من الخوف من الديمقراطية إلى التضحية بها - إبراهيم العيسوى - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 6:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من الخوف من الديمقراطية إلى التضحية بها

نشر فى : الخميس 17 أكتوبر 2013 - 10:20 ص | آخر تحديث : الخميس 17 أكتوبر 2013 - 10:20 ص

لقد ظهر الخوف من الديمقراطية لدى دعاة الانقلاب مبكراً عندما رفضوا الانتظار ريثما تعتمد المحكمة الدستورية مشروعى قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلس النواب، ويتم إجراء الانتخابات النيابية التى كانت وشيكة على أساسهما. فقد كان خوض هذه الانتخابات هو التصرف الديمقراطى الواجب من جانبهم، خاصةً فى ضوء اعتقادهم الجازم بأن «الشعب» قد فقد ثقته فى الإخوان وأنه عازم على إسقاطهم. فحينئذ كان المجلس الجديد سيتمكن من التحكم فى التشريع ويرفض أى مشروع قانون يريده مرسى ولا يرضون عنه، بل ويمكنه إحالته للمحاكمة إذا وجدوا أدلة جدية على ما ينسب إليه من تهم. ومن المدهش حقاً أنه بالرغم من الجماهيرية الكاسحة التى يزعم الانقلابيون أن الانقلاب قد حظى بها، فإنهم يخشون أن «الشعب» قد لا يصوت لصالحهم. وهم يزعمون أن الانتخابات كانت ستزور لصالح الإخوان، مع أن المنوط به الإشراف عليها هو القضاء المعروف بمعاداته لمرسى والإخوان، ومع أن الشرطة والجيش المنوط بهما تأمين الانتخابات لم يدينا بأى ولاء للرئيس الإخوانى وكانوا يعوقون حركته ويعصون أوامره.

•••

وبالرغم من سقوط حكم الإخوان بالقوة وما تلاه من تدابير أمنية وحملات إعلامية ضدهم، وبالرغم من محاولة إبعاد حزبهم وبقية أحزاب الإسلام السياسى عن الساحة السياسية بحظر قيام الأحزاب ذات المرجعية الدينية فى الدستور المعدل، إلا أن الخوف من الديمقراطية مازال مسيطراً على السلطة الجديدة وأنصارها. وهو ما يتجلى فى توقعهم عودة الإخوان وحلفائهم فى الانتخابات القادمة. وفى هذا السياق المهدد بمسار لا ديمقراطى يجب أن نفهم ما يجرى من تمهيد وترويج لفكرة الرئيس القوى ذى الخلفية العسكرية الذى لا بأس عند بعضهم فى توليه السلطة بدون انتخابات.

وحسبى أن أستشهد بما قاله ثلاثة من كتاب جريدة الأهرام المؤيدين للانقلاب لبيان خوف الانقلابيين من الديمقراطية والتوجس من نتائج الانتخابات القادمة والاستعداد للتضحية بالديمقراطية فى سبيل إقصاء فصيل الإسلام السياسى. أولهم الأستاذ عبد الغفار شكر الذى كتب فى 13 يوليو 2013 مبرراً تدخل القوات المسلحة فى الصراع السياسى ــ وهذا هو تعريف الانقلاب ــ بغياب أحزاب وقوى سياسية ذات جذور جماهيرية قادرة على منافسة الجماعة السياسية الأكبر والأقوى تنظيماً وتمويلاً، وهى جماعة الإخوان المسلمين. ففى هذه الظروف كان من الضرورى فى رأيه تدخل طرف يملك القوة الكافية لإزاحة الإخوان عن السلطة، وهى القوات المسلحة. ولو استمر غياب القوى والأحزاب السياسية الجماهيرية القادرة على منافسة الإخوان، وحدثت أزمة جديدة تنذر بوصول الإخوان للحكم فسوف يؤدى هذا فى رأى الكاتب إلى استدعاء القوات المسلحة مجدداً.

وبناء على هذا التحليل يظل نوال الديمقراطية معلقاً على شرط قد لا يتحقق إلا فى المستقبل البعيد، لاسيما أن الكثيرين من رؤساء وكوادر هذه الأحزاب السياسية المفتقدة إلى الجماهيرية فى رأى الكاتب صاروا منهمكين فيما أسندته سلطة الانقلاب إليهم من مهام فى الحكومة ومجالس ولجان شتى، ولا نلمس لهم أى جهد ملحوظ فى الشارع لاكتساب القوة الجماهيرية التى تؤهل أحزابهم لهزيمة الإخوان وحلفائهم فى الانتخابات ولو بعد حين. وفى مواجهة هذا الخوف من الديمقراطية يبقى أمل هذه الأحزاب والقوى السياسية معقوداً على تحجيم الديمقراطية بإقصاء الإخوان وباقى القوى الإسلامية بالإجراءات القمعية وبالحظر الدستورى لاستمرارها، مع الاحتماء بالقوائم الحزبية التى قد يشارك فيها عدد غير قليل من الفلول، وربما مع قيام السلطة الجديدة بالتزوير لصالحهم أيضاً. والضحية فى كل الأحوال هى الديمقراطية.

•••

أما الاستشهاد الثانى فهو من مقال رئيس تحرير الأهرام فى 20 سبتمبر. فقد أكد «أن عناصر الحزب الوطنى المنحل وأعضاء جماعة الإخوان المتوقع حلها هما حتى الآن فرسا الرهان على أى انتخابات برلمانية مقبلة». وهو يعلل ذلك بأن «القوى السياسية الموجودة على الساحة لم ترق حتى الآن إلى المستوى الذى يؤهلها إلى منافسة هؤلاء وأولئك». وينصح الكاتب هذه القوى السياسية بألا تعول على التزوير أو العزل والإقصاء لإخلاء الساحة وضمان فوزهم، لأن هذا سيكون عودة للوراء. وإذا كان الكاتب لم يناقش احتمال اعتراض السلطة الجديدة على هذه العودة للوراء، فإن ما جرى منذ الانقلاب يرجح عدم ممانعتها فى حدوثها ما دامت ستضمن لها أغلبية مريحة فى البرلمان تمكنها من تمرير ما تريده من تشريعات.

•••

ونأتى إلى الاستشهاد الثالث، وهو من حوار فى أهرام 20 سبتمبر مع الكاتب والباحث المعروف السيد ياسين. إنه لا يخشى عودة عناصر الحزب الوطنى ولكنه قلق من الإخوان برغم تأكيده فشل مشروعهم. ولذا فقد اعتبر أن الانتخابات القادمة «كارثة قادمة». وقد أرجع ذلك إلى «غياب قيم الديمقراطية» وإلى انتشار «الفقر والأمية». ويستنتج الكاتب أن الانتخابات ستكون مزورة «ليس بالتزوير الواضح وإنما بالتزييف الاجتماعى». ومؤدى هذا الكلام أن الشعب غير مؤهل للديمقراطية، وأنه يجب إرجاء مطلب الديمقراطية ريثما تنضج شروط ممارستها. وهنا يظهر الخوف من الديمقراطية تحت دعاوى عدم توافر شروطها، مع أن دروس التاريخ تفيد أن أكثر هذه الشروط يكتسب بالممارسة التى لن تخلو من أخطاء، وأن علاج مشكلات الديمقراطية هو المزيد منها، لا العكس كما يراد لنا الآن.

•••

والخلاصة هى أن الخوف من الديمقراطية يتملك الانقلابيين، وأن من يخافون من الديمقراطية لن يبنوها، بل أنهم على أتم استعداد للتضحية بها فى سبيل التمكن من مقاليد السلطة. والحقيقة أن ثورة يناير قد تعرضت لانتكاسة كبرى وأن التحول الديمقراطى قد تعرض للانقطاع. ولكن إن عاجلاً أو آجلاً سيدرك «الشعب» حقيقة المأساة التى شارك فى صنعها بتعميق الاستقطاب ونسف أسس العيش المشترك بين المصريين، وسوف يسترد روح ثورة يناير مع التسلح بمشروع مجتمعى لتحقيق أهدافها التى يتجاهلها الصراع الحالى على السلطة.

إبراهيم العيسوى  استاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومى
التعليقات