مصر والدائرة العربية: مراجعات ما بعد 2011 - محمد أنيس سالم - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 4:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر والدائرة العربية: مراجعات ما بعد 2011

نشر فى : الأربعاء 8 فبراير 2017 - 9:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 8 فبراير 2017 - 9:10 م
مدير مركز العمل الانمائى بالقاهرة، منسق مجموعة عمل الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية بالمجلس المصرى للشئون الخارجية، سفير سابق.
يمكن تحديد عام 2011 كنقطة بداية لتوسيع حلقة الحوار العام حول السياسة الخارجية المصرية. ورغم أن ميدان التحرير آنذاك لم يشهد مطالبات صريحة فى مجال السياسة الخارجية، إلا أن واقع مراجعة كل ما يتعلق بالتجربة المصرية ما لبث أن شمل هذا الموضوع. وساهم الإعلام الاجتماعى فى مد نطاق المشاركة فى هذا الحوار كما واكب ذلك محاولات لإجراء مراجعات منظمة عبر مبادرات عدة منها الحوار الوطنى الذى قاده المرحوم د. عبدالعزيز حجازى، والدعوة التى اطلقها أ. جميل مطر فى «الشروق» بالإضافة لجهود المجلس المصرى للشئون الخارجية.

كان من الطبيعى أن يتم التركيز فى هذه المناقشات على علاقات مصر بإقليمها العربى فى ظل توالى التغيرات من ثورات وحروب أهلية ممتدة ودول فاشلة، مع تدخلات لا سابق لها من جانب دول شرق أوسطية، وعودة درامية للقوى الكبرى بالسلاح والقواعد العسكرية والأحلاف، ودخول منظمات إرهابية كعنصر فاعل يرفع الرايات ويحتل الأرض ويدخل فى المعادلات السياسية الداخلية والمفاوضات الدولية نحو صياغة توازنات سياسية وقرارات أممية وحلول مقترحة.

نظرية الدوائر الثلاث

جدير بنا فى هذا السياق أن نعاود التأمل فى «نظرية الدوائر الثلاثة» التى سادت الأطروحات الرائجة حول السياسة الخارجية المصرية على مدى 65 عاما. باختصار تضع «النظرية» علاقات مصر الخارجية فى دوائر ثلاث أولها عربى وثانيها أفريقى وثالثها إسلامى. ونقدها الواضح هو أن هذا التصور لا يحدد ما هى الأهداف القومية التى ينبغى العمل على تحقيقها وما هى مؤشرات الأداء التى يتم استخدامها فى المتابعة والتقييم؟ ثم إن هذه الدوائر الثلاث لا تشمل دولا تتعامل معها مصر على نطاق واسع: الاتحاد الأوروبى مثلا الذى يمثل الشريك التجارى الأول، أو منطقة البحر المتوسط التى شهدت تاريخا حافلا من التفاعل الحضارى والبشرى والعسكرى، ناهيك عن العلاقات مع الولايات المتحدة والصين والاتحاد السوفيتى ثم روسيا (صفقات سلاح، معونات اقتصادية، استثمارات، تفاعل ثقافى). ويضاف لكل ذلك أن تقسيم العالم ثلاثة دوائر يتجاهل مجموعة عدم الانحياز (التى أضيفت فيما بعد للنظرية) كما أن النظرية ــ فى عرضها المبسط ــ لم تتناول التفاعلات بين المناطق والتكتلات الدولية المختلفة (مثلا يستدعى التفاعل مع الدول العربية إعطاء الاعتبار لسياسات دول الجوار الشرق أوسطية والقوى الكبرى بوصفها صاحبة مصالح ووجود).

فإذا وضعنا نظرية الدوائر الثلاثة جانبا وبحثنا فى سجل بعض الأفكار التى طرحت فى مجال تأصيل سياسة مصر الخارجية فإننا سوف نجد ــ مرة أخرى ــ انحيازا للمقاربات الجيوستراتيجية. جمال حمدان تناول فكرة الخطر القادم من الشرق والدفاع عن مصر من جبال طوروس، بالإضافة لارتباط مصر بالنيل. حافظ اسماعيل أثار مسألة الاختلال بين الرغبات المصرية المتعددة من ناحية والقدرات المادية المحدودة. أحمد أبوالغيط أشار لظاهرة تاريخية هى تكرر تحالف مصر مع القوة العالمية الثانية وبالتالى وقوفها مع الجانب الخاسر فى الصراع الدولى. عبدالمنعم سعيد تجاوز التحليلات إلى طرح فكرة «الكمون الاستراتيجى» لإعادة بناء قاعدة القوة المصرية بما يمكنها من ممارسة سياسة خارجية أكثر كفاءة.

وبالتوازى مع التراكم البطىء للأفكار المطروحة لتأصيل نظرية السياسة الخارجية المصرية، خطت مقاربة أخرى للأمام عبر تحليل النظام الإقليمى العربى على يد على الدين هلال وجميل مطر وسعد الدين إبراهيم وغيرهم حيث تناولوا عضوية النظام وإمكانياته، وآليات عمله، وأيديولوجيته، وقضاياه، وأنماطه الاجتماعية البازغة، إلخ. وهكذا تطورت الأطروحات التى تتناول السياسة الخارجية المصرية وخاصة فى نطاقها العربى بحثا عن صيغ أكثر عمقا وأكثر قدرة على استيعاب المتغيرات المتعددة التى تحدث فى الإقليم. ومع ذلك ظلت الصيغ الرسمية جامدة عند مفاهيم قديمة ومبسطة وغير قادرة على تقديم رؤية جديرة بالتحديات التى تواجه البلاد. فلا عجب أن جاءت وثيقة «مصر 2030» الصادرة عن وزارة التخطيط شبه خالية من تناول قضايا الأمن القومى، وهو أمر يحتاج لعلاج.


نهايات جديدة فى النظام الإقليمى

إذن يبقى التحدى لا فقط فى التوافق على صياغة معاصرة للسياسة الخارجية المصرية، خاصة فيما يتعلق بالعالم العربى، ولكن أيضا فى استيعاب هذا الجهد للتحولات المتلاحقة فى واقع الإقليم. ويمكننا هنا أن نتوقف على أربعة تحولات عميقة فى هيكل النظام الإقليمى العربى:

• نهاية فكرة وجود مركز واحد لقيادة المنطقة، بسبب تعدد دوائر القوة وانتشارها، فهناك دائرة للقوة الاقتصادية وأخرى للطاقة، وثالثة للقوة العسكرية، ورابعة للإعلام وهكذا. لم يعد المطلوب من الدول العربية التجاذب على قيادة المنطقة ولكن الاتفاق على أسلوب لإدارة التوازنات الجديدة بهدف تعظيم الفوائد للجميع وتحجيم المخاطر الصاعدة.

• نهاية فكرة بناء نظام عربى يستبعد الأطراف الإقليمية وضرورة إيجاد صيغة للتعامل مع الدول الشرق أوسطية والأفريقية التى تتداخل مصالحها مع العديد من قضايا الأمن العربى. رفض العرب صيغة التعامل مع دول الجوار التى طرحها عمرو موسى فى قمة «سرت» (2010) وانتهوا بمشهد «أستانة» حيث جلست إيران وتركيا تقرران مصير سوريا فى غيبة الدول العربية.

• نهاية فكرة الدور الأمريكى الحاكم لقضايا المنطقة، والمدافع عن أمن الخليج، والوسيط فى المعضلة الفلسطينية – الإسرائيلية مما يقتضى إيجاد نظام إقليمى بديل يعالج تحديات الأمن وضرورات التعايش.

• نهاية تجاهل التنوع الموجود فى المنطقة وضرورة إيجاد صيغة جديدة للتوازن بين الكتلة العربية والأقليات التى تندفع نحو محاولة الاستقلال أو الهجرة. ونلاحظ هنا تكرر تقديم مقترحات لحل الحروب الأهلية العربية عبر معادلات اتحادية بل كونفيدرالية (مطروح فى سوريا واليمن وليبيا حاليا).

الروائية الشهرية «أجاثا كريستى» لها مقولة بأن «المرء لا يعرف اللحظات المهمة حقيقية فى حياته إلا بعد فوات الأوان». فهل يصدق هذا على الوضع العربى الحالى؟

 

التعليقات