«القائمة الموحّدة» فى فلسطين48: مشهدٌ مختلف عمّا يحيط بنا - خالد فراج - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 9:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«القائمة الموحّدة» فى فلسطين48: مشهدٌ مختلف عمّا يحيط بنا

نشر فى : الأربعاء 18 فبراير 2015 - 11:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 18 فبراير 2015 - 11:30 ص

ممّا لا شك فيه أن خطوة ائتلاف الأحزاب العربية داخل إسرائيل، المدعوم من قوى المجتمع المدنى، لخوض انتخابات الكنيست العشرين المزمع إجراؤها فى السابع عشر من مارس المقبل، هى خطوةٌ تبدو تغريدا خارج السرب فى زمنٍ طغت فيه الانقسامات فى المحيطين الفلسطينى والعربى.

كأن الانقسامات السياسية والعرقية والمذهبية فى بلادنا باتت هى القاعدة، والتوحّد والعمل المشترك بات الشذوذ والاستثناء. ولا يدور الحديث هنا عن الانقسام الفلسطينى ــ الفلسطينى ("فتح" و"حماس"، الضفّة الغربية وقطاع غزّة) الذى بات على ما يبدو أمرا واقعا، بل يدور أيضا عن لبنان المنقسم مذهبيا وسياسيا، وعن مصر المنقسمة سياسيا على حدّ السيف، وعن اليمن المنقسم مذهبيا وسياسيا، وعن ليبيا المنقسمة قبليا بعدما انهارت الدولة فيها، وعن سوريا الموصومة بكل أشكال الانقسامات التى لا تخطر على البال. أما العراق فحدّث ولا حرج، مزّقته الانقسامات وحوّلت الدولة فيه إلى الجسم الأضعف، فيما تعتبر الطوائف والقبائل هى الأقوى. هى التى تسيطر على جميع نواحى حياة هذا البلد الغنيّ، الذى تحوّل إلى الأفقر فى العالم بفعل طغيان كل شىء إلا الدولة والمصلحة العليا. وعن، وعن، وعن.. عن الأماكن حيث الانقسامات فى الأجسام السياسية والاجتماعية والثقافية فى محيطنا العربى لا تعدّ ولا تحصى.

•••

نعم، بدت صيغة المشهد الوحدوى الذى تجلى بالإعلان عنه من قبل القوى والفعاليات السياسية فى الجليل والمثلث والنقب، غربية وغير متوقعة وصادمة إلى حدّ ما. لم يراهن الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين على المبادرات والحوارات التى جرت قبيل الإعلان عن التوصل إلى اتفاق "القائمة المشتركة"، معتبرين أن أجواء الخصومات السياسية التى تسود التركيبة السياسية للفلسطينيين فى إسرائيل منذ النكبة لا تساعد الجيلين الثانى والثالث من القيادة على البحث الجدّى فى الوحدة والعمل المشترك. لكن الأحداث جاءت معاكسة لذلك، وذكّرتنا بحقيقة بسيطة هى أن الوحدة والعمل المشترك ليسا بالضرورة على تلك الدرجة من الاستحالة، خاصة أنه لا يُعنى بالتنسيق الانصهار التام كما يُشاع ويُعتقد. إذ يمكن لمجموعةٍ من الأحزاب البحث فى برنامجٍ سياسيّ واقتصاديّ واجتماعيّ وثقافيّ يمثل الحدّ الأدنى بينها، فهذا يحدث فى كل العالم وفى أكثر الأنظمة ديمقراطية، وفى أقلّها أيضا. وكيف لا فى حالة فلسطينيى الداخل، وهم سكّان البلد الأصليين الذين يعانون من جميع أشكال التمييز، تمارس عليهم كأقلية، من قبل نظامٍ عنصريّ تمييزيّ إقصائيّ. كيف لا، وهذه الأقلية هى جزء لا يتجزأ من الشعب العربى الفلسطينى الذى وقع ضحية المشروع الصهيونى منذ أكثر من سبعة وستين عاما، وهى أيضا الامتداد الثقافى والسياسى والاجتماعى للوطن.

لست معنيا هنا بمراجعة الأسباب المباشرة التى دفعت عجلة الحوار بقوة بين المختلفين فى ما بينهم على أهميتها، كنسبة الحسم المرتفعة (3.25) فى هذا السياق. نسبةٌ من شأنها تغييب أحزابٍ كانت فاعلة قوية، لكن حجمها منفردا لن يمكّنها من اجتياز نسبة الحسم الجديدة ما قد يغيبها عن المشهد البرلمانى. كذلك، الضغوط التى تعرّضوا لها من قوى المجتمع المدنى أو قوى سياسية ترى فى توحّدهم مصلحة سياسية كبيرة تحدّ من توغل اليمين فى البرلمان الإسرائيلى، وتجعل منهم قوة معطّلة وكابحة لجموح الأحزاب اليمينية. فأحزاب اليمين المتطرّف تصارع الزمن وتعمل بشراسة لزيادة تمثيلها البرلمانى، عبر إقامة الائتلافات والتحالفات التى تدعو فى جوهر برامجها إلى طرد العرب وتعزيز الاستيطان واستخدام القبضة الحديدية بحق الفلسطينيين. أحزابٌ أخرى تدعو إلى تبادل السكّان بين غرباء المستوطنين من جهة وسكان البلد الأصليين من جهة أخرى، وقاعدة جمهور هذه الأحزاب هم من غلاة المستوطنين فى الضفّة الغربية.

كما أننى لا أقلل من شأن أو دور القوى والحركات التى لا ترى للمشاركة فى الانتخابات أية أهمية سياسية أو برلمانية، وهى قوى ذات وزن شعبى، إسلامية كانت أم يسارية، وتتبنى موقفا رافضا للمشاركة فى الانتخابات والانخراط فى الحياة البرلمانية والسياسية الإسرائيلية.

•••

على أيّة حال، لا بد لنا من أن نتذكر أن الدولة العبرية، منذ تأسيسها وبأدواتها المختلفة، مارست كل ما هو ممكن لتفتيت الأقلية الفلسطينية فيها، مرة بالتمييز السكّانى ما بين مسيحى ومسلم ودرزى وبدوى مقيم ومواطن، ومرة ثانية بتحديد مناطق فقيرة ومناطق غنية ومناطق تطوير، ومرة ثالثة عبر تخصيص مجموعة بامتيازت أكثر من نظيرتها بحكم قربها من الدولة، فى مقابل حرمان مجموعة من الامتيازات لأنها لا تخدم الدولة بقدر ما تخدمها غيرها من الأقليات داخل الأقلية الواحدة.

إن ما تمارسه الدولة العبرية هو امتداد للمنظومة الاستعمارية ذاتها، تلك التى مورست بعد الحرب العالمية الثانية فى كل من لبنان وسوريا ومصر وفلسطين. وليس غريبا أنها مورست فى العراق فى مطلع الألفية الثالثة، عندما احتلته القوات الأمريكية وصمّم خبراؤها الخرائط التى تحقّق هدف تقسيمه. وما هذه الخرائط إلا تقسيمات مذهبية. فهذه دولةٌ للشيعة، وتلك للسنّة، وتلك للأكراد. أكاد أجزم بأن احتلال العراق فى العام 2003 شكّل بداية بثّ روح التقسيم المذهبيّ والسياسيّ، وانطلاقة حروبٍ مذهبية فى البلدان العربية التى حوّلت أو تكاد تحوّل حلم التخلّص من الأنظمة الاستبدادية إلى كابوسٍ من الفوضى والدمار واليأس. كابوسٌ بات ينتج قوى أشد ظلامية وأكثر تخلفا مما سبقها.

إن إعلان الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى فى اسرائيل عن قائمةٍ عربيةٍ موحّدة لخوض الانتخابات ما هو إلا ردّ على سياسة التفتيت والتقسيم والتجزئة التى انتهجتها الدولة العبرية منذ تأسيسها، والتى تشكّل امتدادا لمنظومةٍ استعمارية. فالكتلة العربية الأكبر التى حملت الرمز "و م ض"، وهذا اختصار لاحرف الكتل الثلاث الاكبر (الجبهة والاسلامية والتجمع) يقودها شابٌ عمره 40 عاما، وتضمّ مسلمين ومسيحيين ودروزا ويهودا، وفيها سيدتان. كذلك، فيها أكاديميون وقادة سياسيون ونشطاء فى المجتمع المدنى، وفيها تمثيلٌ للمناطق الجغرافية جميع من الشمال إلى الجنوب، على الرغم من احتجاج بعض الكتل وقرارها خوض الانتخابات منفردة. إن الدلالات التمثيلية التى تضمنتها تشكيلة القائمة كبيرة جدا: فكون رئيس القائمة من فئة الشباب إنما هو تمثيلٌ للفئة الأكبر عددا من أصحاب حق الاقتراع البالغ عددهم نحو 800,000 بحسب معطيات الجهاز المركزى للاحصاء فى اسرائيل، 2013.

أما المشهد المثير حقا فيجسده اتفاق أحزاب القائمة على الخروج أمام الناس برئيسٍ من كتلة "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة"، وهو الشيوعيّ الميول والمنتخب حديثا داخل حزبه.. مع العلم أن القائمة تضمّ مندوبى "الحركة الإسلامية" و"التجمع الوطنى الديمقراطي"، وممثلين عن مختلف الفئات العمرية والتخصصات ومجالات الحياة المهنية. حقا، هو مشهدٌ مثيرٌ بدا غريبا فى زمن الانقسامات.

•••

علمتُ من أصدقاءٍ أنّ المفاوضات التى سبقت الإعلان عن "القائمة الموحّدة" لم تكن باليسيرة. وأعلن فى أكثر من مرة عن فشلها وتمسّك الأطراف كلّ بموقفه وحصّته. مع ذلك، أنجز الفلسطينيون فى إسرائيل قائمتهم الموحدة على الرغم من الظروف، ومن جميع أشكال الانقسام المحيطة بهم، وبغضّ النظر عن عدد المقاعد التى سوف يحصدونها فى الانتخابات. إذ يبقى الأمل بأن ما أنجز سيشكّل حتما نقطة ضوءٍ وبصيص أملٍ فى مواقع الانقسام الأخرى، سواء داخل فلسطين أو خارجها.

خالد فراج كاتب فلسطينى
التعليقات