عندما تمطر السماء مبادرات للسلام - محمد أنيس سالم - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 12:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عندما تمطر السماء مبادرات للسلام

نشر فى : الثلاثاء 14 يونيو 2016 - 9:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 14 يونيو 2016 - 9:55 م

معذور المراقب المتابع لأحوال العالم العربى إن لاحظ أنه يبدو وكأن السماء – فجأة – تمطر العديد من مبادرات السلام على المنطقة (سوريا، واليمن، وليبيا، ولبنان، وفلسطين).

لماذا يحدث ذلك؟ وما هى القواسم المشتركة بين الأزمات العربية والمبادرات الدولية؟ وما هى فرص نجاح مساعى السلام؟


أول ملاحظة هى أن النزاعات المتعددة فى المنطقة قد طال مداها، واتسعت آثارها على البشر والحجر، وأرهق أطرافها، وتسربت قناعات لدى القيادات المتنازعة بأنها لن تبلغ أقصى أهدافها وبالتالى تولد لديها قدر جديد من الواقعية والانفتاح على الانخراط فى مبادرات للسلام ولو على سبيل استكشاف البدائل وإتاحة الوقت لاستراحة محاربين.


هناك عامل آخر يبدو أنه يحرك مواقف الأطراف الإقليمية والدولية. ذلك أن تشابكات عصر العولمة قد خلقت آليات لمصالح مشتركة، كما يوجد ادراك لمخاطر جادة تحيط بتصاعد الاحتكاكات بين الدول المساندة للأطراف المحلية: فالولايات المتحدة وروسيا يريدان تفادى صدام مباشر بينهما ولو عن طريق الصدفة، وإيران وتركيا تتشاركان فى مصالح حول الطاقة وأنابيب البترول والغاز ومواجهة صعود الأكراد، ناهيك عن وجود شعور مشترك بصعوبة التفاعل مع البحر العربى من حولهما.

الدول الخمس دائمة العضوية ومعها أوروبا واليابان تتطلع إلى السوق الإيرانية وتفتح الباب لإعادة دمج طهران فى المجتمع الدولى سياسيا واقتصاديا.


العامل الثالث هو تأثير الأمم المتحدة. فرغم تهميش دور المنظمة الدولية فى كثير من النزاعات المعاصرة إلا أنها تظل مصدرا لعدد كبير من القرارات والإجراءات والتقارير والاجتماعات والمراقبين وقوات حفظ السلام والمبعوثين.

وكل ذلك يولد عناصر تحدد مرجعيات للحلول الممكنة، ويطرح آليات للتعامل مع أطراف النزاعات بما فى ذلك الوساطة والعزل والعقوبات وشرعنة التدخل المباشر ومحاسبة المسئولين. وهكذا فليس من قبيل الصدفة أن نجد العديد من الممثلين الخاصين للأمين العام للأمم المتحدة يتولون عمليات الوساطة: دى مستورا فى سوريا، كوبلر فى ليبيا، الشيخ فى اليمن، الخ.


***


يمكن التوقف على هامش هذا التحليل للتأمل فى عجائب الموقف العربى من نزاعات المنطقة. فلا نحتاج لكثير من البصيرة لكى نرصد تواضع الدور العربى فى محاولات تجنب وتهدئة وحل النزاعات سواء تحدثنا عن دور جامعة الدول العربية، أو ما تقوم به الدول العربية المهمة منفردة، بل ما تمارسه منظمات المجتمع المدنى من مراكز الأبحاث ومجالس الشئون الخارجية وهيئات الإغاثة.


الهامش الآخر يتعلق بالدراسات التى تناولت الحروب الأهلية وعمليات التمرد والثورة حول العالم على مدى المائتى عام الماضية حيث تشير إلى أن متوسط المدة الزمنية التى تستغرقها هذه العمليات فى العصر الحالى هى نحو عشر سنوات وهو ضعف ما كانت تستغرقه قبل عام 1945.
غير أن السؤال يبقى عن أسباب تعقد وطول المدى الزمنى لمبادرات السلام مع تعثرها بل فشلها فى أحيان كثيرة.


الواقع أنه يبدو أن طبيعة النزاعات فى المنطقة العربية قد أخذت طابعا معقدا لا يسهل عملية التفاوض وإيجاد حلول وسط ترضى الأطراف. فمع سقوط النظم التسلطية تجنح الجماعات الفرعية إلى تأكيد هويتها والدفاع عن مصالحها ازاء الجماعات الأخرى مع بروز خطوط للتقسيم ترتبط بالديانة أو المعتقد أو القبيلة أو المنطقة الجغرافية.

ومع الاحتكام للسلاح بحثت كل مجموعة عن حلفاء محليين وإقليميين ودوليين. ففى سوريا مثلا كان من الطبيعى أن تنظر عدة أقليات إلى نظام البعث على أنه درع يحميها من الموجة الاسلامية المعارضة وبالمثل سعى أكراد العراق إلى الحصول على دعم اقليمى ودولى لمواجهة نظام صدام السنى، وفى ليبيا تحالفت قبيلة القذافى (القذاذفة) مع تنظيم «داعش».


العامل الآخر الذى يتسبب فى إطالة زمن الحروب واحباط محاولات السلام هو أن النزاعات كثيرا ما تولد أسباب استمرارها. فالقيادات تعرف أن القبول بالسلام قد يعنى تخليها عن السلطة، والقوى الاقليمية تربط مواقفها بالحصول على تنازلات من الأطراف المناوئة فى قضايا اخرى، وهناك جماعات وأفراد يستفيدون من استمرار النزاع وصفقات السلاح والتموين وحالة الفوضى.


ومع ذلك تبدو القضية الفلسطينية عصية على هذه التحليلات وكأنها غير خاضعة لقواعد الصراعات والنزاعات الأخرى فى المنطقة.

هنا لا نجد دورا للامم المتحدة الا على استحياء (حتى أنه قيل إنها فرقة النظافة التى تعمل بعد كل حرب تشنها إسرائيل).

هنا طرف يملك تفوقا عسكريا كاسحا ويستغله فى ضرب الحائط بالقانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة ولا يعنى الا قليلا بمواقف «الرأى العام الدولى» أو حتى بمواقف الدول الحليفة له. هنا ممارسة لسياسات الاستعمار والضم رغم توارى زمن الامبراطوريات والمستعمرات.

ومع ذلك نجد قواسم مشتركة بين هذا الصراع والنزاعات الاخرى فى المنطقة: الامتداد الزمنى والتمدد الجغرافى وجذب أطراف إقليمية ودولية وسوء الادارة العربية للمواجهة والآثار الانسانية المرعبة. هناك أيضا ظاهرة تدويل النزاعات فهذه فرنسا تطرح مبادرة للحل وهذه سويسرا تعقد مؤتمرا دوليا لمعالجة علاقات فتح وحماس.


***


إذن هناك عوامل تفسر تلاحق مبادرات السلام على المنطقة، كما أن هناك عوامل مناوئة تعيق هذه الجهود وتدفع لاطالة زمن النزاعات.

وبعيدا عن اكتساح أحد الاطراف المتنازعة لخصومه (وهو ما يبدو مستبعدا فى ضوء تجربة الماضى القريب)، يبقى احتمال استنتزاف قوة الأطراف المتحاربة وتولد الرغبة للخروج من نفق المواجهة، كما يوجد بديل ظهور توافقات دولية تسعى لفرض ارادتها على الاطراف المحلية رغم صعوبة تحقق هذا السيناريو. وبخلاف هذه الاحتمالات الثلاثة يمكن تصور امتداد النزاعات لخمسة أعوام أخرى على الاقل، كما تتنبأ الدراسات.

التعليقات