من يصنع الأزمات فى طريق الثورة؟ - محمد البلتاجي - بوابة الشروق
الثلاثاء 14 مايو 2024 2:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من يصنع الأزمات فى طريق الثورة؟

نشر فى : الإثنين 21 نوفمبر 2011 - 9:45 ص | آخر تحديث : الإثنين 21 نوفمبر 2011 - 9:45 ص

حين تتساءل لماذا هجمت الشرطة بجنودها وعتادها على عشرات من المعتصمين السلميين العزل فى ميدان التحرير يوم السبت على هذا النحو الذى فجر المشهد السياسى وتسبب فى سقوط شهداء جدد ومئات من الجرحى والمصابين وكأننا يوم 28 يناير وليعود العداء ويستحكم بين الشعب والشرطة من جديد؟ حين تتساءل ما الذى دفع لهذه الخطوة الحمقاء من قبل الأجهزة الأمنية ومن الذى تسبب فيها؟ حين تتساءل لماذا هذا التوقيت لتفجير المشهد السياسى ونحن على بعد أيام من انتخابات برلمانية يجب أن تكون عرسا ديمقراطيا نبدأ من خلاله أولى خطوات انتقال السلطة من المجلس العسكرى إلى سلطة مدنية منتخبة (هى السلطة التشريعية والرقابية)؟ أقول لك إن هذه الأسئلة المشروعة سبقتها عشرات الأسئلة فى أحداث سابقة ليس لها من جواب سوى أن هناك أجهزة ذات إمكانات معلوماتية ضخمة تستخدم كل الأدوات من صنعها هى (ومن خلال توريطنا نحن أحيانا) لصناعة الأزمات وتفجير المواقف، هى تبدأ فى إلقاء عود الثقاب وتترك الحرائق تشتعل بشكل طبيعى بينما تتوارى هى عن الأنظار، هى تستغل أحيانا عواطف دينية ساذجة (ليس من المهم أن تكون إسلامية أو مسيحية) وأحيانا عواطف قومية ووطنية ساذجة كذلك، وأحيانا عواطف قبلية وعائلية وجغرافية ساذجة كذلك، واحيانا ترتدى قميص عثمان فى طلب القصاص من قاتليه والانتقام لدمه الزكى، إنهم فريق عمل يتبادلون الأدوار فتجد فريقا منهم مع على وفى صفوفه وفى شيعته وفريق مع معاوية وفى صفوفه يستثيرون حماس طلحة والزبير بل ينجحون فى دفع أم المؤمنين عائشة إلى الميدان وفريق ثالث يخرجون على علىّ كيف يرتضى الاحتكام للرجال حتى يكفرونه ويقتلونه.

 

والقضية ليست على ولا معاوية لكنه فن صناعة الأزمات وإلهاب المواقف وإشعال الحرائق، أعود لسلسلة أزمات ما بعد الثورة المجيدة وقد صدمت تلك الأجهزة وأذهلها وحدة وقوة المشهد الثورى الذى اضطروا للخضوع له وإظهار الاستسلام له بادئ الأمر، حتى أعادوا ترتيب أوراقهم وتوزيع أدوارهم، فرأيناهم يشعلون الموقف فى قنا مستغلين عاطفة إسلامية ساذجة ضد تعيين محافظ مسيحى، وفى أطفيح حين دفعوا شبابا ساذجا لحرق كنيسة صول، وفى إمبابة حين حشدوا الآلاف دفاعا عن مسيحية أسلمت وقالوا اختطفتها الكنيسة (!)، وأمام ماسبيرو ضد حرق وإتلاف كنيسة أسوان مستغلين فى هذه المرة عواطف مسيحية وليست إسلامية، رأيناهم عقب مليونية 9 مارس يختلقون الأزمات دفاعا عن رجال الجيش الشرفاء الذين انضموا للثورة ضد المجلس العسكرى (!)، ورأيناهم عقب مليونية 9 سبتمبر يختلقون الأزمات مستغلين العواطف الوطنية والقومية ضد السفارة الصهيونية، رأيناهم فى أحداث مسرح البالون يلهبون العواطف النبيلة المتضامنة مع أسر الشهداء، رأيناهم فى كفرالشيخ أخيرا يشعلون الحرائق بين أهل القرى والمدن فى معارك مناطقية ورأيناهم فى رأس البر يخربون بيوتهم دفاعا عن البيئة النظيفة (!).

 

فى بعض هذه المواقف كانت العواطف النبيلة تحرك الجماهير وفى بعضها كانت العواطف الساذجة تورط الجماهير، وفى كل المرات كانت تتوزع الأدوار لمشعلى الحرائق وسط الجماهير وبين صفوف من يعتدى على الجماهير وفى صفوف قيادات أمنية أعطت الأوامر لإلهاب مشاعر الجماهير، فى كثير من هذه الأزمات وقفت الشرطة المدنية والعسكرية موقف المتفرج فى بداية المشهد ثم تدخلت على نحو وحشى مستفز لا أظنه غباء فى طريقة الأداء بقدر ما أراه نهجا مقصودا، بشكل واضح لا أستطيع أن أرى كل هذه الحرائق طبيعية ولا عشوائية، لكنى أتهم قوى وأجهزة وأموالا جبارة تخطط وترتب لهذه الحرائق على أمل أن تنجح فى تهيئة الأجواء لحالة من الفوضى الأمنية الواسعة توقف مسيرة الثورة وتجعل قطاعات عريضة من المجتمع تنقلب على الثورة والثوار بعد أن فشلنا فى تحقيق الأمن والاستقرار للناس، وهى الخطة التى اعتمدها حسنى مبارك وحبيب العادلى يوم 28 يناير حين أعطيا التعليمات لحرق أقسام الشرطة ومديريات الأمن وإطلاق المساجين من السجون ليقول لنا فى خطابه يوم الثلاثاء 1 فبراير (أنا أو الفوضى من بعدى).

 

لماذا قدم المجلس العسكرى وثيقة د. على السلمى فى هذا التوقيت بعد أن بدأت إجراءات الانتخابات البرلمانية وبعد أن توقف الجدل حول المبادئ فوق الدستورية قرابة شهرين؟ هل هى مساومة على الانتخابات؟ هل هو تفجير للمشهد قبل الانتخابات؟ هل هى مقايضة لتمرير وضعية خاصة للمجلس العسكرى مقابل تمرير الانتخابات؟

 

لماذا تمت مداهمة المعتصمين السلميين العزل فى الميدان على هذا النحو الوحشى فى هذا التوقيت؟ هل هو تغطية على رسالة المليونية الحاشدة التى أكدت أن الثورة لا تزال حية فى القلوب وأننا مازلنا قادرين على حشد الملايين دفاعا عن مطالب الثورة وان أحدا لن يستطيع ان يفرض وصايته على هذا الشعب، أم هو تفجير للانتخابات التى نحن على بعد أيام منها والتى بجب أن تكون أول خطوة فى انتقال السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة (السلطة التشريعية والرقابية) ليعقبها مباشرة كما أكدت المليونية إتمام تسليم السلطة من خلال الانتخابات الرئاسية فى أبريل القادم؟

 

عقب صلاة الجمعة فى الميدان يوم 18 نوفمبر جاءتنا مجموعة من مصابى الثورة يرتدون أوشحة بيضاء (مثل الأكفنة) كتبت عليها عبارات التنديد بالحكومة وبالداخلية وبالمجلس العسكرى وطلبوا أن يصعدوا سويا على المنصة ليلقوا بيانا باسم مصابى الثورة (نفس مشهد وطريقة ضباط الجيش الذين جاءوا يوم 9 مارس)، رحبت إدارة المنصة بهم وخرجوا على الجماهير فى مشهد بالغ التأثير تحدثوا عن معاناتهم (وهم على حق فيها) التى تفاعلت الجماهير معها بشكل واضح، لكنهم حين أعلنوا توصياتهم فوجئنا بهم يطالبون: بمقاطعة الانتخابات البرلمانية وحل الحكومة وإسقاط المجلس العسكرى وتشكيل مجلس رئاسى مدنى الآن ثم أعلنوا أنهم سيدخلون فى اعتصام مفتوح بالميدان حتى تتحقق مطالبهم، لم تتفاعل الجماهير الواعية مع هذه التوصيات رغم المشهد المؤثر لهذه المجموعة، انتهت المليونية المهيبة وانصرف معظم الحضور وبقى العشرات ومنهم هؤلاء المصابين وكان ما كان!

 

عصر يوم الأربعاء 2 فبراير (يوم موقعة الجمل) دخل علينا فجأة فى مكتب شركة سفير للسياحة بميدان التحرير لواء مخابرات عرفنا بنفسه وطلب مقابلتنا من أجل إقناعنا بضرورة إخلاء الميدان فى تلك الساعة تجنبا لإراقة الدماء الواسعة التى سوف تحدث إذا لم نغادر الميدان، قلت للرجل: ولم إراقة الدماء ونحن معتصمون سلميون لم نغادر الميدان والأمور داخل الميدان هادئة حيث الجميع فى وئام وحب ووفاق؟، فقال لأن أنصار حسنى مبارك سيدخلون الآن إلى الميدان، قلت للرجل: ولم يدخلوا للميدان، قال: من أجل التعبير عن موقفهم مثلكم، قلت للرجل: بفرض أن هناك أنصارا حقيقين لمبارك وليسوا مرتزقة مأجورين فأعدادهم ليست كبيرة ولم يضق بهم ميدان مصطفى محمود بعد، وإذا ضاق بهم ميدان مصطفى محمود فلتفتحوا لهم استاد القاهرة وعموما لديهم كل ميادين القاهرة فلم الدخول إلى ميدان التحرير إذا كنتم غير راغبين فى إراقة الدماء؟ قال الرجل: هم مصريون مثلكم ومن حقهم أن يأتوا إلى ميدان التحرير ولن نستطيع أن نمنعهم فالميدان ليس حكرا عليكم (!) وعليكم أن تحقنوا دماء الشعب وإلا تحملتم المسئولية، ضقت بالرجل ذرعا ولكنى أردت أن أجاريه فقلت له: هب أننا قررنا الخروج الآن من الميدان وأنت تعلم أنهم يحاصروننا الآن من كل مداخل الميدان فمن الذى يضمن لنا خروجا آمنا من الميدان وعودة آمنة لبيوتنا؟ فقال الرجل: نحن نضمن لكم هذا، فقمت واقفا وقلت للرجل: لقد انتهى اللقاء سيدى اللواء لأنكم إذا كنتم تستطيعون أن تؤمنوا خروجنا من الميدان فمن الأوجب عليكم أن تؤمنوا بقاءنا فى الميدان ونحن عزل نعبر تعبيرا سلميا عن مطالبنا، ظننت انى كنت عنيفا مع الرجل إذ أنهيت اللقاء من طرفى والرجل ضيف علينا فى مقر إقامتنا، إلا أن الرجل لم يغادر غرفتنا وبقى ساعات طوال فى ركن الغرفة دون ترحيب ولا رغبة منا، بقى طوال الساعات يراقب مواقفنا ويتابع تحركات الميدان واستعدادات الهجوم علينا بالتليفون الذى لم يتوقف لحظة حتى بدأ الهجوم الكاسح علينا، بحثت عن الرجل فلم أجده.

 

مازلت تسألنى عن أى الجهات والأجهزة وراء تلك الأحداث التى تتكرر علينا بنفس الطريقة والمنهاج؟، قلت فى مقال سابق لى تعقيبا على أحداث ماسبيرو بعنوان (ليست فتنة طائفية وإنما فوضى مصنوعة) أن أجهزة مخابراتية دولية وإقليمية يتعاون معها فلول نظام أمنى ومخابراتى ربما لا تكون بعيدة عن هذه الأحداث.

 

أخيرا: أدين وبقوة جريمة فض الاعتصام السلمى بالقوة (أيا كانت دوافع المعتصمين وإن اختلفت معهم)، وأؤكد ضرورة حفاظنا على مشروعية الاعتصام السلمى للتعبير عن المطالب المشروعة فهذا أعظم إنجازات الثورة المجيدة، أطالب بمحاسبة سياسية وقانونية لمن تسبب فى إشعال هذه الأحداث،وأطالب بالإفراج الفورى عمن تم اعتقالهم بغير جريمة فى هذه الأحداث، غير أنى اطالب المعتصمين (وأنا أقدر دوافع الغضب فى صدورهم) ألا يعطوا الفرصة لتشويه قضايانا العادلة وألا يتورطوا فى تصعيد يؤدى إلى حالة من الفوضى والضرر تبرر تعطيل استحقاقاتنا فى انتقال كامل للسلطة إلى سلطة مدنية منتخبة كاملة الصلاحيات (برلمانا وحكومة ورئيسا) لنستكمل مسيرة ثورتنا المجيدة.

التعليقات