هل نحن مستعدون لمواجهة الفوضى العالمية القادمة؟ - العالم يفكر - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 8:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل نحن مستعدون لمواجهة الفوضى العالمية القادمة؟

نشر فى : الثلاثاء 12 أغسطس 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 12 أغسطس 2014 - 8:00 ص

نشر معهد التفكير الاستراتيجى بأنقرة SDE دراسة تحليلية للبروفيسور بيرول أجين يتحدث عن التحولات الجذرية فى العقود الأخيرة، التى شهدها النظام العالمى، الذى نشأ فى أعقاب الحرب العالمية الثانية. جاء فى الدراسة أنه فى إطار عملية العولمة، ينتقل الإنتاج والتكنولوجيا والتجارة والنمو نحو العالم غير الغربى، وبخاصة فى شرق آسيا.

وتعيد الولايات المتحدة تدريجيا تعريف دورها الدولى من التدخل إلى الانعزالية. وتحولت أوروبا إلى رجل العالم المريض منذ عام 2008، وهناك عدد قليل من القوى الفاعلة الصاعدة: مثل الصين وروسيا وتركيا، وكذلك القوى المهمشة مثل إيران، التى تبدى رغبة متزايدة فى ملء فراغ القوة فى أقاليمها للحفاظ على النظام بما يتفق مع قيمها ونهجها. ومن نتائج التحول فى القوى عالمية، وتراجع الغرب، كثيرا ما نشهد اليوم فشل النظام العالمى، وفقدان الثقة فيه، وتآكل المعايير والقيم التى كانت ثابتة، وزعزعة استقرار الدول الضعيفة، على أيدى جماعات العنف. وتساهم جميع هذه التطورات فى تزايد حالة عدم الوضوح والفوضى.

●●●

وأوضح الكاتب أنه من بين القضايا الأساسية فى العلاقات الدولية كيفية إقرار السلام والأمن العالميين وكيف يمكن الحفاظ على الاستقرار إذا تحقق. وفى السنوات الأخيرة يحوم شبح زعزعة الاستقرار حول العالم كله. وهناك طفرة عالمية خطيرة فى أعمال العنف فى حين كان من المتوقع أن يلجأ الناس إلى استخدام أساليب أكثر «سلمية وحضارية». حيث وقع العالم فى قبضة موجة هستيرية جديدة من العنف وعدم الاستقرار؛ من حركة «احتلوا وول ستريت» إلى حركات الشوارع التى دمرت نظام ما بعد الحقبة الاستعمارية فى العالم العربى. وتترك هذه الموجة السياسية آثارا سياسية دائمة فى البلدان التى تصيبها. بحيث يتغير شكلها ونطاقها بصورة مستمرة فيما يشبه فيروس كمبيوتر خطير ينتشر عن طريق استنساخ نفسه بسرعة.

حيث إن موجات الاضطراب الاجتماعية التى أصابت تركيا والبرازيل فى صيف 2013، تصيب الآن أوكرانيا وشمال البحر الأسود، والبوسنة والهرسك فى البلقان، وتايلاند فى شرق آسيا، وفنزويلا فى أمريكا اللاتينية، وأفريقيا الوسطى. كما ينبغى ألا ننسى الصراعات الداخلية الحادة الجارية فى سوريا ومصر فى الشرق الأوسط، والتفجيرات التى صارت أمرا شائعا فى العراق ولبنان. ويتساءل أجين؛ هل يقف العالم على حافة الفوضى؟ وإذا كان ذلك هو الحال، فما الديناميات الاجتماعية والسياسية التى تغذى عدم الاستقرار؟

●●●

ويرى الكاتب أن من بين الأسباب الرئيسية لزعزعة الاستقرار فى عدة أماكن فى العالم؛ فشل النظام العالمى الذى تهيمن عليه الولايات المتحدة. وكانت أحداث سبتمبر 2001 نقطة تحول فى اهتزاز الهيبة الأمريكية، وتلاها تورط الولايات المتحدة فى أفغانستان والعراق، وكان استخدام القوة العسكرية بحجة مواجهة الارهاب محل هجوم واسع. خسرت الولايات المتحدة معه، مصداقيتها فى أعين شعوب العالم.

ومن ناحية أخرى، أضرت الأزمة المالية العالمية التى بدأت فى 2008 باقتصادات الولايات المتحدة وبلدان الغرب، وعجز تشكيل التكتلات مثل مجموعة العشرين عن الوفاء باحتياجات وتوقعات القوى الصاعدة، وتراجعت الثقة فى الأفكار الليبرالية التى قام عليها اقتصاد السوق الحر. وفقدت الليبرالية السياسية مصداقيتها. ومع تطلع الشعوب إلى تحقيق الديمقراطية، لم تعد النخب السياسية فى البلدان النامية تصر على أن هذه الديمقراطية ينبغى أن تكون ليبرالية حتى تحمى الحرية والأمن والاستقرار. وكان دعم الغرب المتردد للديمقراطية فى بلدان الربيع العربى، وعدم تعاطفه مع الحكومات فى بلدان مثل أوكرانيا وأرمينيا التى كانت ترغب فى الاندماج مع الغرب، أمثلة على هذا الموقف. فضلا عن أن المؤسسات الغربية مثل فريدوم هاوس، تؤكد فى تقاريرها على أن الديمقراطية الليبرالية فقدت الزخم على المستوى العالمى فى السنوات الأخيرة.

ويعتبر التحول فى ميزان القوى، سببا آخر لزيادة حالة عدم الوضوح، والتوترات على المستوى العالمى. ويدرك القادة مثل اوباما التحول فى النفوذ داخل النظام العالمى. ومن ثم تجرى مناقشات جادة داخل النخب السياسية الأمريكية حاليا، حول نمط السياسة الخارجية، الذى يجب اتباعه فى هذه الفترة الانتقالية. وعلى سبيل المثال، تسبب موضوعات مثل عودة التقارب بين الولايات المتحدة وإيران، ومستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، انقساما حادا داخل الكونجرس والنخب الأمريكية.

وأشار أجين إلى التطورات فى مجال تكنولوجيا الاتصال التى أسفرت عن ثورة كبرى فى مجال الإعلام. وتحولت وسائل التواصل الاجتماعى إلى ظاهرة عالمية، وخلقت فرصا جديدة للتفاعل بالمعنى السياسى. وعلى الرغم من أنها توفر فرصا جديدة لتسلط الحكومات بمعنى السيطرة على الحياة الخاصة للناس، فإنها تضعف من الشرعية والسلطة الإدارية للحكومات، وتتيح للجماهير القدرة على المناورة، كما حدث فى واقعة حديقة جيزى التركية. ويكفى ذكر تأثير وسائل التواصل الجديدة مثل تويتر وفيس بوك، ووسائل الإعلام القديمة مثل التليفزيون (تأثير سى ان ان والجزيرة) على الاضطرابات الاجتماعية المفاجئة فى العالم العربى.

من ناحية أخرى، يؤدى ضعف نظام الهيمنة والتوازن العالمى للقوة، إلى إضعاف الاستقرار السياسى وتزايد هشاشة البلدان التى تعانى من الانقسامات الثقافية والعرقية والطائفية. كما يؤدى تزايد عدم الوضوح الاقتصادى والسياسى فى النظام العالمى إلى شل قدرة البلدان النامية، والمؤسسات الاقتصادية والسياسية الضعيفة بالفعل، على امتصاص الصدمات الخارجية؛ وبالتالى، تتزايد التصدعات الاجتماعية بصورة سريعة.

ويمكن أن تسفر الآثار الإقليمية للتوترات الناجمة عن تفسخ الهيمنة العالمية والصراعات عليها، عن نتائج أكثر خطورة تمس السلام والأمن الدوليين. ونظرا إلى أن الولايات المتحدة تخفف من التدخل فى النظام العالمى، بينما تعانى الأمم المتحدة من العجز، أصبحت الصراعات داخل الدولة الواحدة شرسة وتتزايد مخاطر الصراعات تدريجيا فى المناطق التى يمكن تعريفها بأنها خطوط الصدع الجيوسياسية، فى العالم. وكما يقول أنصار الواقعية، فإن النظام الدولى اليوم يتحول إلى حالة أكثر فوضوية، مقارنة مع الماضى. والأكثر من ذلك، فإن إضعاف الغرب يضعف من قيم مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ وهى المكاسب السياسية التى نشأت من الغرب. ومن سوء الحظ، بدأ يصبح لمفهوم الإدارة القائمة على أساس القوة الغاشمة للنظم الاستبدادية، مثل روسيا والصين، تأثير أكبر على العلاقات بين الدول. ويؤكد الكاتب كلامه بطرح عدة تساؤلات: هل كان من الممكن أن يستمر الديكتاتور السورى بشار الأسد فى السلطة لولا أصدقاءه المستبدين الأقوياء، مثل روسيا وسياسات إيران التى تتجاهل الرأى العام العالمى والقانون الدولى والتعاملات الدبلوماسية؟ وكيف يمكن التغاضى عن مجازر نفذت بأسلحة كيماوية؟ وهل كان من الممكن للصين تطبيق مفهومها للدفاع الجوى، الذى أعلنته منفردة، دون النظر لاعتراضات جيرنها؟ وهل كان يمكن لحكومات بلدان مثل أوكرانيا وأرمينيا أن تتخلى عن سياساتها المؤيدة للاتحاد الأوروبى بسهولة وتوافق على المشروع الروسى من دون «سياسة القوة» الروسية؟ وهل كان من الممكن للأقلية المسلمة فى جمهورية أفريقيا الوسطى أن تتعرض لمثل هذه الهجمات الوحشية أمام الجيش الفرنسى؟

●●●

واختتم الكاتب دراسته مشيرا إلى أنه من المتوقع أن تكون الصراعات الأكثر كثافة فى السنوات المقبلة، فى المناطق التى تعتبر خطوط الصدع الجيوسياسية فيها ضعيفة، وبين القوى التى تحاول الحفاظ على الأمن والاستقرار وفقا لقيمها الخاصة ومصالحها من خلال السيطرة على المنطقة المحيطة بها. وتتمثل المناطق المحتمل تعرضها لمخاطر الضعف والصراعات الساخنة: 1) شمال وشمال شرق لبحر الأسود، 2) البلقان 3) الشرق الأوسط، 4) جنوب آسيا (أفغانستان وباكستان)، 5) شمال الصين وآسيا الوسطى، 6) شمال آفريقيا و7) منطقة الخليج.

وهذه المناطق تضم غالبا الشعوب/الدول التى تمثل التقاء الحضارات والثقافات المختلفة تاريخيا واجتماعيا. ولسوء الحظ، لن يكون من السهل إنشاء وحماية السلام الإقليمى والعالمى على مدى السنوات القليلة المقبلة عندما تسعى الحضارات غير الغربية إلى القيام بالمزيد من الأدوار الشرعية على المستوى العالمى. وهكذا، دخل العالم إلى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين وسط حالة من عدم الوضوح والتوتر. ومن ثم، يمكن أن نستخلص ما يلى: بينما يخسر الغرب احتكاره للأفكار والقيم والهيمنة العالمية، فمن الممكن، أن تعتلى مسرح التاريخ، بمرور الوقت، القيم السياسية والاقتصادية للحضارات والقوى غير الغربية، مرة أخرى. وعلى أى حال، فإن العالم سيتحول إلى ساحة للمنافسة الجادة فى جميع المجالات على مدى العقود المقبلة. ويجب أن نستعد للاضطرام المستقبلى.

التعليقات