للسراويل أجنحة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 5:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

للسراويل أجنحة

نشر فى : السبت 18 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 18 مايو 2013 - 8:00 ص

عقب عرض مجموعة من الأفلام القصيرة، جلسنا كالعادة فى الكافيتريا الملحقة بدار العرض، دارت الأحاديث عن مشروعات المستقبل. باغتنا شاب أيرلندى الأصل بأنه على وشك الانتهاء من عمل فيلم عن موضوع غريب، لم أسمع عنه من قبل. «سروال الملكة فيكتوريا». ظننت فى البداية أن الشاب المهزار، بفمه الضاحك، يلقى بدعابة.. لكن حين أخذ يشرح فكرته أدركت أنه جاد تماما، يتمتع بعين لاقطة، تنتبه للمفارقات الكامنة وراء ما قد يبدو عابرا ومألوفا.. قال الشاب النابه إن فيلمه سينطلق من المزاد الذى أقيم فى مدينة «دربى» بإنجلترا، وحضره من يطلق عليهم علية القوم، أثرياء الدنيا، مجانين اقتناء ما يتعلق بممتلكات السادة القدامى، حتى وإن لم يكن لها قيمة أو فائدة.. فتح الشاب حقيبته، وأخرج مظروفا أبيض، سحب من داخله عدة صور فوتوغرافية للسروال ــ بطل الفيلم ــ وأخذ يسرد معلومات عنه: محيطه «132» سنتيمترا، عرضه «76» سنتيمترا، وترجع ضخامته، واتساعه إلى بدانة الملكة فى سنوات حكمها الأخير، وهو منسوج باليد، من القطن النعام، الوارد من مصر على الأغلب.. يشبه سراويل أهالينا الصعايدة، ولكن يصل للركبتين فقط.. وبرغم دمامته اشتراه أمريكى بمبلغ سبعة آلاف وخمسمائة جنيه استرلينى، متجاوزا ضعف الثمن المتوقع له.. ما أريد إبرازه فى الفيلم ــ والكلام للشاب ــ نقطتين. واحدة تتعلق بالملكة فيكتوريا «1837 ــ 1901»، ملكة بريطانيا العظمى وأيرلندا وإمبراطورة الهند، والتى أطلق على سنواتها «العصر الفيكتورى»، ووصلت فيها الإمبراطورية الاستعمارية إلى أقصى حدودها.. أما النقطة الثانية التى سيثيرها الفيلم فتبرز شغف العم سام بالاستحواذ على ميراث الإمبراطورية، بعد غياب شمسها، بما فى ذلك سروال الملكة الذى طار فى الزمان، أكثر من قرن، كما طار، فى المكان، من قارة لقارة.

 

حديث السينمائى الايرلندى فتح آفاق الأحاديث عن السراويل، فى الأدب، والتاريخ.. أشار أحدهم إلى رواية «سروال القس» للكاتب الساخر ثورن سميث، التى تدور حول الحظ العاثر الذى ألقى بمجموعة بشرية إلى جزيرة عراة، وبينما توافق الجميع مع تقاليد سكان الجزيرة، ظل القس محتفظا، بكل قواه، بسرواله، كما لو أنه خط دفاعه الوحيد.. لفت أحد الجالسين النظر إلى ما فعله «سعيد أبوالنحس» بطل «المتشائل» لإميل حبيبى، حين وقعت الضفة الغربية فى قبضة القوات الإسرائيلية التى أمرت برفع الأعلام البيضاء فوق أسطح المنازل، ولأنه لا يريد إعلان استسلامه، وفى ذات الوقت، يخشى بطش العدو، نشر سرواله الأبيض، فوق حبل غسيل، إرضاء لضميره، وتجنبا، بقدر المستطاع، للأذى.

 

من تاريخنا، جاءت عشرات السراويل، خاصة فى أعقاب انسحاب الحملة الفرنسية، أثناء الثأر من عشيقات الجنرالات، حيث الهجوم على التعيسات تخطف سراويلهن المرصعة بالحلى الثمينة وحبوب العطارة ذات الرائحة الطيبة.. قبلها، بعدة قرون، قامت زوجة عز الدين أيبك بقتل شجرة الدر «١٢٥٧ م»، وألقت بجثتها من فوق سور القلعة، وليس عليها إلا سروال وقميص، ويقول مؤرخ تلك الحقبة، تغرى بردى إن «بعض أراذل العامة أخذ تكة سروالها المزينة بالجواهر الثمينة».

 

من قلب الحاضر، تنهض السراويل على نحو لا يتأتى إلا فى مصر، ذلك أن ذهن شباب «6 أبريل» تفتق عما يمكن أن تسميه «حرب السراويل»، ذلك أن مجموعات منهم، توجهوا فى مظاهرة، نحو مسكن وزير الداخلية، رافعين عصيا خشبية عليها ملابس داخلية، حريمى ورجالى، مرددين هتافات تعنى أن الداخلية تنام على سرير كل سلطة.. وكالعادة، أخذت قوات الأمن تلقى قنابل الغاز.. رد الشباب بقذف السراويل فى اتجاه العساكر والضباط.. طبعا، السراويل الطائرة لم تؤد إلى قتلى أو جرحى، ولكن خلفت ندوبا نفسية لا شك فيها، وإن كان المشهد كله، لا يخلو من كوميديا، تنتظر لمن يجسدها على الشاشة، تسجيليا أو روائيا، خاصة أن الصحف تتحدث، بعد القبض على النشطاء، أن أحراز القضية عبارة عن كرتونة، بداخلها «27» قطعة ملابس داخلية، حريمى ورجالى، فهل، فى أثناء المحاكمة، ستوضع السراويل أمام منصة القضاء؟

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات