ترهل.. الليلة الكبيرة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 4:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ترهل.. الليلة الكبيرة

نشر فى : الإثنين 14 ديسمبر 2015 - 11:10 م | آخر تحديث : الإثنين 14 ديسمبر 2015 - 11:10 م
لو كنت أملك جرأة ورهافة يحيى حقى، فى اختياراته النادرة، الموفقة، لكلمات عامية، لقلت إن هذا العمل يحتاج لـ«تأييف».. التأييف، أغلب الظن، يعنى جعل الشىء ملائما لما هو مطلوب، يطلق عادة على قطعة الملابس، كالجاكتة مثلا، حين تكون قماشتها جيدة، لكن بها عيوب تحتاج إلى إصلاح، كأن يكون أحد كميها أطول من الآخر أو الأزرار ليست أمام العراوى.

«الليلة الكبيرة» قماشة متميزة، سواء على مستوى المكان أو الزمان. المولد، بحيويته، وعشاقه، بنماذجه البشرية البالغة التنوع، سكان المدينة والريف، النساء والرجال والأطفال، المؤمنين، والمحتلين، طلاب الحاجات. إنه المجتمع المؤقت، بؤرة التجمع، شأنه فى هذا شأن المطار، الميناء، محطة السكة الحديد، دار العرض المسرحى والسينمائى.. ومن الناحية الزمنية، لا تتجاوز الأحداث عدة ساعات.
وحدة المكان والزمان، من الأمور التى يجيدها كاتب السيناريو أحمد عبدالله، والمخرج، سامح عبدالعزيز، اللذان حققا بنجاح، من قبل، «كباريه» و«الفرح»، حيث سيطرا على عالمهما تماما، بما فى ذلك الأجواء والشخصيات والأحداث.. لكن، هذه المرة، فلتت الخيوط من أيديهم، وتحول الفيلم إلى مولد، وصاحبه غائب، وبدا، فى مسيرته متخبطا، مكتظا بالغث والسمين، مترنحا، بسبب حمولته الزائدة، لا ينقذه طابور النجوم الطويل، حيث حاول كل منهم، إثبات حضوره، بالإسراف فى الانفعال، فإذا تطلب الدور شيئا من الغضب، فإن سمية الخشاب تنشب مخالبها فى عنق محمد لطفى، الانتهازى، الذى يحبها، وجعلها حاملاً حين فقدت وعيها.. وهو، يتقبل صفعاتها المتوالية على صدغيه، وبصاقها على وجهه، فى هدوء يبلغ حد الانتشاء، وإذا تطلبت الحالة تجسيد نوع من الخلل العقلى، وربما الحالة النقسية المريضة، فإن أحمد رزق، ينطلق بعجلة بخارية وهمية، يقودها بمهارة وكأننا فى مسابقة للتمثيل الصامت.. بينما والدته، سليطة اللسان، المنحرفة ــ بأداء صفية العمرى ــ تنتابها نزعة عدوانية، كلما تراه، فتشتمه، وتصفه مرارا وتكرارا، بواحدة من أكثر الكلمات ثقلاً على الآذان.. تقول له: يا نجس.
بؤرة التصدع فى «الليلة الكبيرة»، تكمن فى السيناريو الذى لم يعرف فضيلة الاختزال والتكثيف، واستسلم لإغراء متابعة ما يقرب من عشر شخصيات، لكل واحدة ظروفها، قصتها، مشكلتها، علاقاتها، يلاحقها الكاتب على نحو تحس معه بتقطع أنفاسه، بالإضافة لتشتته، وعدم تمكنه من المفاضلة بين ما هو أساس، وما هو ثانوى، وما هو هامشى.. أظن أن اضطراب السيناريو هنا، يؤكد ما ذكره أحد عباقرة السينما: لا يوجد ما يسمى بالسيناريو، يوجد إعادة كتابة السيناريو.
تتراكم الوقائع فى «الليلة الكبيرة»، وتتزاحم النماذج البشرية، وتثار عشرات القضايا والأفكار، بعضها مهم فعلا، يعتمد على تفهم احتياج العامة، من الغلابة، لقوة ما تنتشلهم لما هم فيه.. يتصورون أنها تتوافر فى «شمس الدين»، وضريحه، يتزاحمون حوله، لعل وعسى.. وعلى نحو يتلمس خطواته، يبين الفيلم الصراع بين السلفيين، والصوفية، مع رصد المنتفعين من المولد، المسارح الشعبية، وفرق الزار، والمجاذيب، والمنشدين، وأشباه القوادين، والمؤمنين.
من بين الركام، يلمع، فى تقديرى، ذلك الخيط الذهبى، الذى لم يلتفت له الفيلم بما فيه الكفاية: صاحب الأرض المحيطة بالمقام، المخاتل، المتكالب على المال ــ بأداء الراسخ، سيد رجب ــ الذى يوافق على بيع الأرض، وهو يعلم تماما أن المشترين سيطردون سكان البيوت الفقيرة، ويهدمونها.
المونتير، شريف عابدين، فيما يبدو، لم يشأ، أو لم يستطع، استبعاد المواقف المكررة، أو حذف المشاهد التى بلا ضرورة، وبالتالى كادت الأجزاء المهمة تبهت وتضيع وسط كراكيب تثقل كاهل الفيلم، ولعل أوضح مثلاً لذلك، المشهد البارع، قوى الدلالة، الذى كان جديرا أن ينتهى به «الليلة الكبيرة»، حين يسرق أحد الرجال حقيبة نقود بائع الأرض، يلاحقه بجنون «سيد رجب»، وبينما تتناثر الأوراق المالية، ويتخطفها الناس، ينهم المطر غزيرا، ليس تعبيرا عن «التطهر»، كما قال البعض، ولكن، فى ظنى، تأكيدا على أن أقدام الجميع، غارقة فى الوحل، لا يشفع لهم «شمس الدين».. لكن صناع الفيلم، أصروا، على الحاق تزايدات قللت من شأن تلك النهاية النموذجية.. «الليلة الكبيرة»، بمادته الثرية، وتنوع قضاياه، كان يحتاج، بشدة، إلى إعادة نظر، فضلاً عن نوع ما من «التأييف».
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات