مثل المادة (104) يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة أو بالغرامة التى لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على ثلاثة ملايين جنيه كل من تعمد اعتراض أو تعطيل أو تشويش موجات بث إذاعى أو تليفزيونى مخصصة للغير ومرخص بها، والمادة (105): يُعاقب بغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على ثلاثة ملايين جنيه كل من خالف أحكام المواد (6) و(41) و(59) و(67) من هذا القانون، وتقضى المحكمة فضلا عن ذلك بالغلق ومصادرة المعدات والأجهزة ومكوناتها التى استُعملت فى ارتكاب الجريمة، و(106) تعاقب الوسيلة الصحفية، أو المؤسسة الإعلامية، أو الموقع الإلكترونى بغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على مليونى جنيه إذا ثبت فى حقها مخالفة طبيعة النشاط المرخص لها به، وتقضى المحكمة فضلا عن ذلك بإلغاء الترخيص أو حجب الموقع، والمادة (107): مع عدم الإخلال بتراخيص وتصاريح الأجهزة والمعدات التى يصدرها الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام دون الحصول على موافقة المجلس الأعلى بأحد الأفعال الآتية، والمادة (109): يُعاقب بذات العقوبة المقررة عن الجرائم التى ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون المسئول الفعلى لدى الشخص الاعتبارى عن الإدارة، أو رئيس القسم المتسبب فى ارتكاب الجريمة إذا ثبت علم هذا المسئول بها، أو كان من ضمن واجباته الوظيفية أن يعلم بها، وكان إخلاله بالواجبات التى تفرضها عليه وظيفته قد أسهم فى وقوع الجريمة، وفى جميع الأحوال يكون الشخص الاعتبارى مسئولا بالتضامن عن الوفاء بما يحكم به من عقوبات مالية أو تعويضات، هذا فضلا عن تقنينه للحبس الاحتياطى للصحفيين.
ومن خلال ذلك العرض فإننا نعقد الأمل على مجلس الدولة فى الحفاظ على قيم حرية الصحافة والإعلام والنشر، بأن يقوم بتعديل أو تغيير ما جاء بهذا المشروع من مواد تصب غالبها فى صالح تقييد الحق، وليس تنظيمه، وهذا الأمل نراه يتفق والدور المعقود دائما على عاتق رجال القضاء الإدارى فى صونهم للحقوق والحريات.

طارق عبد العال باحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية
التعليقات