قراءة فى تقرير رباعية الشرق الأوسط - محمد أنيس سالم - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 6:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قراءة فى تقرير رباعية الشرق الأوسط

نشر فى : الجمعة 15 يوليه 2016 - 9:15 م | آخر تحديث : الجمعة 15 يوليه 2016 - 9:15 م
بخلاف ما أعلنته السلطة الفلسطينية ومؤسساتها من رفض للتقرير الأخير الصادر يوم 1/7/2016 للرباعية الدولية عن «الشرق الأوسط» ومقاطعتها للرباعية، لم نسمع الكثير من ردود الفعل العربية. كان التوقع أن يصدر التقرير يوم 25 مايو الماضى بحيث يشكل خلفية لاجتماع «باريس» للمبادرة الفرنسية، وبحيث يسهم فى بلورة خطة عمل نحو «حل الدولتين»، ودارت توقعات حول احتواء التقرير على إدانة واضحة للسياسة الإسرائيلية فى إنشاء المستعمرات فى الأراضى المحتلة، وبما يشكل نقلة للأمام – تأخرت كثيرا – للموقف الأمريكى، لكن ذلك لم يحدث.

اللجنة الرباعية الدولية (الولايات المتحدة – روسيا – الأمم المتحدة – الاتحاد الأوروبى) أنشئت عام 2002 بهدف تنشيط وتوسيع عملية الوساطة الدولية لحل النزاع الفلسطينى – الإسرائيلى والتى كانت تحتكرها الولايات المتحدة، بالإضافة للاستجابة لضغوط الانتفاضة الثانية. ولجأت الرباعية لتعيين مبعوثين خاصين أولهما «جيمس ولفنسون» الرئيس الأسبق للبنك الدولى (أبريل 2005) والذى استقال فى العام التالى، حيث حل مكانه «تونى بلير» رئيس الوزراء البريطانى الأسبق (يونيه 2007) والذى استقال فى مايو 2015.

بخلاف تركيز الرباعية، وخاصة الاتحاد الأوروبى، على فكرة إصلاح الحكم الفلسطينى (مع إعطاء الأولوية للقطاع الأمنى والقضائى) فإن الرباعية اشتهرت بفكرة «خارطة الطريق» التى أقرها مجلس الأمن فى قراره 1515 (نوفمبر 2003)، والتى هدفت لقيام دولة فلسطينية بحلول 2005. غير أن الأحداث أخذت مسارا آخر: الانسحاب الأحادى من غزة ثم استيلاء حماس عليها، وتفرد الولايات المتحدة بعملية الوساطة مع تقزم دور الرباعية لتقتصر على مساندة الدور الأمريكى وملء الفراغ عند انشغال واشنطن بمشاريع أخرى (فترة غزو العراق مثلا). وفى النهاية وضعت إسرائيل 14 شرطا لقبولها خارطة الطريق، ومضت الوساطة الأمريكية عبر أكثر من إدارة وأكثر من مبعوث حتى توقفت فى أبريل 2014 أمام استمرار إسرائيل فى توسيع مستعمراتها.

***

تقرير الرباعية الأخير يؤكد على حل الدولتين على أساس قرارى الأمم المتحدة 242 و338، ثم يحدد ثلاثة تهديدات للأمل فى السلام:

أولا: حوادث العنف الفلسطينى تجاه الإسرائيليين، مع الإشارة لاستخدام إسرائيل للقوة المفرطة Excessive Force، وحوادث فردية إسرائيلية، وانتقاد تمجيد العنف من جانب حماس – وفى بعض الحالات – من جانب فتح أيضا!

ثانيا: توسيع المستعمرات والاستحواذ على الأراضى وإحباط جهود التنمية الفلسطينية: مع التساؤل عن نوايا إسرائيل طويلة المدى حيث إن 70% مما يطلق عليه «المنطقة ج» فى الضفة الغربية مخصص للاستخدامات الإسرائيلية والباقى لا يصرح للفلسطينيين البناء عليه («المنطقة ج» تمثل 60% من الضفة الغربية). وهنا نلاحظ أن عدد المستعمرات قد تضاعف منذ 1993 (بداية «عملية أوسلو»)، وارتفع عدد المستعمرين إلى 570 ألفا.

ثالثا: الوضع فى غزة والحكم الفلسطينى: يمضى التقرير ليعدد جوانب المسئولية الفلسطينية من حيث تكدس الأسلحة غير الشرعية والنشاط العسكرى لحماس وعدم سيطرة السلطة على الأوضاع بالإضافة لسوء الوضع الإنسانى (95% من المياه غير صالحة للاستخدام البشرى والكهرباء مقطوعة نصف الوقت).

ينتهى التقرير بعشر توصيات بما فى ذلك المطالبة بخفض التوتر، وتنشيط التنسيق الأمنى الفلسطينى – الإسرائيلى، ووقف التحريض على العنف، ووقف بناء المستعمرات وإعادة العمل بخطة نقل السلطة للفلسطينيين فى المنطقة ج، وتحسين الحوكمة الفلسطينية، واحترام وقف إطلاق النار فى غزة ووقف تهريب السلاح ونشاط المقاتلين ورفع القيود على الحركة مع غزة وإعادة توحيد السلطة بين الضفة وغزة وبناء جو من التسامح.

إذن، بعد مسيرة امتدت 16 عاما، توصلت الرباعية إلى تقرير يسوى بين دولة الاحتلال والواقعين تحت الاحتلال، تقرير يتجنب التعرض إلى لا مشروعية المستوطنات وسياسات الاحتلال والنظر إليه كسبب بنيوى للعنف. تقرير ينحرف عن آلية خارطة الطريق ولا يطرح بديلا لها. تقرير تفادى التفاعل مع المبادرة الفرنسية وإن كان قد أشار إليها مع المبادرة العربية ونداء مصر لإحياء التحرك نحو تسوية.

***

التقرير بهذا الشكل يمثل مقياسا لمدى تدهور الموقف الدولى من القضية الفلسطينية وتراجع التأثير العربى، ويمثل ناقوس خطر جديدا يشير لنتائج تردى الأوضاع العربية واستهانة العالم بالحق الفلسطينى.

• من الواضح أن تأخر التقرير كان بسبب خلافات بين أطراف الرباعية حيث قامت الولايات المتحدة بالاعتراض على أى إدانة صريحة لسياسة الضم الإسرائيلية كما أحبطت محاولات طرح جدول عمل لتحريك الموقف، وهو ما كررته واشنطن فى اجتماع باريس فى يونيه الماضى.

• يبدو أن الموقف الروسى يمضى فى التآكل من منطلق الرغبة فى التعاون مع «أوباما» فى أشهره الأخيرة، وإعطاء الأولوية للأهداف الروسية فى سوريا، والإبقاء على الرباعية ودور موسكو فيها، وإرضاء إسرائيل فى إطار التعاون المتصاعد مع «نتنياهو» (التنسيق فى سوريا، مشتريات السلاح من إسرائيل، 4 زيارات لنتنياهو لروسيا خلال العام الماضى، الإعلان عن مناورات عسكرية بين الطرفين الخ).

• يبدو أن الموقف الأوروبى كان مترددا بسبب الانقسامات بين دول الاتحاد الأوروبى (انظر غياب وزيرى خارجية بريطانيا وألمانيا عن مؤتمر باريس حول الشرق الأوسط)، والأرجح أن موقف الأمم المتحدة كان مائعا فى ظل أمينها العام الضعيف.

• رغم وجود آليات للتنسيق بين الرباعية والجامعة العربية عبر لجنة المتابعة العربية أو – فى تكوينها الجديد – «لجنة إنهاء الاحتلال» (مصر، المغرب، الأردن، فلسطين، الأمين العام) إلا أنه يبدو أن الجانب العربى لم يستطع التأثير على مضمون التقرير.

لا يعقل أن يصدر تقرير كهذا وتبقى الدول العربية وجامعتها فى حالة سكون وقبول. اتصور ضرورة أن تعرب الدول العربية – مجتمعة وبشكل فردى – عن رفضها واستيائها لكل أطراف الرباعية. أتصور أن تبحث لجنة إنهاء الاحتلال بدائل التعامل مع الرباعية – فى ضوء المبادرة الفرنسية – مع دراسة بديل المقاطعة بكل جدية. اتصور أن يكون ذلك محورا مهما للبحث فى القمة العربية القادمة.

يا سادة، بعد خمسين عاما من الاحتلال الإسرائيلى، توجد حاجة لفكر جديد واستراتيجية جديدة.
التعليقات