الخواجة عبدالقادر - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 9:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخواجة عبدالقادر

نشر فى : الإثنين 13 أغسطس 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : الإثنين 13 أغسطس 2012 - 9:10 ص

 بين كل هذا الكم الهائل من اللت والعجن الذى تعج به دراما رمضان، يأتى مسلسل الخواجة عبدالقادر مثل نسمة رطبة فى مناخنا الملتهب الفظ، شديد الحرارة واللزوجة.

 

أريد أن أعترف أولا، أننى «غميضى» اذهب إلى أى عمل يحمل اسم هذا المبدع الرائع، يحيى الفخرانى، فى السينما أو المسرح أو التليفزيون، فهو بالنسبة لى ماركة مسجلة، تماما كما كان الراحل الكبير أحمد زكى، ولذا، فلست بحاجة للإشادة بأدائه المبهر، ولا بالسيناريو البديع المحكم «خالى الحشو واللبابة» لعبدالرحيم كمال، ولا بالتجربة الإخراجية الواعدة لشادى الفخرانى، مرورا بالموسيقى التصويرية الموحية للكبير جدا عمر خيرت، وبالأداء المتميز لكوكبة كبيرة من الفنانين، أعاد المسلسل اكتشاف بعضهم، وعلى رأسهم أحمد فؤاد سليم وصلاح رشوان ومحمود الجندى، وسماح السعيد فى دور شهوية.

 

ما أريده هنا هو أن أواصل ما بدأناه منذ بداية شهر رمضان، فقد تحدثنا عن ثلاثة من الصوفيين الكبار: النفّرى «صاحب المواقف والمخاطبات»، والحلاج صاحب «الطواسين»، وأخيرا شهيدة العشق الإلهى رابعة العدوية، ثم جاء الخواجة عبدالقادر «متماسا» مع ما كتبته عن هذه النخبة من أهل الله، أصحاب القلوب النقية الصافية.

 

ولست أشك فى أن للمسلسل ظلا واسعا من الحقيقة يعرفه المؤلف جيدا، فالكرامات وكشف الحجب ليست خرافات، إنما هى هبات إلهية يمنحها المولى عز وجل للخاصة من عباده، الذين يخلصون فى محبته، ويستغنون به عمن سواه، فيريهم ما لا يراه الآخرون، ويبصرهم بما لم يبصروه، وأظن أن سيدنا الخضر، وهو لم يكن نبيا ولا رسولا، هو التعبير الأمثل عن هذه الحال، يقول الحديث القدسى «لايزال عبدى يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها، ولئن سألنى لأعطينه ولئن استغاثنى لأغيثنه».

 

وكما نعلم فقد ظهر التصوف فى ديار الإسلام فى القرن الثانى الهجرى، فى ذروة انغماس المسلمين فى ملذات العصر العباسى الأول، حيث آثر المتصوفة الأوائل أن يهربوا من زخرف الدنيا الفانية إلى سماحة الحضرة الإلهية، زاهدين فى نعم الحياة ومغرياتها، باحثين عن جوهر الوجود، عبر حالة رائقة من الصفاء الروحى والمحبة الغامرة.

 

وعلى الرغم من أن الأصل فى الصوفية أن يكون للمريد شيخ يأخذ عنه، وللمتصوف طريقة يتبعها، فإن الصوفية فى أصلها نزوع فردى إلى أصل الوجود وحقائقه، أى أن كل منّا يمكنه لو أراد أن يتصوف، عملا بالقول الصوفى «الطريق إلى الله بعدد أنفاس البشر».

 

والصوفية وإن كانت تعلى من شأن المحبة الخالصة لله وحده، وترتكز على الزهد والتقشف، فإنها لا تعنى الدروشة والدهولة كما يعتقد البعض، بل إن بعض الطرق الصوفية الأصيلة كالشاذلية، وإن أكدت على المعانى السابقة، فإنها نفّرت أتباعها من مسالك المسكنة والشعوذة والتسول، وحثت على العمل وكسب العيش والثراء الحلال: «اخلص فى محبته وكن كما تشاء».

 

شكرا للأستاذ يحيى الفخرانى وللمؤلف والمخرج وكل من شارك فى هذا العمل الجميل، فقد أعطونا ساعة يومية من الإبداع الشجى، ساعة من المحبة الخالصة.   

 

 

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات