ماذا تقول الصور؟ - كمال رمزي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 7:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا تقول الصور؟

نشر فى : الثلاثاء 13 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 13 أغسطس 2013 - 8:00 ص

ثلاث صور أظن أنها ستظل باقية فى الذاكرة، لمدة طويلة، الأولى، تناقلتها وكالات الأنباء، ونشرتها الصحف العربية: طابور من النساء الحوامل، يقفن فى حديقة، يرتدين بناطيل وفانلات بيضاء. البناطيل منخفضة والفانلات مرتفعة، وبالتالى تبدو بطونهن العارية، المستطلقة، ظاهرة لكاميرات التصوير. البطون مختلفة الأشكال والأحجام. منها الضخمة والصغيرة، ومنها من تجنح لليمين ومن تتجه لليسار.. لكن كلها تنبئ بأنفاس جديدة، ستستنشق نسيم الحياة بعد أسابيع. أما عن مناسبة هذه التظاهرة اللافتة للنظر، فإنها، كما تقول الأخبار، كالتالى: وقف أحد أعضاء مجلس النواب التركى، من فصيلة الأراذل المتسترين بإدعاء الأخلاق الحميدة، مطالبا بفرض قانون يمنع الحوامل من الذهاب للعمل، أو الخروج للشارع، خاصة فى الشهور الأخيرة، لأن مظهرهن شديدة الدمامة، يؤذى العيون.

واصل الفسل التافه كلامه السخيف، الجارح للنساء، المزعج لكل من يرى فى الحمل والولادة، إحدى معجزات الخالق، تبعث على الخشوع.. طبعا، وجد النائب المتظاهر بالورع، من ينتقده ويهاجمه. لكن استجابة النساء الحوامل، كما بدت فى الصورة، جاءت كصفعة قد تفيق مثل هذا المتخلف وتنبهه إلى أن الحوامل، فى كل الكائنات، يحملن سر البقاء، وهن جديرات بالاحترام والتوقير.. تحية للمرأة التركية، فى شجاعتها، وقدرتها على التحدى.

أما الصورة الثانية، فإنها لأطفالنا، الأولاد والبنات، الصغار، الذين تم تجميعهم، كما قيل، للذهاب بهم إلى اعتصمامى رابعة والنهضة، وبعيدا عن المناقشات السياسية، تنضح الصورة بالمعانى الموجعة، فلا يمكن أن ترى وسط زحام الأطفال وجها يبتسم، فالوجوه تخلو من البهجة وتعلوها التعاسة، وربما الدهشة مما يجرى.. بعضهم، رفع أكياس عطايا محلات التوحيد والنور، لكن طفلين، فى الصف الأول، لا يحملان شيئا. على وجهيهما يمتزج الخجل بالكدر.. وفى أقصى اليسار، تقف طفلة لا تحمل كيسا، تتظاهر أن الأمر لا يعنيها. لكن، إذا دققت النظر، فستكتشف انطفاءة الإحباط فى عيونها.. أهذا حال أطفالنا؟

تمتزج فى الصورة الثالثة، التراجيديا مع الكوميديا. أى أنها «تراجيكوميديا»، حسب مفهوم أهل المسرح: الأسد الهصور، المعروف باسم «عايز راجل»، الذى طالما زأر وزام، وأرغى وأزبد، وأطلق حمما من الوعيد، ولوح بالحذاء لمن لا يريد الامتثال بالتى هى أحسن، وقع فى مصيدة ميدان التحرير. وبعيدا عن ملابسات الموقف، وما ضبط فى سيارته، بدا الرجل الوحشى، أقرب للقطة الوديعة، الأليفة، الناعمة. اختفت النظرات التى تقدح شررا، ليحل مكانها نظرات ودودة.. تلاشت التكشيرة المنذرة، بتقطيبة ما بين الحاجبين، ليغدو الوجه صافيا، متسامحا، يتلفت حوله بلا ضغينة، أو غضب، ولا حتى استنكار.

المفارقة أن «عايز راجل» فى حالته الأولى، كان أقرب للفكاهة الفظة، الغليظة.. أما فى حالته الثانية، وهو فى المأزق، بدا كما لو أنه فى وضع تراجيدى بائس ومستسلم تماما، يعطى أمثولة فى مغبة الغرور وأوهام القوة المطلقة، فلا تستطيع إلا أن تتأمل موقفه، بدرجة ما من الأسى.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات