صرخة نملة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 12:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صرخة نملة

نشر فى : الأربعاء 15 يونيو 2011 - 9:20 ص | آخر تحديث : الأربعاء 15 يونيو 2011 - 9:20 ص
يوصيك أهل الخبرة بتركيبة درامية ناجحة إذا أردت أن تكشف طبيعة مجتمع فى مكان ما: عليك بإحضار وافد من الخارج، إما أن يكون غريبا تماما، أو من المنطقة، ولكن غادرها لفترة زمنية.. عندئذ تتاح لك فرصة معرفة النماذج البشرية، وشكل وجوهر العلاقات، من خلال عيون الوافد أو الغريب. طارق عبدالجليل، مؤلف الفيلم، نفذ الوصية. أحضر بطله، جودة المصرى، بأداء «عمرو عبدالجليل» من العراق، بعد غياب عشر سنوات، أربعة أعوام عمل وست سنوات فى معتقل للقوات الأمريكية، لأنه رفض تسليمهم مفتاح مخزن الأدوات الكهربائية الذى كان مسئولا عنه. سبب غير مقنع، لكن المهم أنه وصل بالسلامة المشكوك فيها، فمباحث أمن الدولة تتلقفه، مُمثلة فى ضابط بزى مدنى، عنيف، سادى الميول، يؤدى دوره بمهارة الممثل السورى «سلوم حداد»، وبعد سين وجيم، يطلب منه، أو يأمره إن شئت الدقة، أن يبلغه بأى أمر يستحق الإبلاغ.

يصل جودة المصرى إلى حارته التعيسة، ببيوتها الصغيرة، الفقيرة، الآيلة للسقوط. نتعرف معه عما جرى. شقيقته تزوجت من تاجر مخدرات يحقن المدمنين فى خرابة، والدته مريضة، زوجته مع ابنه اختفيا من الحارة، صديقه الوفى أحمد وفيق ــ يحاول أن يجد له عملا فى مقهى متواضع، يملكه رجل قعيد، ويديره ابنه المتخلف عقليا.. وبدلا من أن يتوغل الفيلم فى أحراش هذا العالم، وعلاقته بالعالم الخارجى، يفاجئنا المؤلف بمحاولة الإمساك بعدة أرانب فى وقت واحد، وبالتالى يجرى هنا وهناك، مشتتا، من دون الوصول إلى هدف محدد، خصوصا أنه يقع فى قبضة «الميلودراما» التى عفا عليها الزمن، وانزلق فى قصص فرعية لا تصب فى نهر الفيلم الذى من المطلوب أن يؤدى إلى ثورة 25 يناير، فمثلا، يتابع مسيرة زوجة بطلنا الهاربة، التى انغمست فى الملاهى الليلية، وأثبتت جدارة أهلتها إلى العمل فى بيروت، والسهر، مع منحرفات، للترفيه عن ثرى عربى. ولأنها ذات أخلاق فاضلة، لا تسلم جسدها له، مما يغضبه ويضع ساعته الثمينة فى حقيبتها، ويستدعى الأمن.. هكذا، على طريقة تحية كاريوكا وشكرى سرحان فى «شباب امرأة» مع اختلاف الأدوار، فالرجل هنا هو كاريوكا، والمرأة هى شكرى. وتضطر للاستسلام.. أما ابنها، وهو ابن «جودة» أيضا، فتتركه عند خالها، المدمن، الذى لا يلحقه بمدرسة، بل يجعله سائق «توك توك»، يدخن السجائر وهو لا يزال صبيا أخضر العود.

الحارة هنا هى مجموعة من شذاذ، لا نكاد نرى من بينهم عاملا أو موظفا صغيرا. التصوير هنا من الخارج، من سطح الأشياء.. وعلى نحو لا يخلو من «فانتازيا» تندلع مظاهرة احتجاجا على انقطاع المياه، ويصرح موظف فى شركة المياه أنه سيتم تركيب عدادات، تعمل بكروت الشحن، تشترى مسبقا. وهذه فكرة خيالية جميلة تستحق فيلما كاملا، وليست كلاما. والملاحظ أن الحوار هو الغالب على «صرخة نملة» مما أدى إلى خفوت روح الإخراج السينمائى عند سامح عبدالعزيز، ويكاد يحول الفيلم إلى عمل إذاعى يتحدث عن النملة التى يجدر بها أن تعيش داخل الجدران كى لا تداس بالأقدام.

يقع الفيلم أسيرا للفكرة الخائبة، القائلة بالبطانة الفاسدة والرئيس الذى لا يعلم، وبالتالى يحاول بطلنا الوصول إلى الرئيس.. ومتى؟ أثناء الثورة! الـ«نملة»، المتخبطة، لم تدرك أن السمكة تفسد من رأسها.

 

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات