موقع مصر فى الأزمة الراهنة - سمير كرم - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 11:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

موقع مصر فى الأزمة الراهنة

نشر فى : الجمعة 10 أبريل 2015 - 9:25 ص | آخر تحديث : الجمعة 10 أبريل 2015 - 9:25 ص

الأزمة الراهنة التى تغطى منطقة الشرق الأوسط، ولا يمكن أن تكون هذه هى التغطية الوحيدة لمنطقة الأزمة، أقرب إلى أن تكون أزمة شاملة تغطى أيضا أوروبا وكثيرا من أفريقيا وأنحاء كبيرة من الولايات المتحدة.

الأزمة الراهنة أوسع وأشمل من أن تكون مقصرة على وصف الشرق الأوسط. إذ يبدو أن الشرق الأوسط يؤدى دورا أوسع وأخطر من أن يكتفى بالمنطقة المعروفة لوصف حدود وآفاق الأزمة. بل لعل من الضرورى أن نعترف بأن تعبير الأزمة أيا كان مجال تطبيقه إنما يعنى طرفين. أحدهما الطرف المتدخل والثانى هو الطرف المتدخل ضده. أو إذا شئنا تعبيرا أكثر وضوحا لابد أن نقول إنه يعنى الطرف المعتدى والطرف المعتدى عليه. وبهذا المعنى لابد أن ندرك أن أزمة الشرق الأوسط إنما تعنى بلدان الشرق الأوسط والبلدان التى تمارس عدوانا عليه من داخل منطقة الأزمة أو خارجها. وهنا يتضح بجلاء أن الولايات المتحدة فى الوقت الراهن تمثل الطرف المعتدى فى عملية الأزمة فى الشرق الأوسط، سواء شاء أى من الأطراف أو لم يشأ أن يعد طرفا معتديا أو طرفا معتدى عليه.

•••

إن الولايات المتحدة لم تعد تستطيع ان تبدو خارجة كلية من مجال أو سياق الشرق الأوسط وأن أرادت طول الوقت أن تصف نفسها بأنها خارج الإطار الشرق أوسطى. ذلك أن وجودها كقوة سياسية وعسكرية واقتصادية وحتى نفسية يؤكد أنها تمثل جانباً فعالاً من عناصر التدخل فى الشرق الأوسط، حتى وإن كانت هى بموقعها الجغرافى وراء المحيطين الهادى والاطلسى بعيدة كل البعد عن المنطقة التى تحمل تسمية الشرق الأوسط. إن وجود الأسطول السادس الأمريكى فى البحر الأبيض المتوسط قد برهن على أنه وجود أساسى وقوى وقادر على إحداث تغييرات فى الاتجاهات التى تريدها الولايات المتحدة لتحقيق ما تتصور انه مصالحها العسكرية والاقتصادية. وهنا لابد من إشارة واضحة حاسمة إلى الدور الأمريكى فى خلق إسرائيل فى الشرق الأوسط وحماية وجودها ثم الاتكال عليها تماما لإبقاء الوضع فى هذه المنطقة فى الإطار الذى توجد فيه.

•••

وتدل الأحداث الراهنة – التى بدأت منذ نحو أربع سنوات – على أن الولايات المتحدة وإسرائيل لعبتا دورا (نعم هو دور واحد طوال الوقت) يدل على أن الولايات المتحدة قد حددت لنفسها ولإسرائيل دورا واحدا تلعبه كل منهما فى الشرق الاوسط بصرف النظر عن مواقف كل من دول الشرق الاوسط ذاتها ودرجة قربها من الدور الأمريكى (والإسرائيلى) فى هذه المنطقة. وهنا – فى هذه الزاوية على وجه التحديد – لابد من وضع الدور المصرى فى اوضح صوره فى ضوء الموقفين الاميركى والاسرائيلى. ذلك ان الدور المصرى استمر زهاء أربعين عاما دون تغيير تحت رئاسة أنور السادات وبعدها تحت رئاسة حسنى مبارك. وخلال تلك السنوات الأربعين استبد بالولايات المتحدة وإسرائيل شعور بأن الدور المصرى قد استقر وأنه لا سبيل إلى الشك فى استقراره. خاصة أن الدولتين اعتبرتا أن استقرار النظام المصرى هو نتيجة تابعة وثابتة لوجود الدولتين فى المنطقة وللعلاقات التى ربطتهما بالمنطقة.

وعلى حين فجأة تبين من أحداث جرت فى مصر بالدرجة الأولى أن الشرق الاوسط لا يتمتع باستقرار أمريكى أو إسرائيلى. تبين من أحداث جرت فى مصر قبل غيرها فى الشرق الأوسط إن المنطقة بأسرها تتطلع إلى استقرار من نوع آخر. استقرار له ملامح الاستقرار فى مصر، على الرغم من أن مصر بدت بعيدة عن هذا الاستقرار، الذى لازمها طوال القرون الأربعة السابقة. وقد حاولت الولايات المتحدة – وحدها دون دور إسرائيلى رافقها تقليديا – أن تستغل حالة عدم الاستقرار التى ألمّت بالشرق الأوسط، وبذلت جهودا بدت مناقضة حتى لمسار السياسة الأمريكية فى هذه المنطقة فى سعى حثيث للبرهنة على عدم استقرار الشرق الأوسط ككل. وركزت الولايات المتحدة فى هذا المسعى على سوريا والعراق وتونس و...مصر. لكن مصر بقيت مستقرة على الرغم من جهود الولايات المتحدة لإثبات عكس ذلك. ولما استيقظت الولايات المتحدة – ولعبت إسرائيل دورا لم يتضح بعد فى هذا الاستيقاظ الأمريكى – على حقيقة معنى الاستقرار فى مصر وبدون الإخوان وتنظيمهم ومحاولاتهم الصغيرة والمحكوم عليها بالفشل، تبين للعالم كله ان استقرار مصر الجديد يشكل عاملا متغيرا، ولكنه بالغ القوة مستمد من قوة مصر الجغرافية والسكانية واللغوية.

اضطرت الولايات المتحدة لأن تتنبه إلى استقرار مصر الجديد. واضطرت للتعامل مع مصر على نحو مختلف عن تعاونها مع الأقطار العربية الأخرى، التى بدت الاضطرابات على ملامحها. لقد سلّمت الولايات المتحدة (وإسرائيل) بأهمية موقع مصر واستقرارها السياسى والفكرى بعد أن ظنت أن باستطاعة الولايات المتحدة أن تخلق واقعا شرق أوسطى جديدا فى الشرق الأوسط يبدأ من مصر.

والآن تعيش الولايات المتحدة فى مسارها الشرق أوسطى حياة تريد فيها أن تحافظ على الشرق الأوسط بصورة تختلف عما كان عليه وعما كانت هى تريده. شرق أوسط جديد ودور مصرى جديد فى المنطقة. فهل تستطيع الولايات المتحدة أن تخلق لمصر دورا جديدا فى المنطقة؟ أم أن مصر أقدر على أن تجدد دورها فى الشرق الأوسط لتخلق شرقا أوسطيا جديدا؟

•••

لقد قدمت مصر ملامح جديدة لسياستها فى الآونة الاخيرة لم يكن لها وجود من قبل. منها الاتفاق على مياه النيل مع إثيوبيا، ومنها العلاقة الجديدة مع المملكة العربية السعودية، التى تنبئ بتوجه مصرى وسعودى جديدين، ومنها العلاقة الجديدة التى خلقتها مصر مع الولايات المتحدة وروسيا والتى تعد بناء جديدا فى العلاقات الدولية لا تزال واشنطن تحاول أن تجد له تفسيرا نهائيا. وقد تم كل هذا فى فترة زمنية تقل عن عام واحد. ولا تزال مصر تحظى بمراقبة من العالم الخارجى لا تجد تفسيرا واحدا لما تفعله القاهرة. فالاقتراب من روسيا شىء والاقتراب من أمريكا فى الوقت نفسه شىء آخر. والاتفاق الودى بسرعة قياسية مع إثيوبيا غير الوضع الأفريقى كله، ولا يزال يثير تساؤلات كثيرة. والسياسة الداخلية للنظام المصرى لا تزال تبدو محلاً لتساؤلات كثيرة لتوقع ما هو قادم نتيجة لها.

هل يختلف هذا عن النظر إلى سياسات النظم الجديدة؟ أم أن مصر اعتادت أن تغير سياساتها دون إحداث أزمات؟ هذا هو السؤال الآن.

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات