كتلتان.. وثلاثة تماثيل - كمال رمزي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 9:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كتلتان.. وثلاثة تماثيل

نشر فى : السبت 12 مارس 2011 - 9:37 ص | آخر تحديث : السبت 12 مارس 2011 - 9:37 ص
كتلتان تجمعتا أثناء ثورة 25 يناير 2011 كما لم يجتمعا من قبل على هذا النحو. من الصعب أن ترى لهما مثيلا فى مكان آخر وزمان غير هذا الزمان.. كتلة منهما بشرية، والثانية معمارية، بينهما وشائج قوية وعميقة، فرضتها عوامل ذات طابع روحانى وإن بدا ماديا.. مئات الآلاف من الثوار، كأنهم جسد عملاق، حضورهم يملأ الميدان، يمتد نحو الشوارع المؤدية له، هتافاتهم الموحدة، النابعة من أعماق القلوب، تصل إلى أبعد الآفاق، تنادى بمطالب عادلة. المنظر المهيب، بأصواته الهادرة، المترعة بالعزيمة، لا يتركان شكًا فى حتمية النصر. لكن النظام، بصلفه ورعونته، لم يصدق أن لحظة تصفية الحساب حانت.

أمام جحافل الجماهير، تنهض الكتلة الثانية: مجمع التحرير الضخم، الواثق، شديد العنفوان، لم تؤثر السنوات على نضارته. إنه جزء أصيل من المشهد. علاقته حانية على المتظاهرين. إنه خط دفاع لهم، وحاميا لظهورهم أيضا، وطوال أيام الثورة، حتى عقب اندحار قوات الأمن المركزى، لم تتقدم قوات الهمج من ناحيته.. بدا المجمع، بطرفيه المقوسين، محتضنا للثوار، بوجوههم المتوجهة نحوه.

المجمع، يطل على ثلاثة تماثيل، يربط بينها معنى نبيل، يتعانق مع أمل ثوار فى سبيله للتحقق. تماثيل لأبطال رهنوا حياتهم من أجل الحرية والعدالة. فى زاوية من ظهر المجمع، يقع ميدان صغير يحمل اسم صاحب التمثال الذى ينهض واثقا، واضعا كفيه فوق مقبض سيفه، رافعا هامته بكرامة: سيمون بوليفار «1783 ـ 1830»، بطل تحرير أمريكا الجنوبية، قاد الثورة ضد الاستعمار الإسبانى، واستطاع، فترة مضيئة من الزمن، أن يوحد بوليفا وكولومبيا والإكوادور وبيرو.

أمام المجمع، على يساره، تمثال الزعيم الشعبى، عمر مكرم «1750 ـ 1822»، يده اليسرى تحتضن الكتاب العزيز، مضموما إلى صدره، عند القلب تماما، يرفع سبابة كفه الأيمن، وكأنه يلقى خطابا على الجموع، ولا يحتاج الأمر للتفكير طويلا فيما يمكن أن يقوله الرجل الذى دافع عن الاسكندرية ضد الحملة الفرنسية، وقاد ثورة القاهرة الأولى، ووقف ضد طغيان محمد على.. مسجد عمر مكرم، طوال أيام الثورة، أصبح الملجأ الأمين لبناتنا الثائرات، اللاتى أثبتن، بجلاء، أن كرامتهن، وقوة إرادتهن، ومساهمتهن فى صنع المستقبل، لا تقل عما يتمتع به شبابنا، الثائر، الواعى، الأطول بقاء من الأوغاد العابرين، الجلادين.

مفارقة عميقة المغزى، يجسدها موقع تمثال بطلنا الغالى، الشهيد، رئيس أركان الجيش المصرى، عبدالمنعم رياض «1919 ــ 1969»، الذى لقى ربه بطلا، فى ساحة الوغى، بين جنوده، فى حرب الاستنزاف.. يطالعنا بالملابس العسكرية، يتهيأ بقدمه ليخطو نحو الأمام، يمسك فى كفه الأيسر منظار الميدان، يتوجه بنظره فى اتجاه الكتلتين: البشرية والمعمارية، وفى مقابل توجه تمثال عمر مكرم.. حول نصب تمثال القائد، سالت دماء واستشهد شباب. إنها بانوراما ملحمية، فى الزمان والمكان، فى التاريخ والجغرافيا، لا يصنعها إلا عبقرى، لا وجود له.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات