عسل إسود.. طعام آمن - كمال رمزي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 12:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عسل إسود.. طعام آمن

نشر فى : الأربعاء 16 يونيو 2010 - 10:58 ص | آخر تحديث : الأربعاء 16 يونيو 2010 - 10:58 ص

 إذا أردت أن تكشف خبايا وتناقضات مجتمع كبير أو أسرة صغيرة، فإن أهل الخبرة فى مجال الدراما يوصونك بالاعتماد على عيون غريب وافد، تبين من خلالها المفارقات المدهشة وتبرز الخلل الذى قد يبدو، بسبب طول الاعتياد، مألوفا وعاديا، وهذا ما فعله كاتب السيناريو اللماح، خالد دياب، حين جعل بطله الذى منحه اسما رمزيا، مصرى سيد العربى، يعود إلى وطنه، بعد غياب عشرين عاما، قضاها فى أمريكا.

«عسل إسود» يتجه اتجاها كوميديا، ويتضمن نقدا خفيفا، آمنا، متناثرا، لبعض المظاهر السلبية، فى حياتنا، وهى، فى معظمها، ذات طابع أخلاقى، مثل النصب الخفيف، الذى يمارسه سائق عربة أجرة، أو الرشوة التى يقبلها، أو يكاد يفرضها، موظف تعيس، أو تدنى مستوى تعليم اللغات، وهذه كلها، مع غيرها فى الفيلم، انتقادات جزئية، هامشية، تتوقف عند سطح الأشياء، وتتحاشى إبراز جذورها، وأسبابها، فهنا، لا نرى التماسيح الكبيرة، ولا ندرك دوافع المظاهرات، ولا نتفهم توجهات نظام أدت إلى ظاهرة البطالة التى يرصدها «عسل إسود» من دون أن يحللها.

يبدأ الفيلم فى الطائرة، الكوميديان الجميل، صاحب الحضور العذب، أحمد حلمى، يطل من النافذة، منتشيا، بمنظر القاهرة، وفى المطار يجرى التعامل معه بخشونة لأنه يحمل جواز سفر مصرى، على العكس من المعاملة الناعمة التى يلقاها حملة جوازات السفر الأمريكية، وهذا الموقف على قدر كبير من الواقعية، ينسحب على معظم مطارات الدنيا: الاحترام، والأولوية، لحملة جوازات العم سام.. وخارج المطار، يلتقى «مصرى» سائق العربة «راضى» ــ لطفى لبيب ــ نصف المحتال، ونصف الشهم، الذى يلقى بزجاجة المياه الفارغة فى الطريق، كما يفعل الكثير منا، الأمر الذى يزعج الوافد، الذى يتعرض لمتاعب متوالية، كان من الممكن أن يكون فى غنى عنها، لو أن معه جواز سفره الأمريكى.

مشكلة «عسل إسود» من الناحية الفنية، تكمن فى بنائه المعتمد على توالى المواقف التى قد تكون مصاغة على نحو ذكى، لكن لا تنهض فى سياق متنامٍ، حيث يؤدى كل موقف، بالضرورة، إلى الموقف الذى يليه، لذا فإن الفيلم من الممكن أن يضاف له عشرات المواقف، وأيضا من الممكن الحذف منه، وهذا ما فعله مخرج الفيلم، المونتير فى ذات الوقت، خالد مرعى، المجتهد، الذى لم يبلور أسلوبه بعد، والذى اكتشف أن الفيلم أطول مما يجب، فتخفف فورا من استطرادات لم يجد لها ضرورة.

«مصرى» ينتقل إلى مسكن العائلة القديم، المهجور، يتعرف على جيران الماضى: أسرة من الأسر المصرية الطيبة، تتحايل على الحياة بكل السبل، تمنحه دفئا هو فى أشد الحاجة له.. وهذا الدفء يدفعه للبقاء فى وطنه، والإصرار على هبوط الطائرة التى كانت تحمله للخارج.. أما عن القول إن الفيلم يسىء لسمعة مصر، فإنه مجرد تنطع نقدى يعطى العمل أكبر من حجمه، ذلك أن «عسل إسود»، فى النهاية، طعام آمن ومتواضع.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات