الأسئلة التى توقظها نتائج انتخابات «جامعة بيرزيت» - خالد فراج - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 6:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأسئلة التى توقظها نتائج انتخابات «جامعة بيرزيت»

نشر فى : الجمعة 15 مايو 2015 - 8:25 ص | آخر تحديث : الجمعة 15 مايو 2015 - 8:25 ص

جاءت نتائج انتخابات مجلس الطلبة فى جامعة بيرزيت لهذا العام الدراسى (2015/2016) مثيرة ومفاجئة بكل المقاييس. إذ لم تستطع جميع القوى السياسية المنضوية تحت لواء «منظمة التحرير الفلسطينية»، سواء متفرقة كانت أو مجتمعة، التفوقَ على «كتلة الوفاء الإسلامية» التابعة لـ«حركة حماس». ولا تقتصر المفاجأة على ذلك فحسب، وإنما تشمل عجز قوى «المنظمة» عن تقليص الفجوة، وكان ذلك أضعف الإيمان. فنتائج الانتخابات تتيح لـ«الكتلة الإسلامية» تشكيل المجلس الطلابى، من دون الحاجة إلى أىّ من الكتل الأُخرى التى كان يمكن لها أن تؤدى دور بيضة القبّان. فى المقابل، فإن كتلة «تحالُف بيرزيت الطلابى»، التى ضمّت كلّا من «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» و«الاتحاد الديمقراطى الفلسطينى» و«حزب الشعب»، حصلت على مقعد واحد.

إذا أضيفت إليها الكتل الطلابية التابعة لكل من «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» و«حركة فتح»، فإن جميعها لا تستطيع تشكيل المجلس، لا متفرقة ولا مجتمعة.

تاريخيا: على إيقاع البلد السياسى
لقد شكّلت انتخابات مجلس الطلبة فى «جامعة بيرزيت» على مدى عشرات الأعوام، وتحديدا قبل توقيع اتفاق أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية، مؤشرا حيويا يدلّ على الاتجاهات السياسية والفكرية للشعب الفلسطينى، خصوصا فى الداخل الفلسطينى.

كان ذلك فى الوقت الذى مارست فيه دولة الاحتلال مختلف الإجراءات لتحول دون إجراء هذه الانتخابات، سواء عبر اعتقال ممثلى الكتل الطلابية والمرشحين للانتخابات، أو عبر وضع الحواجز على الطرق المؤدية إلى الجامعة، أو حتى بإغلاق الجامعة قبيل الانتخابات. بالفعل، لقد كانت هذه الجامعة الفلسطينية العريقة تعبّر عن نبض الشارع الفلسطينى ومزاجه السياسى، وكانت قيادة القوى السياسية الفلسطينية تراقب باهتمامٍ بالغ العملية الانتخابية فى الجامعة، وتأخذ نتائجها دائما بعين الاعتبار. ثم إنها كانت تخصّص ميزانيات كبيرة للدعاية الانتخابية للكتل الطلابية التابعة لها، عدا الدعم السياسى الكبير لهذه الكتل لما لهذه الجامعة من أهمية وثقل.

كانت المنافسة تحتدّ على إيقاع الوضع السياسىّ الذى يسود البلاد. فعلى سبيل المثال، خاض كلّ من «حركة فتح» و«حزب الشعب» انتخابات مجلس الطلبة فى العام 1993 بكتلةٍ واحدة حملت اسم «القدس والدولة»، فى دعمٍ واضح للاتفاقية الانتقالية أوسلو. فى المقابل، فإن «حركة حماس» والجبهتين «الشعبية» و«الديمقراطية» خاضتا تلك الانتخابات ضمن كتلةٍ حملت اسم «القدس أولا»، فى إشارة إلى تفريط القيادة الفلسطينية بالقدس كعاصمةٍ للدولة الفلسطينية. وفازت آنذاك كتلة «القدس أولا» بفوارق بسيطة جدا عن كتلة «القدس والدولة»»، فكتب المحللون والمراقبون أن هذه الانتخابات بمثابة استفتاء فلسطينىّ عام على اتفاقية أوسلو، وأن النتائج أظهرت «رفض الشعب الفلسطينى لهذا الاتفاق»، وتمسّكه بخيار المقاومة كخيار بديل عن المفاوضات والاتفاقيات التى لا تنصف الفلسطينيين. ومن أبرز ما أوضحته الانتخابات حينها كانت سعة صدر الكتل الطلابية المتنافسة، بالإضافة إلى الغطاء والدعم اللذين وفّرتهما الجامعة لحماية العملية الديمقراطية. لا ينفى ذلك أن المزيدات السياسية بلغت إلى حدّ التجريح والإساءة، ولكن، مع ذلك، مرّت التجربة على نحو مثير.

مع تأسيس السلطة الفلسطينية وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأولى فى سنة 1996، تراجعت إلى حدّ كبير الأهمية الممنوحة لانتخابات مجالس الطلبة فى الجامعات الفلسطينية، وباتت تعتبر مسألة محلية حدودها الجامعات. وبعد العام 2007، أىّ بعد الانقسام الفلسطينى – الفلسطينى، عاد الاهتمام بانتخابات الجامعات الفلسطينية إلى الصدارة، خاصة أن المؤسسة الرسمية قد تعطّلت وانكفأت إلى برلمانين وحكومتين وإالخ.

أسئلةٌ للشعب.. وأسئلةٌ لأحزابه
تثير نتائج الانتخابات الأخيرة فى «جامعة بيرزيت» الكثير من التساؤلات السياسية والاجتماعية والثقافية الفلسطينية. وليس من النباهة حصْر هذه التساؤلات داخل حرم «بيرزيت» فقط، بل من الملائم طرحها كأسئلةٍ تنتظر إجابات من القوى السياسية الفلسطينية وقوى المجتمع المدنى، بمختلف هيئاته ومؤسساته، داخل الوطن وخارجه. لا يُقارب هذا الحدث كمرور الكرام، ولا تبعاته ستنتهى بمجرد أن يندب الخاسرون حظهم أو يحتفل المنتصرون بنصرهم.

السؤال الأبرز الذى علّقته، وهو موجّه إلى الكلّ الفلسطينىّ: أىّ مجتمعٍ نريد؟ وأىّ نظامٍ سياسىّ نريد؟ وما هى أدواتنا للخلاص من الاحتلال؟ (وهنا لا بد من التذكير بأن مختلف القوى التى تنافست فى «انتخابات بيرزيت» أجمعت على المقاومة كوسيلة فضلى للخلاص من الاحتلال، حتى ولو كان ذلك لأغراض الدعاية الانتخابية)، وأى نظامٍ ثقافى نتمنى، آخذين بعين الاعتبار التحولات والتغيرات التى تدور حولنا؟ هذه أسئلة عامة إلى الكلّ الفلسطينىّ. أمّا الأسئلة الأكثر تحديدا التى يجب أن تتوفّر لها إجابات فهى برسم «فتح»، و«حماس»، والتيار الإسلامى بشكل عام، واليسار الفلسطينى.

السؤال الأول موجه إلى «حركة فتح»، ويتناول مشروعها التحرّرى الوطنىّ والديمقراطىّ. هل مازالت تشكّل العمود الفقرى للحركة الوطنية الفلسطينية برمّتها؟ وإذا كانت الإجابة أنها بعُدت عن كونها كذلك، فما هو السبيل إلى إعادتها إلى هذا الموقع، مع إدراكها وإدراك قادتها أن مسار التسوية كما خُطّط له قد فشل. ومن الواجب إعادة النظر فى هذا المسار، خصوصا بعد تصريحات قادة إسرائيل، وتحديدا اليمين الإسرائيلى، قبيل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة فى 17 مارس 2015. فقد أعادت إنتاج الخريطة السياسية الإسرائيلية التى تستند بمختلف برامجها على تأبيد الاحتلال وتشريعه، ليس ذلك فحسب، بل يمكن القول بأن الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة شرّعت بصورةٍ قانونية وأشد وضوحا تمثيل المستوطنين، ليس فى البرلمان فحسب وإنما فى الحكومة أيضا عن طريق وزارات سيادية، وكذلك فى الجيش من خلال المناصب القيادية الرفيعة. تأتى أسئلة «حركة فتح» هذه فى خضمّ التحضير لمؤتمرها العام.

السؤال الثانى موجه إلى «حركة حماس» والتيارات الإسلامية المستفيدة من هامش الحرية فى الضفة الغربية. هل أنتم على استعداد للالتزام المبدئى بحماية المشروع الديمقراطى والوطنى الفلسطينى، وعدم استخدام الأدوات الديمقراطية كوسيلة وليست كغاية بحدّ ذاتها؟ وإذا كان الجواب نعم، فكيف يتفق ذلك مع إعاقة انتخابات الجامعات والمؤسسات والنقابات فى قطاع غزة ومنعها وتقييدها؟ وكيف يتفق ذلك مع حالة حقوق الإنسان والحريات فى القطاع؟ بطبيعة الحال، فإن إدارة القطاع تمت ضمن حالة الأمر الواقع الذى فرضه الانقسام. وهى حال لا بد أن تنتهى، ويُصار إلى توجيه الأسئلة إلى الكلّ الفلسطينى كجزءٍ من نظامٍ سياسىّ واحد.

السؤال الثالث موجّه إلى اليسار الفلسطينىّ: ألم يئن الأوان بعد للتوحّد تحت عنوان الشراكة والمصلحة الواحدة؟ ألم تستفيدوا من تجربة وحدة «القائمة المشتركة» فى الداخل الفلسطينى، التى هندستها الأحزاب اليسارية، «الجبهة» و«التجمّع»؟ ربما من المفيد أن تتذكروا أن الهدف الأكبر الذى وضعه الراحل أبوعلى مصطفى نُصب عينيه عندما عاد إلى البلاد سنة 1999، كان وحدة اليسار الفلسطينى. وبالوحدة هنا، يُعنى اليسار تحديدا، لبناء خريطة سياسية أكثر تفاعلا فى الداخل الفلسطينى، وعدم اقتصارها على القطبين «الحمساوى» و«الفتحاوى». ثم إن الخطوة الوحدوية فى اليسار، التى أتمناها ويتمناها كثيرون، لا بد أن تأتى فى إطارٍ أوسع يعنى وحدة الكلّ الفلسطينىّ، وضمن برنامجٍ مشترك للخلاص من الاحتلال.

أما سؤالى الأخير فموجّه إلى قوى المجتمع المدنى ومؤسساته: أين أنتم من المساهمة فى خلق حوارٍ فلسطينىّ – فلسطينىّ، ليس حول الانقسام فحسب، بل حوار قادر أن يتعامل مع الأسئلة الكبرى المتعلقة بالكلّ الفلسطينىّ، بشتاته وداخله وداخل داخله.

ألم يحنّ الوقت لورشة عملٍ كبرى هدفها حماية المشروع الديمقراطى والحريّات وحقوق الإنسان، كمقدّمة للبحث فى أجندة وطنية شاملة ومتفق عليها؟

قدر المستطاع
لا هذا المقال ولا غيره يقوى على الإجابة عن هذه الأسئلة، ولا أدّعى أننى أملك لها الإجابة، ولكن يحقّ لى التساؤل، والمسّ بالأصنام السياسية والاجتماعية.

قبل سنة 1993، كانت انتخابات مجلس الطلبة فى مختلف الجامعات الفلسطينية، وفى «جامعة بيرزيت» بشكل خاص، مؤشرا جوهريا يدلّ على حالة الشارع الفلسطينى فى الداخل. وكانت القوى السياسية تركّز جهودها بصورةٍ لافتة للحصول على قطعة من هذه «الكعكة» التى كانت تظهر أحجام القوى، فى ظل غياب انتخاباتٍ عامة. وكان لهذه الانتخابات صداها الكبير فى الخارج كما فى الداخل. أمّا اليوم، وخشية من أن تتحمل «بيرزيت» ما لا تستطيع احتماله، فلا بد من الإشارة إلى أن المنافسة السياسية الحقيقية يجب أن تكون فى انتخابات المؤسسات التشريعية الفلسطينية، وعلى رأسها الانتخابات الرئاسية وانتخابات المجلس الوطنى والمجلس التشريعى. ولن يكون ذلك إلاّ بإنهاء حالة الانقسام المَرَضيّة. بعدها، يجرى دفع عجلة الحياة الديمقراطية الفلسطينية قدما إلى الأمام، وقدر المستطاع تحت الاحتلال.

ينشر بالتزامن مع جريدة السفير

خالد فراج كاتب فلسطينى
التعليقات