حقيقة أزمة السفارات - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
السبت 11 مايو 2024 5:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حقيقة أزمة السفارات

نشر فى : الأربعاء 10 ديسمبر 2014 - 9:15 ص | آخر تحديث : الأربعاء 10 ديسمبر 2014 - 9:15 ص

الحدث بذاته مقلق وتساؤلاته تضغط على الرأى العام طلبا للحقيقة دون أن تكون هناك إجابات تقنع.

التفسير الأمنى لإغلاق أبواب بعض السفارات الغربية على التوالى لا يمكن استبعاده أو التهوين من شأنه قبل التأكد من صحة ما لديها من معلومات دعتها إلى تحذير رعاياها من هجمات إرهابية محتملة.

إذا صحت المعلومات فإن القضية تأخذ مسارا جديدا يستدعى إجراءات أمنية مشددة تحمى السفارات الغربية وتصون المواقع الاستراتيجية والسياحية فى البلد كله.

فى مثل هذه الأمور لا يصح الاستبعاد قبل الفحص ولا التهوين قبل التأكد.

هذا احتمال أول فى أى اقتراب من الحدث المقلق.

وهناك احتمال ثان أن تكون الإجراءات «احترازية» قبل احتفالات أعياد الميلاد خشية أن يفضى التساهل فى الأمن إلى تهديد حياة رعاياها.

فى الإجراءات «الاحترازية» مبالغة على ما أكدت السلطات المصرية لكنها تظل فى إطار يمكن تفهم دوافعه، فكتل النار تتحرك فى المنطقة وهناك خشية من عمليات ما تستهدف رعايا الدول الغربية المشاركة فى التحالف الدولى بالحرب على «داعش».

من حق أية دولة أن تغلق سفاراتها وتعلق الأعمال القنصلية عندما ترى أنها مهددة غير أن الكلام المتواتر عن طلبها إغلاق الشوارع التى تحيط بالسفارة البريطانية على نحو يماثل ما تتمتع به «الأمريكية»، فهو خروج عن أية قواعد فى أى طلبات أمنية يقوض أية مساحة ثقة مفترضة ويضر بفداحة بموسم السياحة الشتوى مباشرة ويزعزع الثقة الدولية فى الاستقرار الأمنى اللازم لجذب الاستثمارات وحركة الاقتصاد قبل مؤتمر مارس الاقتصادى فى «شرم الشيخ».

بمعنى أوضح: هذا عمل عدوانى.

السؤال الرئيسى هنا:

لماذا انزعجت السفارة البريطانية ولم تبد سفارة الولايات المتحدة الانزعاج ذاته من عمليات إرهابية محتملة رغم أن السلطات الأمريكية المصدر الرئيسى والمرجع الأول فى أية معلومات من مثل هذا النوع فى المنطقة؟

هل هناك توزيع أدوار؟

وهل كان الأمر مقصودا ومخططا لأسباب استراتيجية قبل أن تكون أمنية؟

هناك فارق بين طلبات التأمين الإضافية واستضعاف الدولة المضيفة وبين الحذر الضرورى وإثارة الذعر.

يصعب تصور أن تقدم سفارات غربية على هذه الإجراءات الخشنة دون أن تكون الولايات المتحدة قد اطلعت وأقرت.

باليقين فإن السفارة الأمريكية ليست أقل عناية بسلامة رعاياها من السفارات البريطانية والكندية والاسترالية أو أية سفارة أخرى قد تشرع فى إغلاق مماثل، فالأمريكيون الذين يتواجدون فى المنطقة أكثر تعرضا من غيرهم للتقتيل على يد الجماعات المتشددة.

إن لم تكن هناك معلومات دقيقة وصحيحة استلزمت إجراءات احترازية مبكرة فإن التفسير الأمنى يتوقف عند حدود لا يتعداها.

فى التفسير السياسى فإن الأزمة اختبار دبلوماسى خشن لدولة لم تستكمل مقومات تعافيها.

بصراحة كاملة فإننا نتحمل المسئولية قبل غيرنا.

انفتحت القاهرة على فكرة التوازن فى العلاقات الدولية ومدت خطوط التفاهم مع موسكو لكنها توقفت فى منتصف الطريق.

وفى زيارة الرئيس «عبدالفتاح السيسى» لمنتجع «سوتشى» اجتمع بحسب معلومات مؤكدة مع الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» لعشر ساعات متصلة.

لفت هذا إلى مستوى الرهانات الروسية سياسيا واستراتيجيا واقتصاديا إلى أقصى حد تطلبه القاهرة.

وهذه رهانات تتسق مع مصالحها، والدول تحكمها المصالح قبل أى شىء آخر. تحركت آلة التفاهمات لكنها تباطأت بلا مبرر مقنع وعادت الأحاديث الدبلوماسية القديمة عن الحوار الاستراتيجى مع الولايات المتحدة رغم وقف شحنات السلاح.

لا يدعو عاقل واحد إلى قطيعة مع واشنطن وكل ما هو مطلوب أن نتقدم بثقة إلى سياسات دولية أكثر توازنا تحفظ المصالح المصرية العليا.

بحسب ما هو متاح من معلومات بدأت موسكو تتساءل وتقلق وتخفض بدرجة ما مستوى رهاناتها.

وهذا خطأ فادح فى توقيت حرج دعا أطرافا غربية إلى وضع مصر أمام اختبار دبلوماسى خشن تبدى فى أزمة السفارات.

بأى معنى سياسى فإن الهدف من إثارة الأزمة على هذا النحو غير المقنع وغير المبرر إثبات عدم قدرة مصر على حفظ أمنها ورهن أى احتمال لتعافى اقتصادها بقدر ارتباطها بالاستراتيجيات الغربية فى المنطقة.

بتلخيص آخر فإنه التطويع قبل التدخل البرى المحتمل بقوة الآن فى الحرب على «داعش»، وهذه مسألة معقدة تتقاطع فيها حسابات إقليمية متعارضة.

ومن غير المستبعد أن يكون المطلوب هو وقف النزوع المصرى لاستقلال قرارها فى إدارة الأزمة السورية.

بحسب المعلومات المتاحة فإن الخارجية السعودية استمعت لما طرحته عليها نظيرتها المصرية، غير أن زيارة الأمير «سعود الفيصل» إلى موسكو أخفقت فى إزالة الجليد المتراكم بين البلدين.

وفيما دعت مصر إلى شراكة الخليج وإيران وروسيا والولايات المتحدة والدول الغربية الرئيسية فى تفاهمات لا تستبعد الرئيس السورى الحالى «بشار الأسد» من أية تسوية سياسية فإنها لم تتحمس أن تكون تركيا طرفا فى التفاهمات المقترحة لكنها لم تضع خطا أحمر على مثل تلك المشاركة بصيغة يمكن تلخيصها فى عبارة واحدة: «إيران مقابل تركيا».

ورغم أن المسئولين الفرنسيين والإيطاليين دعوا الرئيس «السيسى» لدور أكبر فى الأزمة السورية، غير أن المشكلة هنا طبيعة الدور وحجمه.

وفى السياق نفسه فإنه لا يمكن استبعاد أن يكون من بين أهداف الاختبار الدبلوماسى الخشن قطع الطريق على أى اقتراب أكبر محتمل مع موسكو أو اقتراب آخر مع الصين التى انتزعت أو توشك أن تنتزع المركز الاقتصادى الأول فى العالم يتجاوز ما درج عليه الرئيس الأسبق «حسنى مبارك».

بحسب مصادر دبلوماسية صينية فإن الولايات المتحدة حاولت أن تجر بلادها إلى سباق تسلح يوقف تقدمها الاقتصادى غير أنهم لم يقعوا فى الفخ الأمريكى وعقدوا اتفاقا عسكريا مع الروس ضخوا بمقتضاه أموالا لتحريك الآلة الصناعية العسكرية الروسية مقابل ما يحصلونه من سلاح أكثر تقدما وضخوا أموالا أخرى لاستثمارها فى الشرق الأسيوى عبر رجال أعمال صينيون يعملون بأموال الدولة. وهكذا قطعوا الطريق على أية عرقلة أمريكية فى محيطها الحيوى يهدد تقدمها الاقتصادى.

من غير المستبعد أن يلجأ البيت الأبيض إلى انتهاج سياسة احتواء جديدة فى الشرق الأوسط على النحو الذى اتبع مع الاتحاد السوفيتى السابق وحاولت اتباعه مع الصين بلا جدوى.

إنه الاحتواء بـ«الخنق» لكنه هنا بلا مضمون سياسى أو اقتصادى ورهان على الخراب دون تدبر للعواقب بتعبير الكاتب اللبنانى المعروف «سعد محيو» فى حوار طال بيننا.

بغض النظر عن الأسباب الحقيقية لأزمة السفارات فإن الاختبار الدبلوماسى الخشن حاضر فى المشهد وماثل بأكثر من ملف.

إذا أردنا أن نواجه أنفسنا بالحقائق فإن الأداء العام لا يقنع أحدا أنه أمام بلد يثق فى نفسه وفى مستقبله.

وهذا هو مكمن الخطر الحقيقى قبل وبعد الاختبارات الدبلوماسية الخشنة.