ألف باء حكم الشعوب - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 5:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ألف باء حكم الشعوب

نشر فى : الأحد 16 أكتوبر 2011 - 9:40 ص | آخر تحديث : الأحد 16 أكتوبر 2011 - 9:40 ص

نصح السيناتور الأمريكى «آرثر فاندربرج» رئيس الولايات المتحدة «هارى ترومان» عام 1947 بالقول: «لو أردت أن يتبعك الشعب الأمريكى فلابد أن تلقى الروع فى قلبه». وقد تبع رؤساء الولايات المتحدة هذه النصيحة بكل إخلاص. فمن الحرب الباردة إلى حرب الفضاء مرورا بحرب فيتنام وصولا إلى القاعدة وانتهاء بحرب المخدرات استطاعت الحكومات الأمريكية المتوالية أداء دورها فى هذا المجال بكفاءة.

 

أعلن المخرج الأمريكى مايكل مور فى فيلمه التسجيلى «بولنج فور كولومباين» (2002) نجاح الولايات المتحدة بصفة دائمة فى زرع الخوف فى قلوب الناس، بدءا بالخوف من تسوس الأسنان إلى الخوف من السرطان والايدز، الخوف من الأقلية السوداء ومن الدهماء. نجحت الحكومات المتوالية فى خلق التوتر الاجتماعى المطلوب، واستطاعوا بذلك أن يحكموا قبضتهم على مقدرات الشعب، وهم يتغنون معه بالحلم الأمريكى. فالشعب الخائف أسلس فى قيادته. بالطبع نظرية زرع الهلع لحكم الشعوب بكفاءة ليست صناعة أمريكية فهى قديمة قدم السياسة بل هل قديمة قدم المجتمعات.

 

●●●

 

كتب «برنار ماريس» وهو كاتب واقتصادى فرنسى كتابا عام 2007 بعنوان «أحكم بالخوف»، واستعرض فيه خطاب الخوف. الخوف من انعدام الأمن ومن الهبوط فى السلم الاجتماعى ومن البطالة ومن العنف ومن بطش السياسة ومن الإرهاب ومن الجوع. هو كتاب عن عملية زرع الخوف الجماعى. ولكن كان أهم ما فى هذا الكتاب استعراضه لطرق مقاومة سياسات الخوف من الشعوب. فلا أمل لنا الآن إلا أن نعى أننا نتعرض لحملات منظمة للتخويف يجب أن نقابلها بعمليات مقاومة مدروسة وإلا لن نستطيع أن ننهض من كبوتنا. وقد أثارت حملات الرعب الأخيرة من مرض إنفلونزا الخنازير وإنفلونزا الطيور علامات الاستفهام حول توقيت هذه الحملات الدعائية التى تقوم بها الحكومات المختلفة وصعود وهبوط معدلات البورصة وحسابات المكاسب والخسائر المالية والاقتصادية. والمثير فى هذا المجال هو انتقال مستوى حملات التخويف من المستوى الوطنى إلى المستوى العالمى إذعانا بقدرة العولمة على استكمال المسيرة المقدسة فى حكم شعوب الكوكب الأزرق. وفى هذا كتبت الكاتبة الكندية «ناومى كلاين» أيضا فى عام 2007 كتابا بعنوان «نظرية الصدمة» الذى ترجم إلى 28 لغة وسعى لتقديم مفهوم «رأسمالية الكارثة».

 

فتبعا للكتاب هناك تضامنا حقيقيا بين قوى الليبرالية المتوحشة عبر العالم لخلق حالة خوف عامة من أجل السيطرة على مصير البشر لصالح قوانين السوق الحرة وبربرية المضاربات المالية من أجل أن يحقق القائمون على الأمر أقصى ربحية ممكنة. فنشر الخوف لا يؤدى فقط إلى شعب سلس القياد وإنما أيضا إلى شعب مستهلك يعمل بجدية من أجل إثراء أسياده من قادة الرأسمالية المتوحشة. هو كتاب عن التاريخ السرى للسوق الحرة.

 

●●●

 

هل كانت مصر بعيدة عن كل هذا؟ بالطبع كانت مصر فى قلب الأحداث ويكفى متابعة ما قامت به لجنة السياسات خلال الأعوام القليلة الماضية.

 

كانت الحكومة المصرية فى فترة حكم مبارك تقوم بدورها فى هذا المجال تحت إشراف حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بكفاءة لا بأس بها. وتلخصت المحاور الرئيسية لخلق التوتر الاجتماعى المطلوب فى: الملف الطائفى وملف الإرهاب والخوف من الجوع ونشر حالة فوضى مدروسة. وكان الرهان هو إبقاء كل محور على درجة حرارة معينة من الغليان بحيث تضمن الحكومة عدم وصول كل ملف إلى حالة الفوران أو الانفجار من ناحية أو حالة الهدوء من ناحية أخرى، فكلاهما خطر على إدارة حكم الشعوب.

 

وكانت الإرادة السياسية المصرية واضحة فى اتخاذ جميع التدابير لاستمرار حالة الغليان. ففى كل ملف استمرت الحكومة بوعى كامل وبتخطيط دقيق فى عدم اتخاذ أى قرارات من شأنها تقليل حدة التوتر الاجتماعى. فمن العمل الجاد على الإبقاء على بعبع الإسلام السياسى إلى إزكاء نار فتنة بين مسلمين وأقباط إلى ترك ملف النوبة دون أى تعامل جاد معه، ولا ننسى نشر الفساد بدرجات محسوبة والعمل على توحش البيروقراطية للفتك بأى بوادر شجاعة يمكن أن تظهر على الشعب المصرى.

 

 ومنذ يوم 28 يناير وبالانسحاب الأمنى الكارثى الذى يستمر إلى الآن استمرت السلطة المصرية فى سياستها الاعتيادية لنشر حالة خوف عامة. وكتبت فى نفس هذا اليوم مقالا نشر فى هذا المكان يوم 30 يناير تحدثت فيه عن سياسة نشر الخوف. واستمرت هذه السياسة تعمل بكفاءة عبر التخويف من توقف عجلة الإنتاج ومن تعرضنا لشبح الجوع ومن العواقب الوخيمة للفعل السياسى الإيجابى، واستمر الانفلات الأمنى لنفس هذا الغرض.

 

وعندما لم تحقق سياسات التخويف هذه الدور المأمول قررت السلطة المصرية فى الأيام الأخيرة أن ترفع درجة حرارة الغليان بنسب مدروسة قبل الانتخابات التشريعية، ويتلخص هذا الهدف فى زعزعة الاستقرار ونشر حالة فوضى وبلبلة اجتماعية ونشر حالة خوف عامة من الغد لتعطيل أى حركة للتغيير الثورى المطالب بالعدالة الاجتماعية والإبقاء على فرص الليبرالية المتوحشة والقوى المحافظة والرجعية المصرية فى اقتناص البرلمان المقبل وفى تحديد المواصفات المطلوبة لرئيس الجمهورية القادم.

 

●●●

 

هل سوف تنجح حملات التخويف فى دخول أفراد الشعب إلى الجحور التى صنعتها لهم آليات السوق الحرة؟ أظن أن عصر الليبرالية المتوحش الذى نعيشه منذ نصف قرن فى أزمة هيكلية وأن الغد يحمل أدوات مقاومة جادة سوف تفتح أبواب عصر جديد.

خالد الخميسي  كاتب مصري