الفيل الأزرق.. فى متاهة - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفيل الأزرق.. فى متاهة

نشر فى : السبت 9 أغسطس 2014 - 7:35 ص | آخر تحديث : السبت 9 أغسطس 2014 - 7:35 ص

بعيدا عن الرتابة، والمألوف، وكل ما هو متوقع، ينطلق هذا العمل، فى أجواء تكاد تكون جديدة فى فضاء السينما المصرية. لذا يعتبر مغامرة جريئة، تتحرر من عشرات القيود التى تكبل أفلامنا، سواء على مستوى الصورة، بتفاصيلها اليقظة، أو بالنسبة للنجوم، بأبعاد لم نعتدها من قبل، أو الحكاية المبتكرة، الملتبسة، المشوقة، التى تثير أكثر من سؤال. كريم عبدالعزيز، فتى الشاشة الحبيب، المحبوب، بوجهه المتناغم الملامح، الرومانسى، الشقى، المبتهج غالبا، يطالعنا هذه المرة وقد اختفت ابتسامته، وتسترت عيناه خلف نظارة سوداء، فضلا عن لحية قصيرة، كثيفة الشعر، موصولة بشاربه. يسير، بلا حماس، فى أروقة تؤدى لمكتبه فى مستشفى الأمراض النفسية. يوحى أنه يعانى من اكتئاب سنعرف سببه لاحقا.. براعة الاستهلال هنا لا توازيها إلا الطريقة اللافتة فى تقديم ممثلنا الموهوب، خالد الصاوى. الطبيب النفسانى، يحيى راشد ــ كريم عبدالعزيز ــ العائد إلى عمله بعد خمس سنوات من الانقطاع، يقلب ملفات حالات عنبر مرتكبى الجرائم، نزلاء المستشفى، كى يكتب تقارير عن قواهم العقلية.. يستوقفه ملف صديقه القديم، الدكتور شريف الكردى ــ خالد الصاوى ــ الذى قتل زوجته بإلقائها من أحد الأدوار العليا، بعد اغتصابها بعنف. خالد الصاوى، يواجهنا فى مشهده الأول بوجه يعبر عن طباع مركبة، متضاربة، متعددة الجوانب، يوحى أكثر مما يصرح؛ أنه مستكين، هادئ، صامت، لكن يعطى إحساسا بالخطر، من الممكن أن يغدو، فى لحظة، عدوانيا، شرسا، صاخبا. نظرته تجمع بين الإنهاك النفسى، خاصة بجفونه المتورمة وجلد عنقه المترهل من ناحية.. ومن ناحية أخرى، ثمة لمعان عيونه، المفاجئ، الذى يوحى أن نشاطا عارما، مدمرا، سينتابه حل.

مشاهد الفيلم تتدفق سريعا، كل لقطة تتسم بتفاصيل دقيقة لا تتأتى إلا لمخرج متمكن من أدواته، يعرف تماما تأثير صوت ترابيس الأبواب الحديد لعنبر القتلة، ولا يفوته العناية بأشكال نزلاء ذلك المكان، بسحنهم التى تجمع بين الجنون والإجرام، بالإضافة إلى تلاشى الخط الفاصل بين الخيالات والواقع.. مروان حامد، مخرجنا الشاب، يتميز بنفحة حداثة لا تخطئها العين، ولا الأذن. زوايا التصوير، حيث تتحول الكاميرا إلى عين بشرية، تلتقط أشياء ويفوتها أخرى، وإلى جانب المؤثرات الصوتية ثمة الموسيقى المصاحبة التى تكثف الإحساس بالمواقف.

السيناريو الذى كتبه أحمد مراد، معتمدا على روايته ذائعة الصيت، بذات العنوان، أقرب إلى شكل المتاهة، ومضمونها أيضا.. دكتور يحيى ــ كريم عبدالعزيز ــ يريد الوقوف إلى جانب صديقه القديم، دكتور شريف ماهر ــ خالد الصاوى ــ طبعا، لكن الأخير، صامت تارة، عدوانى تارة.. وبعد عدة جلسات عاصفة، يرجح يحيى أن يكون شريف مصابا بالشيزوفرانيا، حيث يبدو واضحا أنه يعانى من اضطرابات وجدانية وسلوكية وعقلية، أدت به إلى قتل زوجته وهو فى حالة انفصام.

يأخذنا الفيلم إلى دائرة ثانية، فى بؤرتها، هذه المرة، الدكتور يحيى نفسه، فها هى عشيقته، أو صديقته، تناوله، وتتناول، حبة «الفيل الأزرق» المخدرة.. وبينما هو يغرق فى كوابيس، ويجعلنا نرى معه، كلبا أسود، فظيعا، تترك هى الشقة، وتندفع إلى الشارع، فتصدمها سيارة، تودى بحياتها. ينقلب السحر على الساحر. يصبح يحيى أقرب للمريض، أو الحالة، ويحاول شريف ماهر، القاتل المريض، تحليل حالته.

يسير الفيلم فى تلك الدروب، إلى أن يصل للغرفة الأخيرة، أو حجرة الأسرار التى تفك اللغز، ذلك اللغز المتمثل فى «تاتو» معين، إذا رسم على جسد إنسان، فإن جن ــ نعم جن ــ هذا التاتو، يحل فى الجسد المرسوم، وينصرف وفق هواه ــ أى هوى الجن وليس هوى الإنسان ــ وفيما يبدو، حسب ترجيح الفيلم، أن د. شريف، قتل زوجته، بدافع من «جنه»، وبالمناسبة اسمه«وائل» أو «نايل» أو «ناير» هكذا، بعد ما يقرب من ساعتين ونصف الساعة، من المتعة البصرية والسمعية والفنية، ينتهى «الفيل الأزرق» الضخم، بخزعبلة، لا شك ترضى من يبحث عن أوهام القوى الخارقة، لكن، بالتأكيد، تزعج كل من يحتكم للعقل والعلم.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات