تسييس الدين وتديين السياسة - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 10:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تسييس الدين وتديين السياسة

نشر فى : الإثنين 9 ديسمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 9 ديسمبر 2013 - 8:00 ص

ربما كانت الفائدة الوحيدة لسنة حكم الإخوان، أنها كشفت مخاطر خلط الدين بالسياسة، فقد بدا لبسطاء الناس الذين طالما خدعوا فى شعارات تيار الإسلام السياسى وفى القلب منه جماعة الإخوان، أن «الناس بتوع ربنا مش بتوع ربنا»، وأنهم طلّاب حكم وعشاق سلطة.

حين دخل الدين فى السياسة، صار تاريخ المسلمين حلقات متتالية من الصراع الدموى،فالذين قتلوا عثمان ابن عفان ورفضوا أن يدفنوه فى مقابر المسلمين كانوا مسلمين، والذين مثّلوا بجثة الحسين بن على، وصلبوا جثة زيد بن على بن زين العابدين بعد دفنها وتركوها تتحلل كانوا مسلمين، وحين أخرج ولاة بنى العباس رفات خصومهم من الأمويين ليجلدوها بالسياط فعلوا ذلك باسم الإسلام، وحين جلس أبوالعباس السفاح يأكل على جثث قتلاه من بنى أمية، وهو يردد أنه لم يأكل أطيب ولا أشهى من هذا الطعام، فعل ذلك بوصفه خليفة المسلمين، وحين دك الحجاج بن يوسف الثقفى الكعبة وأعمل سيفه فى رقاب معارضى حكام بنى أمية، فعل ذلك باسم الإسلام، وحين استبد معاوية بشئون الحكم وأحاله إلى ملك وراثى عضود كان يردد «أنا خليفة الله،ما أخذت لى، وما تركته للناس فضل منى».

هذا غيض من فيض،والتاريخ الإسلامى يعج بآلاف الأمثلة على النتائج الكارثية لتسييس الدين وتديين السياسة، منذ وفاة النبى وحتى سقوط الخلافة العثمانية.

تجار الدين الذين يخدعون الناس بشعارات «الحاكمية لله»، يعرفون أن القرآن الكريم ليس كتاب تشريع كما هو حال التوراة، وإنما كتاب رحمة وأخلاق وعدل وإنسانية، وأن ماورد فيه من آيات تتضمن تشريعات لا يتجاوز 80 آية من 6000 آية، وأنه لم ترد به سوى 4 عقوبات فقط فى الحدود، هى حد السرقة والزنا والقذف والحرابة، كما ورد القصاص فى القتلى فقط، واجتهد الفقهاء المسلمون فأبدعوا أحكاما لا تناقض النص وتناسب زمانهم، كما بيّن المستشار سعيد العشماوى فى كتابه المهم «الإسلام السياسى».

نحن نعرف أن الفاروق عمر أوقف حد السرقة فى عام الرمادة برغم أن الحد موجود نصا فى القرآن،كما ألغى زواج المتعة وحقوق المؤلفة قلوبهم فى الصدقات برغم ورودها فى آيات لم تنسخ من القرآن الكريم، كما ابتدع على بن أبى طالب عقوبة لشارب الخمر التى لم يرد عليها نص، واجتهد الفقهاء فجعلوا حد القذف شاملا الرجل أيضا برغم أنه بنص القرآن للمحصنات من النساء فقط، فهل اجترأ هؤلاء جميعا على حدود الله، أم اجتهدوا وأعملوا عقولهم بما يناسب زمنهم ويحقق مصلحة رعاياهم؟ تجار الدين يخدعون الناس حين يخلطون بين الفقه والشريعة، بين اجتهاد البشر ونصوص القرآن، وهم يعلمون أن الحكام والقضاة والفقهاء هم من شرعوا للناس استنادا إلى الخطوط العامة الواردة فى القرآن.

يخادعون الله والناس وهم يتحدثون عن الحاكمية لله، وهم يعرفون أن أحكام القانون المصرى فى المعاملات التجارية والبيع والشراء والديون وغيرها تتفق وصحيح الدين، وأن العقوبات فى مجملها «تعزيرية»، أى مما يستنبطه أولو الأمر والقضاة وفقا لمقتضيات زمانهم، لصعوبة تطبيق الحدود كما وردت فى القرآن من ناحية، ولقلتها مقارنة بما استجد فى حياة الناس من ناحية ثانية.

غاية الشريعة هى تحقيق العدل والرحمة والحرية والكرامة الإنسانية، أما السبيل إلى ذلك فأمر يخص المسلمين، فهم «أولى بشئون دنياهم».

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات