25 يناير ـ 8 يوليو - خالد الخميسي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 9:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

25 يناير ـ 8 يوليو

نشر فى : الأحد 17 يوليه 2011 - 9:05 ص | آخر تحديث : الأحد 17 يوليه 2011 - 9:05 ص

 تتفجر الثورات اجتماعية. بعض هذه الثورات تتحول إلى ثورات سياسية عن طريق قدرة هذه الثورات على فرز نخب سياسية قادرة على التعبير عن القوى الثورية فى المجتمع، وقادرة على الفعل السياسى للإمساك بزمام الأمور. وظل السؤال الرئيسى بالنسبة لى: هل سوف نستطيع إفراز نخب سياسية قادرة على الفعل السياسى الثورى للقيام بتغييرات جذرية فى بنية النظام؟
25 يناير كانت ثورة اجتماعية تفجرت دون قيادة، وكان للثورة مطالب سياسية واجتماعية واقتصادية. وظلت هذه الثورة إجتماعية حيث فشلت حتى الآن فى إفراز نخب حقيقية لديها القدرة على الفعل السياسى.

فما شاهدناه خلال الفترة الماضية كان ظهور نخب توافقية معظمها من أساتذة لا يأملون غير تحقيق بعض أحلامهم البائسة الشخصية، ونخب لديها مصالح سياسية واقتصادية رخيصة، ونخب حقيقية لم تمسك بزمام المبادرة السياسية، كما لم تمتلك بعد القدرة على الفعل السياسى الثورى. هل 8 يوليو هى بداية لبذرة أولى لتحول ثورتنا الاجتماعية لثورة سياسية قادرة أخيرا على فعل سياسى ثورى بقيادة ثورية؟ محتمل. ولكن الأكيد أن الثورات مثلها مثل التاريخ لا تسير فى خطوط مستقيمة. فالثورة موجات متلاحقة، تخرج كل موجة من رحم زمن جديد. ويظل الوطن ينتظر الموجة النهائية القادرة على الفعل الثورى وهى موجة قد تأتى بعد سنة أو سنوات.

والقضية المحورية هى فى استمرار تدفق هذه الموجات. فما نراه اليوم مؤكدا يبدو باهتا فى اليوم التالى فى حالة بزوغ موجة جديدة. وما نتصور أنه نهائى نجده لا معنى له فى اليوم التالى.

وأستغرب كثيرا ظهور هذه النخب التوافقية علينا ليعلنوا أن ما قررته وزارة كذا أو مجلس كذا هى قرارات لا رجعة فيها. فكل قرار ضد الحركة الثورية فى هذه المرحلة هى قرارات يمكن دحضها فى حالة استمرار الموجات الثورية.

●●●

ظلت السياسة عبر التاريخ تعبيرا عن العلاقة بين فاعل ومفعول به، وباتت هذه السياسة اليوم هى علاقة بين نظراء. وظهرت إلى السطح القضية السياسية الأصيلة كمفجر للثورات ألا وهى قضية الحرية فى مقابل القمع والسلطوية والقهر والاستبداد.

وظل المستبد يعتمد فى سلطويته على الجماهير غير الفاعلة سياسيا وظل دائما يتحدث باسمهم. وظلت الثورات تتحدث بصوت الفاعلين سياسيا الذين اندمجوا فى جماعات مختلفة وأدركوا قدرتهم على الدخول فى علاقات متبادلة مع القوى الاجتماعية المختلفة.

وبالتالى المحك الرئيسى هو: هل سوف يستطيع المستبد أن يعلى صوته للدفاع عن مصالحه السياسية والاقتصادية والمالية والمتشابكة مع علاقات دولية قائمة وهو يتحدث باسم الجماهير الصامتة التى يطلق عليها الشعب؟ أم سوف تكبر القوى الثورية تدريجيا ككرة من نار تتدحرج عبر ميادين مصر المختلفة حتى تصبح كرة بحجم الوطن وتفرض الثورة تغييرا فى النظام السياسى والاقتصادى وتعيد تشكيل توزيع الثروة بما يضمن قدرا حقيقيا من العدالة الاجتماعية؟

شكل الحكم مرتبط بشكل توزيع الثروة، توزيع الثروة خلال حقبة مبارك متشابك بداهة مع مجموعة معقدة من المصالح بين مجموعات اقتصادية قائمة وفاعلين اقتصاديين من بينهم القوات المسلحة والإخوان المسلمون الذين ارتبطوا بمجموعة رجال أعمال كبار لديهم تشابكات مالية محلية وإقليمية. وأعود لأرسطو القائل: «مصلحة شخص أو مجموعة من الناس هى الحاكم الأعلى فى الأمور السياسية». وللدفاع عن هذه المصالح واستمرار نمط توزيع الثروة القائم كان لابد للحاكم الجديد أن يقدم تنازلات سياسية محسوبة وغير مؤثرة لإيقاف الحراك الثورى الذى يمكن أن يهدد هذه المصالح المالية والسياسية كما يمكن لهذا الحراك الثورى أن يؤثر سلبا على ارتباطات دولية يظنها الحاكم حيوية للأمن القومى، وبالتأكيد سوف يهدد نجاح التغيير الثورى التوزيع القائم للثروة.

ما الحل؟ أولا: كان لابد للحكام الجدد أن يضمنوا صمت أو ولاء هذه الكتلة الصماء التى شكلت فى صمتها عبر التاريخ وقود الرجعية والتى يطلق عليها المستبد مصطلح (الشعب)، ومن أجل هذا كان لابد لهم أن يتعاقدوا مع قوى الرجعية لتكون حلقة الوصل بينهم وبين هذه الجماهير. ثانيا: العمل على إحداث فرقة فى جدار الثورة بعمل تحالفات مع بعض القوى وبعض الأفراد الراغبين فى الحصول على أى مكاسب سياسية. ثالثا: استعمال الإعلام لمنح حجم لهذه الحشرات المتسلقة على سطح السلطة الأملس لتمرير رسائل تعضد مواقفهم، بالإضافة للسعى لاستغلال الاعلام (المملوك للطبقة المالكة للقدرات الاقتصادية وغير الراغبة فى إعادة تشكيل توزيع الثروة) لزرع حالة فوضى فكرية عامة بالتركيز على كل ما هو آنى واستبعاد كل ما هو استراتيجى وأساسى. رابعا: زرع حالة خوف من الفوضى ومن الجوع. خامسا: فرض أمر واقع سياسى مع غياب كامل للشفافية والتأكيد على إعادة العلاقة السياسية إلى فاعل ومفعول به بدلا عن علاقة بين نظراء.

●●●

وأمام هذا الواقع الملتبس تماما تتجدد المطالب الثورية من خلال الموجة الثانية للثورة المصرية: ــ تشكيل مجلس رئاسى مدنى منتخب يحكم البلاد لمدة عامين ــ تحديد اختصاصات المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورفع يده عن الحكم ــ تشكيل حكومة إنقاذ وطنى تعمل تحت المجلس الرئاسى المنتخب ــ محاكمة النظام السابق سياسيا وجنائيا بصورة علنية وعاجلة ــ إطلاق حرية تشكيل الأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية ــ جميع المناصب الرئيسية تكون بالانتخاب كالمحافظين ورؤساء الجامعات إلخ ــ إيقاف ومحاكمة ضباط الشرطة والقناصة المتورطين فى قتل الثوار ــ إلغاء المحاكمات العسكرية للمدنيين وإطلاق سراح الثوار ــ يحدد المجلس الرئاسى المنتخب ومجلس الوزراء الإجراءات الخاصة بتشكيل لجنة إعداد الدستور.

يقول العقلاء إن هذه المطالب مستحيلة التنفيذ، وإن على الحركة الثورية أن تكون متزنة فى مطالبها وأن علينا ألا نطالب بالمستحيل فالسياسة تتحدد لغتها بالممكن. ولكن هل تحركت الثورات عبر التاريخ بالممكن المعقول؟ الإجابة معروفة للجميع. ولكن نخبتنا الحكيمة تؤكد أن خطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة هى التى سوف تنجح فى النهاية. هل هذا صحيح؟
لا أظن. فأنا على ثقة أن الثورة سوف تنتصر فى النهاية بعد موجات ثورية متلاحقة قد تدوم لسنوات. والسبب بسيط معروف لى منذ 11 فبراير وتجلى بوضوح فى 8 يوليو. وهو أن ما اكتسبناه فى الموجة الأولى 25 يناير ــ 11 فبراير من قدرة على الفعل السياسى، من إدراكنا الحاسم ما لدينا من قدرة على التغيير، من كوننا أصبحنا مواطنين بعد أن كنا أفرادا، هو مكتسب نهائى لا رجعة فيه. لا يمكننا فقد ما اكتسبناه. هذا أمر مستحيل.

وهذا المكتسب سوف يكون صانعا لموجات ثورية الواحدة وراء الأخرى حتى تنتصر الثورة بإمساكها زمام الأمور وإبداع نظام سياسى واجتماعى جديد.

خالد الخميسي  كاتب مصري