الخطاب الدعوى إلى أين.. ثوابت الخطاب: 2ــ الرحمة - جمال قطب - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 4:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخطاب الدعوى إلى أين.. ثوابت الخطاب: 2ــ الرحمة

نشر فى : الجمعة 12 يونيو 2015 - 8:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 12 يونيو 2015 - 8:50 ص

ــ1ــ
شرع الله لنا ضرورة المعاملة بالمثل كحد أدنى، وحبب لنا أن نعامل الجميع مسلمين وغير مسلمين ليس بالمثل فقط، ولكن بما هو أحسن وأفضل. فإن لم نفعل الأحسن والأفضل، فلابد من الرد بالمثل، هكذا يقول القرآن ((وَإِذَا حُيِيتُم بِتَحِيَةٍ فَحَيُوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُوهَا..)). وعلمنا الرسول مُحمد صلى الله عليه وسلم الصورة المثلى لإلقاء التحية بألفاظ جميلة مختارة ترفع شعار الإسلام وتُظهر ثوابت دستوره، فالتحية المأثورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم هى «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته»، وكذلك يكون ردها بمثلها. وسبق بيان «السلام» وما يعنيه من مسالمة ووداعة وعدم حرب وتربص. وجاء دور الرحمة وهى المَعْلم الثانى من ثوابت الإسلام والأصل الأصيل فى رسالته، فالله جل جلاله اختار صفتى «الرحمن الرحيم» من بين جميع أسمائه الحسنى ليفتتح بها جميع سور القرآن إعلاما وتأكيدا وإشهارا لقيمة الرحمة فى «المنظومة الإسلامية».

والرحمة قيمة عليا تضم قيما أخرى هى التوبة على من يتوب ويرجع عما ارتكب من خطايا، كذلك تضم قيمة المغفرة، فإذا كانت التوبة هى تغيير سلوك المسلم إلى الخير، فإن المغفرة تعنى التجاوز عما سلف وتولى الله جزاء المتضررين من أفعال المذنبين، وقيمة ثالثة هى العفو ومعناه محو السيئات من سجل أعمال التائب.

ولا تختص الرحمة بمسألة الخطأ فقط، بل الرحمة فى أصلها التيسير والتسهيل والدعم والإمداد، بل الرحمة نعمة عامة تعم الكون كله فهو سبحانه «ينشر رحمته» ماء وطعاما ولباسا ودواء وسكنا لجميع مخلوقاته عطاء مباشرا من عطاء الربوبية، كما ينشر رحمته فى دوام توفيق العقول والجهود للاكتشافات النافعة.

ــ2ــ
فما دامت رحمة الله لعباده عامة وشاملة، فكيف يتغافل البشر عن ذلك ويتناسون الرحمة ويتعاملون فيمن بينهم بالعنف والتشدد الذى يفسد العلاقات ويقطع الأواصر ويهدد الأخضر واليابس؟!

لماذا لا ترحم الحكومات شعوبها فتسند المسئولية لمن يقدر عليها ومن يتخصص فيها ومن يستطيع إغناء الوطن والمواطنين فى مجال تخصصه ؟! فإن تولى غير المختص للمسئولية يعتبر جناية كبرى على الوطن واستقراره، كما يعتبر جناية أكبر على مشاعر الولاء والانتماء التى يجب أن تسود بين المواطنين ووطنهم. وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من عدم إسناد المسئولية لمن يقدر عليها إبداعا وتجديدا ومن يقتدر عليها إحاطة وفهما وإحصاء وعدا، ومن يقتدر عليها كفاية وزيادة للاحتياط. أما هؤلاء الذين لا يقدرون ولا يبحثون عن أهل القدرة ويكلفونهم بالعمل فهم شر على أنفسهم وشر على مواطنيهم وأوطانهم حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا ضُيِعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَاعَةَ».

ــ3ــ
لماذا لا يرحم الناس بعضهم البعض فيرحم الجار جاره من الأصوات المنكرة والضوضاء وإلقاء الفضلات والقمامة فى الطرقات والشوارع؟ ولماذا لا يرحم الأطباء والصيادلة مرضاهم فيتقنون الفحص ويصفون أنفع الدواء؟ لماذا لا يرحم الآباء أبناءهم فيفرضون عليهم أنواعا من العلوم والمعارف لا تناسب قدراتهم ولا توافق رغباتهم فيعيش الأبناء يعانون من دراسات لا يحبونها كما يعانون حرمانهم مما يريدون، فهذا السلوك من الآباء فيه عنف وإرهاق يتنافى مع الرحمة الواجب التزامها ومراعاتها.

ــ4ــ
لماذا لا يرحم الإنسان نفسه فلا يتصدى لعمل لا يحسنه ولا يتقنه وليس له فيه سابقة خبرة؟ لماذا يندفع بعضنا ليتحمل مسئوليات وأثقال لا يقدر عليها إلا بالظن والتخمين، وحينما يظهر الفشل يقول: «هذا آخر ما فى طاقتى، ولم أخف شيئا ولم أبخل بشىء»؟ والحقيقة أن مثل ذلك الشخص قد تغافل عن جهله وعجزه كما أخفى غروره وشبقه للمناصب والعوائد المادية أو المعنوية. فمن أكبر الرحمات أن يرحم الإنسان نفسه من لعنات الناس الذين تعطل مصالحهم بسببه ولعنات من ضاعت حقوقهم أو زادت أمراضهم بسبب تصدره للمسئولية. فليحترم كل منا نفسه ويحترم إرادة الله فى نفسه ولا يتطاول الإنسان إلى ما لا يحسنه رحمة بنفسه ورحمة بغيره حتى ينعم هو برحمة الله فى الدنيا فيعيش راضيا غير مطارد بحوائج الناس.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات