النخب المصرية والديمقراطية (١ــ٢) - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النخب المصرية والديمقراطية (١ــ٢)

نشر فى : الثلاثاء 13 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 13 أغسطس 2013 - 8:00 ص

فبينما دللت قطاعات شعبية واسعة منذ ٢٠١١ على جهوزيتها للمشاركة فى التجربة الديمقراطية، أثار خطاب وممارسة النخب المصرية الكثير من علامات الاستفهام والشكوك بشأن جهوزيتها للديمقراطية. أخفقت نخبة السياسة فى بناء توافق وطنى داعم للتحول الديمقراطى منذ ثورة يناير. فى البدء كان تحالف جماعة الإخوان مع المجلس العسكرى ودفع مصر باتجاه مسار «التعديلات الدستورية» التلفيقى وتجاهل كافة مبادرات الإصلاح الضرورية من العدالة الانتقالية إلى إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية. فى البدء كان أيضا الخوف المستمر للقوى الليبرالية واليسارية من صندوق الاستفتاء والانتخاب واستعلائها على اختيارات المواطنات والمواطنين وضعف وجودها بين الناس.

ثم كانت رئاسة الدكتور محمد مرسى، والتى جاءت عبر الانتخاب بكل تأكيد وصاحبها فى بدايتها الأمل فى إنجاح مسار التحول الديمقراطى. إلا أنها، وتحت ضغط جماعة الإخوان وحلفائها، فى أن تصبح رئاسة لكل المصريات والمصريين واعتدت على سيادة القانون واستقلال السلطة القضائية، وتجاهلت بالكامل صناعة التوافق الوطنى وهمشت مصالح مصيرية ذات ارتباط بالأمن القومى كمواجهة الخلايا الإرهابية فى سيناء وأزمة حوض النيل، واستعدت عليها الكثير من القطاعات الحيوية فى المجتمع دون أن يرتبط ذلك بمبادرات جادة للإصلاح الديمقراطى أو بمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان.

ثم كانت الطامة الكبرى للقوى الليبرالية واليسارية، والتى تمثلت فى الإصرار على استدعاء الجيش إلى الحياة السياسية مجددا والاستعداد للتحالف معه ومع عموم المكون العسكرى ــ الأمنى فى الدولة المصرية للإطاحة غير الديمقراطية وبعيدا عن صندوق الانتخابات بالإخوان وحلفائهم. بالقطع، وكرد فعل لخطايا الإخوان، تبلورت ارادة شعبية رافضة لهم وباحثة عن التغيير، عبرت عن نفسها فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، إلا أن القوى الليبرالية واليسارية وبخطاب رموزها المطالب بتدخل الجيش والمتخلى عن الديمقراطية وعن علاقات مدنية عسكرية ديمقراطية الطابع كانت قد مهدت لدفع مصر إلى وضعيتها الراهنة وإلى عزل رئيس منتخب دون آلية انتخابية. وكما سجلت فى مقالات سابقة، ورطت رموز القوى الليبرالية واليسارية، من يشارك منها اليوم فى السلطة التنفيذية ومن يستعد للمشاركة فى الانتخابات حين تنظم، الأفكار الليبرالية واليسارية فى مصر فى أزمة عميقة وفقدت هى وبغير رجعة مصداقيتها الديمقراطية ولم يعد لها أبدا أن تتحدث باسم الحريات وحقوق الإنسان. ثم كانت، بالمقاييس الديمقراطية، كارثة عودة القوى السياسية لنظام ما قبل ثورة يناير إلى الواجهة بتحالفها التقليدى مع الأجهزة الأمنية وشبكات المصالح المرتبطة بمؤسسات وأجهزة الدولة وشبكات المصالح الاقتصادية والإعلامية. تمارس قوى ما قبل ثورة يناير تصفية منظمة للأصوات المدافعة عن الديمقراطية والرافضة لتدخل الجيش فى السياسة ولانتهاكات حقوق الإنسان والمطالبة بعدالة انتقالية ومصالحة وطنية. بل وتهاجم أيضا الأصوات المحسوبة على الثورة وأهدافها التى قبلت التخلى عن المبادئ الديمقراطية وتحالفت مع ترتيبات ما بعد ٣٠ يونيو مستغلة فقدانها للمصداقية الديمقراطية وللحصانة الضميرية والأخلاقية التى تقدمها، وعاملة بوضوح على إعادة عقارب الساعة فى مصر إلى الوراء بفاشية الصوت الواحد (اليوم لا صوت يعلو فوق صوت فض اعتصامات الإخوان وحلفائهم) وعنف مدعى احتكار الحديث باسم المصلحة الوطنية (اليوم لا مصلحة وطنية فى الحديث عن حقوق الإنسان وضماناتها).

أخفقت نخبة السياسة فى مصر فى الاختبار الديمقراطى، وعمق من التداعيات الخطيرة لإخفاقها هذا كون نخب المال والأعمال والإعلام لم تبتعد هى الأخرى عن الإخفاق والتخلى عن أو المساومة على أمل المصريات والمصريين فى التحول الديمقراطى وسيادة القانون أو فى الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات