رمضان وسامى والميلودراما الشعبية - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
السبت 11 مايو 2024 5:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رمضان وسامى والميلودراما الشعبية

نشر فى : السبت 13 مايو 2023 - 8:20 م | آخر تحديث : السبت 13 مايو 2023 - 8:20 م

نكتب كنقاد عن الأفلام والمسلسلات بعيدا عن حظها من المشاهدة أو التجاهل، وبشكل مستقل عن مدى شعبيتها فى ميزان الجمهور.
ولكن النجاح الكبير والاستثنائى لفيلم أو مسلسل، لا يجب أن يكون موضع تجاهل من الناقد، حتى لو كانت لديه مآخد فنية على العمل، وحتى لو كان هذا العمل مختلفا عن تفضيلات الناقد، أو بعيدا عن ذائقته، أو مذهبه الفنى أو الجمالى الذى يتحمس له.
فى رمضان الفائت، حقق مسلسل «جعفر العمدة»، من كتابة وإخراج محمد سامى، ومن بطولة محمد رمضان، نجاحا مشهودا فى مصر والعالم العربى، فأصبح من الضرورى تحليل وتأمل هذا النجاح، مع أننى لم أعتبره أفضل مسلسل من الناحية الفنية.
لذلك كتبت على صفحتى على فيسبوك هذا البوست بعد انتهاء العمل:
«رغم أننى لستُ متحمسا للنوع الذى يقدمه المخرج والمؤلف محمد سامى، إلا أنه يجب عدم التغاضى أبدا عن النجاح الساحق الذى حققه مسلسله «جعفر العمدة»، ولا تجاهل أسباب هذا النجاح، والتى أراها تتلخص فى النقاط التالية:
(1) هناك فى البداية تلك التوليفة التى تجمع بين الميلودراما الهندية، والروح الشعبية المصرية القادمة، تحديدا من أفلام الخمسينيات مثل «سمارة» و«المعلمة».. الخ، بل إن هذا «النوع المطوّر»، الذى أطلقتُ عليه مصطلح «الميلودراما الشعبية»، ترجع جذوره أصلا إلى ميلودراما يوسف وهبى، وهو نوع حقق دوما نجاحات فى الماضى، لأنه يمتلئ بالصراعات، والتحولات الدرامية، والنماذج الشعبية الجذابة، وفيه أيضا بعض الخفة واللحظات المرحة، وفيه اللمسة المصرية المحلية.
(2) التوليفة وحدها لا تكفى، فكثيرون يقلدونها، ولكن محمد سامى لديه حرفة وإتقان فى صنعها، وتشعر أنه يصدّق النوع كله، ومتأثر به فعلا، ولا يقلّده فقط، كما أنه درسه جيدا، ويريد أن يقدم منه نسخة عصرية، وهذا واضح جدا فى أعماله السابقة، كما أنه يعرف كيف يحكى ويسرد بطريقة مشوقة، ويعرف كيف يكتب حوارات مناسبة للشخصيات الشعبية.
(3) محمد رمضان عنصر أساسى فى النجاح. هذا ممثل موهوب جدا، ويتألق أكثر فى أداء أدوار أبناء المناطق الشعبية، وفى أدوار الصعايدة، و«جعفر العمدة» من أكثر محاولاته توفيقا فى هذا المجال. هذه شخصيات يعرفها جيدا، ويضيف إليها تفصيلات ولمسات خاصة، كما أن قدرات رمضان كممثل ممتازة، وتطورت كثيرا، وقدراته الكوميدية أيضا مميزة. قلت ذلك من قبل، وأكرره دائما: «رمضان مشخصاتى مهم جدا».
(4) ليست المسألة فى خلق بطل شعبى يتجاوب معه الجمهور، ولكن فى الطريقة، وفى الحرفة التى تصنع بها ذلك، فلو كانت المسألة مجرد بطل شعبى، لتصدرت شخصية حامد مقاوم الحملة الفرنسية فى حلقات «سرّه الباتع»، كل الشخصيات الدرامية خلال هذا الموسم الرمضانى، ولكن حامد كبطل قدِّم بطريقةٍ سيئة لم يصدّقها الناس، بينما صدّقوا جعفر العمدة، وأحبوه، ووجدوا فيه نموذجا إنسانيا ودراميا، يستحق دعمهم ومساندتهم.
(5) الميلودراما تميل عموما للتبسيط والتنميط بين الأبيض والأسود، ولكن جعفر شخصية أقرب إلى اللون الرمادى، ولذلك بدا أكثر حيوية وواقعية، ولذلك أيضا كان التعاطف والتفهم أكثر لنقاط ضعفه وقوته.
هذه أسباب النجاح، ولا أعرف إلى أين سيذهب محمد سامى بهذه «الميلودراما الشعبية» فى أعماله القادمة؟
انتهى البوست، ويبقى فقط أن أضيف بعض الشرح التفصيلى لنقاط ومصطلحات ذكرتها.
فالمقصود بمصطلح «الميلودراما الشعبية»؛ هو تلك الأعمال التى تدور فى وسط شعبى كالحارة مثلا، وتقوم ببطولتها شخصيات شعبية مألوفة. أما «الميلودراما» فهى ذلك النوع من الدراما الذى يتميز بالمبالغات والمصادفات والتنميط، والمفارقات والتحولات من النقيض إلى النقيض، كما يتميز بالمبالغة فى التأثير العاطفى عبر أداء الممثلين، أو باستخدام الموسيقى.
وليس صحيحا أن الميلودراما تعتمد على الكآبة والأحزان والكوارث على طول الخط، وإنما تخفف منها دوما مشاهد وشخصيات مرحة، وهى نوع راسخ فى المسرح والسينما المصرية، أستاذه بلا منازع يوسف وهبى، ومن عباءته خرج أعظم مخرجى النوع فى السينما المصرية، وهو الراحل حسن الإمام.
وهناك مخرج عظيم آخر هو عز الدين ذو الفقار، يمكن تصنيف الكثير من أعماله الشهيرة تحت لافتة «الميلودراما الرومانسية الغنائية».
وما زلت أعتبر أن فيلم «الخطايا» لحسن الإمام، وفيلم «الشموع السوداء» لعز الدين ذو الفقار، هما «أفضل» و«أكمل» فيلمين ميلودراما أنتجتهما السينما المصرية حتى اليوم.
يمكن اعتبار «الميلودراما الشعبية» نوعا فرعيا ناجحا من الميلودراما، وفيلم «سمارة» كان أصلا مسلسلا إذاعيّا تخلو الشوارع ساعة إذاعة حلقاته، والممثل والمخرج والمنتج والمؤلف محمود إسماعيل من أشهر صناع وأبطال الميلودراما الشعبية، واشتهر بدور المعلم الخارج عن القانون، ومن نجاحات الميلودراما الشعبية الكبرى ما حققه فيلم «الباطنية»، وهو عمل يقوم على المبالغات، حتى فى ماكياج فريد شوقى!
لسنواتٍ طويلة كانت الميلودراما حاضرة فى السينما، ثم انحسرت وتراجعت، ربما لصعود الاتجاه الواقعى التراجيدى، ولمنافسة أفلام الواقعية الاجتماعية، التى تميل إلى التحليل والتأمل، ثم لتألق مخرجى الواقعية الجديدة، وهؤلاء كانوا بارعين جدا فى التأثير، والسرد، وفى لغة السينما، ولكن بدون المبالغات الميلودرامية، ولذلك جاء فيلم «سواق الأتوبيس» مثلا كعمل تراجيدى منضبط، رغم أنه كان من السهل أن يتحول إلى ميلودراما نمطية.
ليس صحيحا أن محمد سامى مخرج ضعيف أو متواضع، ولكنه مخرج شاطر جدّا فى اللون الذى أتقنه. وليس صحيحا أن رمضان ممثل مدعى، بل هو موهبة عظيمة، يمكنها أن تتلون بأكثر من تعبير وانفعال فى المشهد الواحد، بالإضافة إلى حضوره الفائق، ووصوله إلى درجة أن يكون له «ستايل» خاص فى الأداء، وقد أدهشنى فى حواره الطويل مع إسعاد يونس بفهمه الصحيح لفن التشخيص.
ليس سهلا ما حققه رمضان وسامى، ولكن التحدى الأهم أن يطورا النوع نفسه.
فهل يمكن أن يفعلا ذلك بمبالغاتٍ أقل فى الكتابة، وفى استخدام الأدوات الفنية؟

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات