شجون سائق تاكسى - خالد الخميسي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 8:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شجون سائق تاكسى

نشر فى : السبت 11 يوليه 2009 - 4:47 م | آخر تحديث : السبت 11 يوليه 2009 - 4:47 م

 عيناه خضراوتان مائلتان للون الأصفر، لوزيتان تشبهان عينى الصقر العجوز الذى سئم الطراد. أنفه مديد بطول سنوات عمره التى تجاوزت الثمانين. ثقوب عديدة تملأ وجهه وأنفه وكأنها جروح قد تركها الزمن كذكرى للحظات لن تندمل. أكد لى أنه ليس حزينا مما يحدث له وللوطن. فالذى توقع حدوثه منذ ربع قرن وجده تماما أمامه، تحققت أسوأ كوابيسه. وكما يقال فالعارف يكون فى العموم أقل كمدا من الجاهل. ولكن هذا العلم ليس نورا ولكن هم ثقيل. دولة تبيع أبناءها للذئاب وتظل يوميا تعلم الشعب أن يحترم ويبجل الضباع، ماذا يمكن أن نتوقع منها. قال لى بالحرف الواحد: إن الحكومة المصرية خلال العشرين عاما الماضية استطاعت بنجاح إتمام إنجازين لا ثالث لهما: إنجازها الأول أنها ألغت العقول وأعملت المعدة، وإنجازها الثانى أنها استطاعت محو الروح الوطنية تماما. وأصبحنا جميعا كالأنعام لا عقل لنا ولا روح، نسير مغمضى العينين لإطعام المعدة الخاوية.

كنا نسير فى شارع جامعة الدول العربية، تخطينا تقاطع البطل أحمد عبدالعزيز وقمنا بالدوران فى نفس الشارع فى الاتجاه المعاكس. هنا يقف دائما أمين شرطة دوره أن يقوم ظاهريا بالتأكد من وجود الرخص السارية ودوره الحقيقى هو أن يرتشى عندما تحين الفرصة أو أن يقوم ببعض المضايقات التى تخدم الصورة المتفق عليها والتى تربيها الشرطة المصرية بكل جهد فى أذهان المصريين. ولأن السائق العجوز ليس صيدا سهلا فقد اكتفى الأمين بالمضايقات التقليدية. لم يهتم السائق كثيرا بوقاحة الأمين وكرر جملته الأثيرة: أن يكون مهذبا هو الأمر الذى يدعو للاستغراب ولكن الأمر العادى الذى لا يمكن أن يجعلنا نغضب هو أن يكون وضيعا مثل هذا الرجل. لكن الغريب هو تصريحات القيادات الذين يخرجون علينا فى كل وسائل الإعلام بشعارات عظيمة عن التزام جميع من يعمل فى المرور بشرف المهنة وفى نفس الوقت يطلقون هؤلاء الأمناء فى كل مكان ليجعلوا من الشارع المصرى جحيم من الفساد.

كانت سيارته جديدة، هيونداى فيرنا اشتراها حديثا باسم ابنه فى مشروع سيارات الأجرة البيضاء. حكى لى أنه تسلم السيارة وبها عيوب صناعة لا حصر لها. فأمام الطلب المتزايد على هذه السيارة، تقوم شركة هيونداى بإنتاج سيارات بها العديد من مشكلات التصنيع. فبعد تسلمه لسيارته وجد أن الفرامل تصدر صوتا غريبا، وبالذهاب إلى التوكيل طلبوا منه أن يتركها لمدة يومين. وبعد تسلمها وجد أن الجزء الأمامى من السيارة الذى به العدادات والطارة يهتز ويصدر صريرا، واضطر إلى العودة مرة أخرى إلى التوكيل وطلبوا منه أن يتركها يومين آخرين. يتساءل: كيف له أن يدفع القسط الشهرى وهى منذ أن تسلمها من أسابيع ثلاثة ترقد لدى الوكيل لإصلاح ما فاتهم أن يتموه خلال مرحلة التصنيع. وبدأ يشرح لى عدد العيوب التى اكتشفها وقرر ألا يذهب مجددا إلى التوكيل كى يستطيع دفع القسط الشهرى.

عندما قام بترخيص سيارته الجديدة دفع مبلغ 220 جنيها لطفاية الحريق، ولكنهم رفضوا أن يسلموها له قائلين إنهم لا يسلمون مع الفيرنا طفاية حريق. لم يفهم لماذا دفع هذا المبلغ. وما الفرق بين الفيرنا وغيرها؟ وبعد تسلمه السيارة والتأمين عليها اكتشف أن التأمين مرتبط بالكشف الدورى لدى الوكيل. ولكن أسعار الوكيل من وجهة نظره لا علاقة لها بأسعار السوق. بمعنى أن الوكيل فى أسعار صيانته لص زنيم. نعلم أن الحكومة تأكل ليلا مع الضباع، ولكنه تساءل: هل يمكن أن تستثنى الدولة سيارات الأجرة من خدمة أصحاب التوكيلات من المليارديرات. بأى حال كان قد قرر ألا يكترث بالتأمين فهو لن يذهب مرة أخرى إلى التوكيل. وقام لشرح وجهة نظره بعرض مقارنات بين أسعار الوكيل وأسعار الورش الخارجية التى يعمل بها نفس الميكانيكية الذين يعملون صباحا لدى الوكيل.

حكى لى أن أبناءه الأربعة يعيشون فى الخارج، ثلاثة فى دول الخليج والأخير سافر إلى إيطاليا منذ زمن ويعمل ميكانيكيا فى مدينة بجانب روما. أما أحفاده الذين يعيشون معه فهم يكرهون مصر وينتظرون الفرصة للفرار منها وهو يقضى معظم وقته فى المنزل لمحاولة إصلاح البون بين مصر وأحفاده.

خالد الخميسي  كاتب مصري