سوبر ماركت النهضة - محمد أبو الغيط - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 4:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سوبر ماركت النهضة

نشر فى : الإثنين 13 أغسطس 2012 - 9:20 ص | آخر تحديث : الإثنين 13 أغسطس 2012 - 9:20 ص

بينما كان خيرت الشاطر يحتفل بافتتاح أول فروع سلسلة هايبر ماركت (زاد)، كان يتم فى نفس اليوم فى مكان مختلف احتفال من نوع آخر، كان عمال الورديتين الأولى والثانية بمصنع غزل المحلة يحتفلون بانضمام عمال الوردية الثالثة لهم، ليصبح جميع العمال البالغ عددهم 25 ألفا مشاركين فى الإضراب ومنضوين تحت لواء نقابتهم المستقلة.

 

وبينما يكتمل مشهد الاحتفال الأول بصور خيرت وإخوانه أمام الرفوف المكتظة بالسلع الأمريكية ــ التى طالما دعانا الإخوان لمقاطعتها! ــ وبصورهم أمام لافتة تهنئة باسم مجموعة (يونيليفر مشرق) المملوكة لرشيد محمد رشيد الوزير الهارب من تهم فساد، يكتمل مشهد الاحتفال الثانى بنظرة على مطالب العمال التى شملت رفع الأرباح التى كانت 6.5 شهر قبل الثورة وفوجئوا بتخفيضها إلى 4.5، وعزل رئيس الشركة القابضة الذى تم تعيينه فى هذا المنصب بعد الثورة رغم مسئوليته عن خسائر فادحة لشركة الغزل طيلة ثلاث سنوات تولى فيها إدارتها!

 

هذه المفارقة تلخص وضع مصر الحالى كاملا، فلم يتغير بعد الثورة سوى بعض الأسماء، وكرر الإخوان بأقوالهم وأفعالهم مرارا التزامهم بنفس ركائز النظام السابق السياسية الداخلية والخارجية، وبنفس انحيازاته الاقتصادية وهو الجانب الذى سنتناوله هنا.

 

 

 

رجال الأعمال أولا

 

«إن السياسات الاقتصادية التى كانت متبعة فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك كانت تسير فى الطريق الصحيح لكن شابها تفشى الفساد والمحسوبية.. يمكن أن نستفيد من القرارات الاقتصادية السابقة، عرف رشيد محمد رشيد جيدا كيف يجتذب الاستثمارات الأجنبية وكانت قراراته صائبة فى هذا الصدد».

 

ليست هذه كلمات أحد الفلول بل هى كلمات حسن مالك رجل الأعمال الإخوانى الشهير لوكالة رويترز فى 27/10/2011، وكلامه يكشف بصراحة تامة الرؤية الإخوانية الاقتصادية، فالاختلاف إجرائى فقط (الفساد والمحسوبية) بينما سيستمر تطبيق نفس سياسات الليبرالية الجديدة التى تؤكد أولوية القطاع الخاص خاصة الأجنبى منه، والانصياع لشروط صندوق النقد بما تتضمنه من خصخصة وتقليص دور الدولة الاقتصادى والاجتماعى، وصنع طبقة من رجال الأعمال المحليين الذين يعملون كوكلاء للشركات الأجنبية أو يقتصرون على الأنشطة الاقتصادية الاستهلاكية، وهو ما نجده متحققا بالفعل فى أنشطة رجال الأعمال الإخوان كالاستثمار فى الاسكان الفاخر، أو استيراد الأثاث والملابس، وحتى خيرت الشاطر الموصوف بأنه (العبقرى) (مهندس النهضة) (يوسف هذا العصر) عندما بدأ أول نشاط اقتصادى له بعد الثورة لم يقم مصانع، أو يزرع قمحا، أو يبنى مدارس أو مساكن شعبية منخفضة التكاليف، بل افتتح سوبر ماركت!

 

ولا عجب وهو الذى تحدث بدوره فى حوار لرويترز فى 8/4/2012 بصراحة كاملة عن أن القطاع الخاص يجب أن يشارك فى مشاريع البنية التحتية كالمياه والكهرباء نظرا لعجز الدولة، علما بأن خصخصة المرافق العامة هى من الخطوط الحمراء التى لم يجرؤ مبارك نفسه عليها!

 

كما أكد عدم تعديل السياسات الضريبية الحالية ليوسف بطرس غالى التى تجعل أعلى شريحة 20% يتساوى فيها كل من زاد دخله على 40 ألف جنيه حتى لو بلغ المليارات، بخلاف الحادث حتى فى معاقل الرأسمالية، فالشريحة الأعلى فى أمريكا تبلغ 36% وفى فرنسا 42% وفى السويد 48%، لكن خيرت يؤكد بيقين «هتدخلى بدخلة الضرايب والكلام ده، ده هيعمل مشكلة كبيرة!»

 

وبنفس اليقين يحدثنا (مشروع النهضة) فى محوره الأول عن أنه «لا يوجد أمامنا بديل غير التركيز على تمويل أكبر جزء من برامج التنمية من الخارج ودعم القطاع الخاص»

 

•••

 

وفى المقابل لم يكن الأمريكيون بأقل صراحة، على سبيل المثال قبل جولة الإعادة فى 9/6/2012، أكد ستيف فارس رئيس الجانب الأمريكى فى مجلس الأعمال المصرى الأمريكى على أن العلاقات الاقتصادية مع مصر ستستمر قوية حتى لو وصل الإخوان للحكم مادامت السياسات الاقتصادية تشجع على جذب الاستثمارات لأن «المهم هو السياسات وليس من يصل إلى الحكم». وفى 8/6/2012 قال باحث بمركز مايو إرنست فى مقال بالنيوزويك إن إدارة مرسى قد تكون الخيار الأفضل من وجهة نظر أسواق المال، ممتدحا جماعة الإخوان بأنها «حساسة لاحتياجات رجال الأعمال».

 

وقبل أيام من الذكرى الأولى للثورة أشادت صحيفة نيويورك تايمز بقبول جماعة الإخوان إلقاء صندوق النقد الدولى بـ(حبل النجاة اقتصاديا) وذلك خلال لقاء لم يعرف إعلاميا جمع قياداتها مع ممثلى الصندوق، وبعدها مباشرة فى 5 فبراير نشر موقع (صالون) الإخبارى الأمريكى مقالا بعنوان «الإخوان الجمهوريون فى مصر»، يشير إلى تشابه الإخوان والحزب الجمهورى، فكلاهما «يقوده مجموعة من رجال الأعمال شديدى الثراء، يتبنون مفاهيم السوق الحرة والخصخصة، ولا يحبون فكرة إعادة توزيع الثروة، ويفضّلون بدلا منها التصدق على الفقراء بأعمال الإحسان» ــ كمشاريع الإخوان الخدمية أو حملة (وطن نظيف) التى تعمل كمسكنات بديلا عن دور الدولة ــ ويصف المقال خيرت الشاطر بأنه «داعية متحمس للخصخصة»

 

فى سياق كل ما سبق نفهم لماذا اهتم الرئيس مرسى للغاية بعقد لقاء نظمه حسن مالك مع رجال الأعمال، وحضره بعض كبار الفلول كمنصور عامر عضو لجنة السياسات وجلال الزوربا أحد مؤسسى اتفاقية الكويز، وخرجوا جميعا سعداء بتأكيد الرئيس استمرار السياسات السابقة، خاصة فى ظل عدم تطرقه هو أو مجلس الشعب لإلغاء المرسوم بقانون رقم 4 الذى أصدره المجلس العسكرى ويجيز التصالح مع المستثمرين المدانين بارتكاب جرائم المال العام، وعلى النقيض كان مجلس الشعب قبل حله على وشك إقرار قوانين مشينة تقيد حقوق التظاهر وتكوين النقابات المستقلة!

 

•••

 

وهكذا حتى يقرر الإخوان تغيير انحيازاتهم الاقتصادية يبقى الوضع على ما هو عليه، يناضل الفقراء تحت الشمس الحارقة من أجل زيادة بضعة جنيهات لأقواتهم، بينما يكدس رجال الأعمال مزيدا من السلع فى السوبر ماركت المكيف، حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا.

 

 

محمد أبو الغيط طبيب ومدون مصرى
التعليقات