ما بعد «الطوفان»! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 7:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما بعد «الطوفان»!

نشر فى : الجمعة 17 نوفمبر 2023 - 7:35 م | آخر تحديث : الجمعة 17 نوفمبر 2023 - 7:35 م
كثر الحديث فى الآونة الأخيرة عن السيناريوهات المتعددة لمستقبل قطاع غزة، بعد أن تضع الحرب الصهيونية أوزارها، لكن لم يقترب أحد من محاولة استشراف ملامح اليوم التالى لدولة الاحتلال، التى يبدو أنها لن تكون كما كانت قبل أن يمرغ «طوفان السابع من أكتوبر» أنفها فى التراب.
تجاهل الاشتباك مع هذه القضية، يرجع فى الأساس إلى اعتقاد البعض أن إسرائيل باعتبارها «أهم وأكبر قاعدة عسكرية» للغرب فى الشرق الأوسط، والحليف الأبرز الذى يحافظ على نفوذه ومصالحه فى الإقليم، لديها القدرة على تحديد مصير وحدود دول المنطقة ومستقبلها وأنظمة الحكم فيها، بل وحماية عروش من ترضى عنه أو تراه مفيدا لسياساتها وتوجهاتها، أو راضيا وداعما لاحتلالها الأرض العربية فى فلسطين، وبالتالى من يتمتع بهذا الامتياز الحصرى، وتلك القوة المتفردة المدعومة بخزائن المال ومخازن السلاح الأمريكية والغربية، لا يمكن أبدا أن يكون مستقبله عرضة للشك، ومصيره خاضع للنقاش على طاولة البحث أو فى أروقة السياسة.
تصور خاطئ بالطبع وصورة ذهنية غير صحيحة ترسخت للأسف على مدى عقود كثيرة مضت، وساهمت فى بقاء الاحتلال وتوحشه طوال هذه السنين، لكن عندما جاء صباح السابع من أكتوبر الماضى، اكتشف الجميع اهتزاز أركان هذا الكيان بعنف على يد مجموعة من المقاومين المسلحين بأسلحة خفيفة، ورغم محاولته استعادة صورة الردع بارتكاب المجازر ضد الأطفال والنساء وحرق الأخضر واليابس فى غزة، إلا أن ذلك لم ولن يحول دون استشراف مستقبل وملامح اليوم التالى لدولة الاحتلال بعد أن تكتفى من الدم الفلسطينى.
لعل أبرز ملمح لإسرائيل فى اليوم التالى بعد انتهاء الحرب، هو سقوط وهم «الأمن المطلق» الذى روجت له من أجل جذب يهود العالم للاستيطان فى فلسطين، وبارت هذه البضاعة فى أعقاب الهجوم المباغت للمقاومة الفلسطينية، وشهد الجميع على الشاشات كيف امتلأت المطارات الإسرائيلية بآلاف الفارين غداة هجوم السابع من أكتوبر!!.
قادة الاحتلال من سياسيين وعسكريين، لن يكونوا فى مأمن بعد توقف الحرب، وستلاحقهم الجرائم والمجازر التى ارتكبوها بحق الفلسطينيين، وهو ما أكدت عليه قمة الرياض مؤخرا، حيث طلبت من المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية «بدء تحقيق فورى فى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التى ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى»، فيما حشد المحامى الفرنسى المخضرم، جيل ديفرز، أكثر من 500 محامٍ من كل أنحاء العالم، لـ«تقديم التماس إلى المحكمة الجنائية الدولية يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم ترتقى إلى الإبادة الجماعية».
إسرائيل فى اليوم التالى للحرب ستواجه لحظة الحقيقة، عندما يقرر العالم وضع حد للعذابات الفلسطينية المستمرة منذ عقود، والتفاعل مع حقوقهم المشروعة فى زوال الاحتلال والحصول على دولة مستقلة، وقد بدأ هذا التوجه فى التبلور من إسبانيا، التى قال القائم بأعمال رئيس الوزراء الإسبانى، بيدرو سانشيز، إنه سيعمل مع شركائه فى الاتحاد الأوروبى للاعتراف بـ«الدولة الفلسطينية»، كذلك تبنى برلمان النرويج مقترحا يطلب من الحكومة الاستعداد للاعتراف بدولة فلسطينية «مستقلة».
فى اليوم التالى بعد انتهاء الحرب، لن تدور عجلة التطبيع كما كانت قبل «الطوفان»، لأن الدول العربية والإسلامية التى أرادت الانخراط فى هذا المسار، ستجد حرجا بالغا أمام شعوبها بعد المجازر المروعة ضد الأبرياء فى غزة، بل إن الدول التى كانت سباقة فى إقامة علاقات طبيعية مع تل أبيب، أصبحت تدرك جيدا تبعات هذا التوجه، ويكفى مثلا تصريح وزير خارجية الأردن أيمن الصفدى، والذى قال إن «معاهدات السلام ستصبح وثائق يجمعها الغبار»!!.
أما مصر التى كانت أول من طبع مع إسرائيل، فلم تسلم أيضا من جنون تل أبيب، حيث طالبت مجلة «إسرائيل ديفينس» الصادرة عن الجيش الإسرائيلى، «الدولة العبرية بتهديد مصر إذا لزم الأمر»، فيما ذكر تقرير بثته القناة السابعة بالتلفزيون الإسرائيلى، وهى قناة محسوبة على التيار الدينى اليمينى المتطرف أن «مصر ليست صديقة حقيقية لإسرائيل، وقد تصبح فى أى وقت عدوا لدودا».
ربما تستغرقنا تفاصيل مشهد الدمار والقتل المجانى فى غزة عن رؤية الجانب الآخر من الصورة، وهو أن اليوم التالى للحرب سيكون قاسيا على إسرائيل، ولن تمر جرائمها ومجازرها ضد الفلسطينيين مرور الكرام، ولن تستطيع ــ مهما توحشت فى الانتقام ــ من تغيير حقيقة أن «الدم الفلسطينى انتصر بالفعل على سيوف الاحتلال».
التعليقات