25 يناير عام على انطلاقة الثورة - محمد البلتاجي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 10:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

25 يناير عام على انطلاقة الثورة

نشر فى : الثلاثاء 17 يناير 2012 - 9:05 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 17 يناير 2012 - 9:05 ص

بعد أيام يكون قد مر عام على انطلاقة الثورة المجيدة التى نعتبرها جميعا شهادة ميلاد جديد للشعب المصرى الذى كانوا يراهنون على موته وخضوعه واستكانته فإذا به ينتفض كالمارد بعد أن كسر حاجز الخوف فلم تعد ترهبه الاعتقالات ولا يخيفه جند أو عتاد ولا توقفه الرصاصات التى صار قادرا على أن يقهرها هو بصدور الشهداء الأبطال، انكسر حاجز الخوف واحتشدت الملايين وراء الثورة فلم تعد هناك قوة تستطيع مواجهة ملايين لا تعرف الخوف، اضطرت القوى الدولية التى كانت تحمى الاستبداد وتدعمه أن تتخلى عن النظام، حسم الجيش موقفه فأعلن وقوفه إلى جانب الثورة، واصلت الثورة السلمية مسيرتها فلم تكتف بتنحية الفرعون ولكنها استمرت قادرة على تحقيق تنحية (الرئيس ونائب الرئيس وبرلمان الرئيس وحكومة الرئيس ثم تفكيك وحل الحزب الحاكم والمجالس المحلية واتحاد العمال).

 

كان النظام السابق يعتمد على الأجهزة الأمنية فى تحقيق قهر الجماهير والسيطرة عليها، انكسرت العصا الأمنية الغليظة، تحت ضغط الجماهير وفى محاولة لطمس جرائم الماضى تم إعلان حل جهاز أمن الدولة المسئول الأول عن جرائم النظام السابق فى حق الشعب، كان شعار التطهير وخاصة فى الأجهزة الأمنية هو المطلب الرئيسى الذى رفعته الثورة فى المرحلة التالية واستجيب له شكليا بتغيير لافتة أمن الدولة إلى لافتة الأمن الوطنى وتم إعلان حركة تغيير وتطهير محدودة فى القيادات العليا فى الداخلية، راهنت القوى المضادة للثورة من جديد على سيناريو الفوضى كبديل عن البطش الأمنى.

 

استمر سيناريو إدارة الفوضى الأمنية المنظمة وصناعة الأزمات فى طريق الثورة واستمر سيناريو محاولة تفجير الوطن ينتقل بنا من قنا إلى أطفيح إلى إمبابة إلى مسرح البالون إلى ماسبيرو إلى شارع محمد محمود إلى شارع مجلس الوزراء، أجهزة ومؤسسات وأموال وقيادات ليس من مصلحتها أن تسير الثورة قدما للأمام ولا تزال قادرة على اختراق المشهد واختراق أطرافه واستخدام عواطف ومشاعر (نبيلة أحيانا وساذجة احيانا ــ دينية أحيانا وقومية احيانا وقبلية أحيانا وتنافسية أحيانا) بقصد تعطيل المسيرة أى توقيفها أو تأخيرها ريثما تعيد هى ترتيب أوضاعها، القوى الوطنية الثورية تاهت هى الأخرى وانشغلنا جميعا باختلافاتنا التى تحولت من خلافات طبيعية حول أولويات وإجراءات وترتيب خطوات المرحلة الانتقالية إلى انقسامات ومعسكرات وخنادق واستقطابات حادة رغم أن اولويات المرحلة لا تزال تمثل قواسم مشتركة بين الجميع.

 

لا أسعى الآن لتحليل مواقف الأطراف السياسية للوصول إلى أيها كان صوابا وأيها كان خطأً ولا لتبرير بعض المواقف وإتهام الأخرى ولا للدفاع عن بعض المواقف والاعتذار عن الأخرى، فالمهم الآن هو كيف نستكمل المسير بما يجعلنا قادرين على تحقيق شعار الثورة الأول (تغيير ــ حرية ــ عدالة اجتماعية)، التغيير يجب أن يكون حقيقيا وكاملا وجذريا ولا يسمح بإعادة إنتاج الماضى وهذا يشمل التطهير وإعادة البناء على قواعد جديدة، لدينا تحدى إعادة بناء جميع المؤسسات وفقا لقواعد وقيم الحكم الرشيد ولصالح الجماهير، بعد مخاض طويل نجح الشعب فى اختيار نوابه وتشكيل برلمانه الذى يجب أن يكون برلمان الثورة الذى يستكمل مسيرتها ويحقق مطالبها والذى يجب ألا يسمح بأى قدر من الوصاية عليه أو التدخل فى شؤنه أو منازعته صلاحياته، ويحتاج البرلمان إلى قدر كبير من التعاون بين الأطراف السياسية داخله ليتشارك الجميع فى حمل تركة ثقيلة لوطن تم استنزاف وتبديد ونهب وإفساد وتخريب كل مقومات التنمية والنهوض فيه.

 

نحتاج تشريعات تؤسس للسلطة القضائية المستقلة لنطمئن أن تحقيقات النيابة ومحاكمات القضاء (فى قضايا قتل الثوار وفى قضايا جرائم النظام السابق وفى جرائم المال العام وفى كل القضايا) لن تعد تخضع لأية مطالب فوقية أو توجيه من خارج ضمائر القضاة، نحتاج تشريعات تؤسس للحكم المحلى الرشيد الذى يتشكل بإرادة شعبية ويخضع لرقابة شعبية ويباشر صلاحياته ليلبى الحياة الكريمة للمواطنين ويؤسس للمجتمع المدنى والأهلى القوى من جمعيات أهلية ونقابات عمالية ومهنية وفلاحين قادرة على الدفاع عن مصالح المجتمع بكل مكوناته، نحتاج لدور رقابى يطمئن الجماهير بشأن الجديد فى تشكيلات وآداء وصلاحيات الأجهزة الأمنية وكيف نضمن ألا تعيد إنتاج الماضى وألا يكون الأمن الوطنى طبعة جديدة من أمن الدولة، نحتاج لمراقبة آداء الحكومة التى لا أدرى لماذا تتعجل إتمام اتفاقيات قروض قبل جلسات البرلمان ولماذا محاولة إغلاق ملفات أراضى رجال الأعمال ومصانع الخصخصة قبل وجود البرلمان، نحتاج لمراجعة موازنة الدولة لتعديل هياكل الأجور والدخول وتحقيق أولويات علاج المرضى وسكن المشردين وتوفير الوظائف والرقى بالعشوائيات بما يحقق العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة لكل المواطنين.

 

 مع أهمية كل هذا تبقى القضية الجوهرية وهى مدى جدية وضمانات نقل السلطة بملفاتها السيادية كاملة من المجلس العسكرى إلى الرئيس المنتخب ليعود المجلس العسكرى إلى دوره فى حماية الوطن والدفاع عنه دون وصاية أو تدخل فى العملية السياسية، من هنا تأتى أهمية يوم 25 يناير القادم وأهمية صدور مرسوم باعتباره عيدا قوميا للثورة ليكون ذلك إعلان انتقال من شرعية ثورة الضباط الأحرار إلى شرعية ثورة الشعب المصرى بكل ما يعنيه هذا الانتقال من استحقاقات، أقول: هو عيد للثورة لا لنحيا معه مشاعر احتفالية فلكلورية تفرغ المناسبة من مضمونها الثورى كما يريد البعض ولا لنعيش معه حالة جنائزية مأتمية لأننا لم نحقق شيئا كما يرى البعض، ولكن لنرسل جميعا رسالة واضحة أن الملايين لا تزال محتشدة وراء الثورة ومصرة على تحقيق مطالبها التى لم تتحقق بعد، وأن الجماهير ستبقى على وفائها لدماء الشهداء وجراحات المصابين الذين لن ننسى حقوقهم ولن نتراجع عن استكمال المسيرة من بعدهم، هى مناسبة لشحذ الهمم من جديد وراء مسيرة الثورة نجدد العهد والعزم على المضى قدما للأمام، وعلى رأس ذلك تحديد موعد فتح باب الترشيح لانتخابات الرئاسة عقب انتهاء انتخابات الشورى مباشرة (بحسب ما يقتضيه الاستفتاء الدستورى) لنضمن وضع الدستور الجديد فى ظل سلطة مدنية (برلمان منتخب وحكومة منتخبة) وليس فى ظل الحكم العسكرى الأمر الذى نضمن معه ألا تكون هناك أية وصاية على مؤسسات الدولة القادمة أو احتفاظ بملفات سيادية تهيمن على النظام ولو من وراء ستار. وهذه الضمانات لا تتحقق بالبرلمان وحده ولا بالميدان وحده ولا بالأحزاب السياسية وحدها ولا بالقوى الثورية وحدها ولكن يجب ان تتضافر الجهود لنستكمل معا مسيرة ثورتنا المجيدة.

 

أخيراً: تحية إجلال وتقدير لأرواح شهداء الثورة المجيدة أصحاب الفضل على هذا الوطن، ونعاهد الله على الوفاء لدمائهم والمضى قدما فى طريق الثورة بمسئولية تقدر مصالح الوطن وبشراكة مع الجميع دون استثناء وبعزيمة وإصرار دون تراجع للوراء ولو قدمنا أرواحنا ثمنا لعزة وكرامة وحرية هذا الوطن، عاشت مصر لكل المصريين.

التعليقات