أوباما .. أوباما - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوباما .. أوباما

نشر فى : الأربعاء 10 يونيو 2009 - 8:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 10 يونيو 2009 - 8:10 م

لا شك أن تحرك أوباما وأسلوبه فى تناول العلاقات مع الدول هو تحرك فريد من نوعه، حيث يقتحم المشكلات ويذهب إلى مواطنها ويتحدث إلى الشعوب مباشرة، وهو ما لم تعتد عليه شعوب العالم الثالث.

حيث إن هذه الشعوب تعودت على أن تسمع وترى مباحثات ومحادثات وجولات وصولات للرؤساء والملوك وهى تعلم جيدا أن ما يقال فى النور ليس هو ما يقال خلف الأبواب. بسبب هذا التعتيم ابتعدت هذه الشعوب ونأت بنفسها عن الاهتمام بالسياسة، فى الوقت الذى ينظر إليهم رؤساؤهم وملوكهم على أنهم غير واعين كفاية بالسياسة والمواقف الدولية ويصدرون هذا الانطباع لرؤساء وملوك الدول الأخرى.

لكن جاء أوباما ليقدم نموذجا مختلفا حيث يتحدث إلى الشعوب مباشرة، ولم يحدث مثل هذا فى التاريخ الحديث ــ كما أعلم ــ إلا فى حالتين سابقتين، عندما توجه الرئيس الأمريكى نيكسون إلى الصين فى نهاية الستينيات ليكسر الجمود فى العلاقة بين البلدين، مما سمى فى ذلك الوقت بسياسة «البينج بونج». حيث أقيمت مباراة لتنس الطاولة بين الفريق الأمريكى والفريق الصينى، أما المرة الثانية فهى عندما توجه الرئيس المصرى إلى الكنيست الإسرائيلى عام 1979 ليكسر دائرة الحرب الجهنمية.

والاثنان تعاطف معهما جماهير البلدين التى توجها إليها بل جماهير العالم المحبة للسلام، كما حدث مع باراك أوباما فى المرة الثالثة عندما توجه إلى العالم الإسلامى ليكسر حاجز عدم الثقة بين العالم الغربى والإسلامى. واحتوى خطاب أوباما على أهم القضايا المشتركة بين العالمين، مثل العنف والتطرف والقضية الفلسطينية والقوة النووية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعمالة واحترام الأقليات وحرية العبادة وتعليم المرأة والتنمية الاقتصادية.. إلخ.

***

ولنا على هذا الخطاب بعض الملاحظات العامة السريعة:

أولا: هل يوجد اليوم ما يسمى بالعالم الإسلامى والعالم المسيحى؟!

إن الحديث بداية عن توجيه الخطاب إلى العالم الإسلامى يعنى أنه يوجد عالم مسيحى، ويعترف بانقسام العالم أيدلوجيا أو تقسيمه دينيا، فهناك العالم الهندوسى أو العالم الملحد.. إلخ. وهذا يصب بلا شك فى صالح من يقسمون الدول تقسيما دينيا، وكنت أتوقع أن يعلن أوباما فى تقدمه خطابه بأن قوله (العالم الإسلامى) لا يعنى الاعتراف بمثل هذا التقسيم لكن لأنه جرت العادة على تسميته هكذا، لكننا اليوم علينا أن نتحدث عن عالم الإنسان والحضارة الإنسانية، ويعيد ما ذكره فى خطاب تنصيبه «أمريكا هى بلد المسلمين واليهود والمسيحيين» ويحسب له أن قال فى القاهرة «أنا مسيحى من عائلة مسلمة وجدت مكانا فى الولايات المتحدة، ومن حق أى شخص فى العالم مهما كانت ديانته أن يجد له مكانا ويمثل هذه الروح». كان عليه أن يتحدث عن عالم شرقى وآخر غربى أو حضارة غربية وأخرى شرقية أو عربية (إسلامية).. وهكذا علينا أن نبحث عن مصطلح آخر يبعد الدين عن تصنيف البشر فى عصر العولمة وحقوق الإنسان.

ثانيا: هناك جهتان عارضتا الخطاب قبل إلقائه وبعده.

هاتان الجهتان هما القاعدة مع كل الحركات التابعة لها فى المنطقة وإسرائيل. والجهتان لهما كل الحق فى ذلك، فالجماعات الإرهابية فى العالم تبنى دعايتها على العنف الأمريكى ضد الإسلام والمسلمين. وكان بوش الابن نموذجا متميزا لتغذية هذا الفكر من خلال قراراته وخطاباته، وعندما يأتى رئيس مختلف فى خطابه وسلوكه فسوف تسقط مبررات العنف والتطرف، بل إن بعضهم ذكر أن خطابا مثل هذا سوف يؤثر على الأجيال التى تعد لأن تكون أكثر (مقاومة) أو تطرفا، أما إسرائيل فهى تعلم أن أى توجه للعالم الإسلامى يعنى تحسين صورة أمريكا وأن هذا التحسين لن يأتى إلا على مصلحة إسرائيل، فلا مصالحة للعرب مع أمريكا دون تأثير سلبى على العلاقة مع إسرائيل. وما يهمنا هنا هو الاتفاق بين القاعدة وإسرائيل فى رفض الخطاب ومقاومة تأثيره، وهذا يجعلنا نتوقف ونضع علامات تعجب كثيرة. وإن كان المحلل المدقق يستطيع أن يكتشف الكثير من الأمور المشتركة بين الاثنين خاصة من الناحية الأيديولوجية والعنف الشديد وإن اختلف الأسلوب.

ثالثا: الخطاب يعلن عن فهم عميق لسيكولوجية العرب والمسلمين:

لقد استمع أوباما لكثير من المتخصصين فى هذا الشأن والذين نصحوه بما يلى:

(أ) عدم الاعتذار: فالاعتذار عن الأخطاء فى العالم الغربى يعطى قيمة للمعتذر ويحصل على الغفران دون مناقشة للخطأ أساسا، أما فى العالم العربى والإسلامى فاعتذار المخطئ (عيب) وإنقاصا من شأنه ولن يحصل إطلاقا على الغفران لأنه اعترف بالخطأ ويجب أن يعاقب. وإذا كان ذكر بعض أخطاء أمريكا فى أوروبا فهذا مقبول ومفهوم ومقدر، أما فى الحضارة العربية فالعكس صحيح، لذلك دافع أوباما عن موقفه من أفغانستان وباكستان وغزو العراق بقوله إن الشعب العراقى اليوم أفضل من أيام صدام حسين.

(ب) استخدم آيات قرآنية وأخرى من الكتاب المقدس: لقد قيل له إن الشعوب العربية والإسلامية تعشق ذكر الله سواء أكانت مسيحية أم إسلامية، ويدخلون اسم «الله» على معظم أحاديثهم اليومية وفى الرد على معظم الأسئلة، مثل: «إن شاء الله، والحمد لله، ويسامحك الله».. وهكذا فى الوقت الذى لا توجد مثل هذه المصطلحات فى الغرب، وهذا لا يعنى أن العرب والمسلمين متدينون بالضرورة، لكنهم يفرحون جدا بمن يستخدم هذه المصطلحات.

لذلك قال أوباما «السلام عليكم» ثم استخدم آيات قرآنية كان التصفيق حادا عند سماعها، وهنا ابتسم باراك وأدرك أنه وصل إلى هدفه.

(ج) عليه أن يتحدث عن التاريخ العربى والإسلامى: لقد أدرك أوباما أن الشعوب العربية والإسلامية تعشق تاريخها وتتغنى به. ذلك لأنه لا يوجد فى حاضرها ما تفخر به وتعتز، لذلك كان عليه أن يتحدث عن الحضارة الإسلامية التى امتدت لقرون فى وقت كان الظلام يخيم على أوروبا، وقد قامت الحضارة الإسلامية بتنوير أوروبا فى الفنون والآداب والعلوم والفلك.. إلخ. وقارن بين هذا التاريخ العظيم للإسلام والتاريخ الأوروبى الاستعمارى، مما أعطى انطباعا رائعا عند مستمعيه.

(د) عليه أن يتحدث عن المستقبل: والمستقبل يبدأ بطى صفحة الماضى وبداية صفحة جديدة ناصعة البياض لنصنع معا مستقبلا مشتركا مشرقا فيه نحل جميع المشكلات، هذا المستقبل يرضى جميع الأطراف ولا يغضب سوى المتطرفين، وهذا المستقبل تتشكل ملامحه فى تقليد وتحقيق الحلم الأمريكى فى العالم كله، فهو مسيحى الديانة أسود منحدر من أسرة أفريقية مسلمة وجد له مكانا فى أرض الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان حتى أنه صار أول رئيس أسود للغالبية البيضاء...

وهكذا بالتأمل فى الخطاب الذى ألقاه رئيس أمريكى يتمتع بكاريزما جماهيرية خاصة يستطيع كل مستمع فى العالم أن يجد له مكانا فيه سواء أكان مسيحيا أم مسلما، سنيا أم شيعيا، رجلا أم امرأة، عالما أم جاهلا. وكأنك تشاهد فيلما أمريكيا عظيما تتوالى الأحداث متصاعدة بقوة بهدف عزل الأشرار ونصرة الأخيار وزواج الأبطال، مع رجاء وأمل بأغنية رائعة الجميع يغنيها، ويبدأ شعاع الفجر فى الأفق وتمتلئ سعادة وتفاؤلا بالمستقبل. لكن بمجرد أن تطأ أقدامك شارع سليمان باشا حتى تصطدم بالواقع وتنظر إلى يديك فتجدهما فارغتين. 
 

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات