يحتاج الصحفيون والمشتغلون بالإعلام، قطعا، إلى تدريب مستمر، وتنمية مهارات، وتأكيد كل فترة على القيم الحاكمة لممارساتهم المهنية ومواثيق الشرف التى تحكمها، لكن ما تراه أمامك على الشاشة أو تقرؤه فى الصحيفة أو الموقع الإلكترونى، هو نتاج علاقة بين الصحفى والمصدر الذى يستقى منه معلوماته، هذا المصدر فى الأغلب مسئول حكومى أو تنفيذى أو نائب فى البرلمان، أو مواطن عادى قد يكون شاهد عيان على قصة يجرى تحقيقها، أو صاحب مصلحة فى تسريب حقائق مهمة.
ومع اتساع نمو الميديا فى المجتمعات العربية، وفى مصر تحديدا، وقدرتها على نقل جميع الأحداث بتفاصيلها، بما فيها تلك التى تحدث فى مناطق نائية أو خارج العاصمة، أصبح تعامل المسئولين وقيادات الرأى العام مع الإعلام ضروريا وجزءا أساسيا من مهام وظائفهم ومواقعهم فى المجتمع، وبالتالى تصبح مخاطبتهم لوسائل الإعلام والتعاطى معها، ملمحا أساسيا من ملامح كفاءتهم.
أنت لا تنظر لهذا الجانب وأنت تلوم الإعلام كل مرة على تكريس حالات الاحتقان والاستقطاب وربما الكراهية بين الأطراف المختلفة فى المجتمع، تتحدث كثيرا عن مواثيق الشرف وتغليظ عقوبات الصحفيين والتوسع فى تدريبهم وتأهيلهم، دون أن يلفت نظرك أن الطرف الرئيسى فى المعادلة غائب، وهو المصدر المتحدث الذى يحتاج أيضا إلى تأهيل وتدريب وضبط، هو مصدر الشرر فى الأساس، وفى زمن الشغف بالظهور الإعلامى، والإحساس بدور الميديا فى الصراعات السياسية وتحويلها إلى ميدان معارك، يسعى هؤلاء وراء الوسائل الإعلامية بأكثر مما يسعى الإعلام وراءهم.
عندما يخرج رئيس الجمهورية ليقول إن الله لن يرزق من لا يصلون الفجر، متناسيا أن ثلثى سكان العالم تقريبا لا يصلون الفجر ويرزقهم الله، وعندما يركز الإعلام على ذلك يواجه القائمون عليه باتهامات الاصطياد والسعى وراء القضايا الهامشية والتافهة، فهل الأزمة عندنا أم عند الرئيس، وهل مطلوب من الإعلام أن يركز على الأولويات والقضايا والكبرى، بينما رئيس الجمهورية لا يركز على ذلك، ويحرص فى كل خطاب على الحديث بهذه الشاكلة وبهذه الأولويات والأنماط.
قدر من مسئولية ضبط ما يمكن أن تعتبره «انفلاتا إعلاميا» يقع بالتأكيد على عاتق أهل المهنة والصناعة، لكن القدر الأكبر يقع على عاتق أولئك الذين يستخدمون هذه الصناعة فى الوصول للرأى العام، فيعرف كل منهم قدره وحجمه، وعندما يعرف ذلك يدرك ما يقال وما لا يقال، ويعلم حتى إذا أراد أن يقول شيئا كيف يقوله، فما هو مقبول قوله من الرئيس غير المسئول الحزبى غير الناشط السياسى.
وليس عيبا أن نعترف أن الإعلاميين بحاجة إلى تدريب مستمر، وليس عيبا ولا تجاوزا أيضا أن نقول إن الجميع بحاجة إلى هذا التدريب خصوصا أطراف المعادلة الرئيسيين من أعلى مسئول إلى كل شخص يعتقد أن ما يقوله أو يفعله يهم الرأى العام ومن واجب الإعلام نقله والتعاطى معه، على الأقل حتى تتحول هذه الصناعة إلى نعمة حقيقية وليس مصدر تكدير دائم للمجتمع.