احكي يا شهرزاد - خالد الخميسي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 11:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

احكي يا شهرزاد

نشر فى : السبت 18 يوليه 2009 - 6:49 م | آخر تحديث : السبت 18 يوليه 2009 - 6:49 م

 أحبطت بعد رؤيتى لفيلم «احكى يا شهرزاد» لمخرجه يسرى نصر الله ومؤلفه وحيد حامد. تساءلت هل اتفاقى مع كل الأفكار الاجتماعية والسياسية التى طرحها الفيلم يعد سببا كافيا أن أعجب بالفيلم؟ وتساءلت ثانية هل من الجنون ألا أنبهر بهذا الفيلم الذى يقدم مستوى فنيا أفضل بما لا يمكن مقارنته بأى حال من الأحوال بـ99.99% مما تقدمه لنا السينما المصرية خلال السنوات القليلة الماضية، بما فيها الأفلام السيئة جدا التى اعتبرها الكثير من الصحفيين أفلاما مهمة على المستوى الاجتماعى؟

أو بمعنى آخر هل يجب على المشاهد أن يضبط مشاعره وآراءه على موجة المقارنة بين العمل الذى شاهده وبين ما يقدم على الساحة المصرية من الأفلام؟ وتساءلت أخيرا هل من حقى أن أكتب عن أسباب عدم إعجابى بالفيلم فى حين أننى أقف فى نفس الخانة، الضيقة بفنها والواسعة بناسها، خلف المؤلف والمخرج اللذان سعيا لتقديم فكر محترم؟ أم يجب على العكس أن أؤازرهم وسط عاصفة الابتذال التى تطيح برءؤس الشعب المصرى، خاصة الابتذال الذى يأخذ شكل الجدة؟ أسئلة من الصعب أن أجد إجابات شافية وقاطعة عليها. ولكننى بعد تردد سوف أكتب عن أسباب إحباطى من الفيلم والتى تأثرت ولاشك بتوقعاتى لقامة صناعه، وسلاحى هو حبى العميق لأعمال مخرج الفيلم. وقررت لذلك أن أكتب بعد مدة كافية من عرض الفيلم.

يقدم الفيلم على نسق ألف ليلة وليلة قصة مؤسسة: وهى العلاقة بين شهرزاد ــ منى زكى، وهى مقدمة البرنامج التليفزيونى التى تحكى لنا الحواديت، وزوجها شهريار ــ حسن الرداد، هذا الكائن الذكرى المشوه تماما، والذى يجعلها ــ دون قصد منه ــ تقص علينا قصص نساء ثلاث رفضن ما يقدمه لهن المجتمع الذكرى، هؤلاء الذكور الذين يسعون فقط للسلطة وللمال وسط زيف قيم المجتمع. كل قصة لها أبطالها ولها بدايتها ونهايتها. وكل قصة من القصص الثلاث ــ وعن طريق انفعالات شهرزاد أثناء استماعها لها ــ تدفع شهرزاد أن تواجه حقيقة علاقتها بهذا الشهريار. وهنا شهريار ليس مريضا بالديكتاتورية والقمع والقتل وسفك دماء النساء ولكنه مريض بالتملق ولعق أحذية من يمارسون الديكتاتورية ويمارسون القمع وسفك دمائنا. هذا هو ــ كما فهمته ــ بناء سيناريو الفيلم.

يبدأ الفيلم بتقديم الشخصيتين المؤسستين. وهنا أيضا تبدأ أولى إحباطاتى. فشخصية الزوج الصحفى شديدة النمطية، تم رسمها بقدر كبير من السذاجة. بناؤها ليس من اللحم والدم والأعصاب، ولكن بأفكار نظرية معدة سلفا لشخصية المتسلق، المعروفة لنا، دون أى محاولة لإعمال الخيال فى تقديم هذه الشخصية المحورية. يبدأ هذا الشهريار بمحاولة اكتساب رضا السلطة للصعود على سلم مجده ويستمر طوال الفيلم على نفس المنوال بصورة دعتنى إلى الملل. نفس نوعية المشاهد تتكرر مع هذا الدور طوال الفيلم. وبالتالى أرى أنه تم ظلم الممثل الذى لا أستطيع شخصيا الحكم على أدائه. على العكس تم تقديم شخصية مقدمة البرامج بصورة رائعة. تحمل العديد من التناقضات، والصراعات النفسية. بين رغبتها فى إنجاح زواجها وبين ضرورة أن تواجه حقارة شخصية هذا الزوج. وتتطور الشخصية تدريجيا مع تطور أحداث الفيلم ومع رغبتها الحقيقية فى التعلم من حواديت النساء التى تقدمها على الشاشة. كانت منى زكى محظوظة بتبلور الشخصية وقامت بتمثيل دور أكثر من رائع. ممثلة تستحق الاحترام العميق.

وتأتى القصص الثلاث لثلاث نساء: الأولى من الطبقة المتوسطة كما أعرّفها والثانية من الطبقة الكادحة والأخيرة من طبقة الأغنياء. مرة أخرى بناء نظرى يفرض شروطه بقسوة على العمل وعلى سلاسة الحكى. القصة الأولى وبطلتها سوسن بدر ــ والتى لعبت دورها ببراعة ــ هى الحدوتة الوحيدة التى حملت قدرا من الجدة والتناول الفنى الأصيل وبالتالى من متعة المشاهدة. ولكن هذا الخيال ظل مكبلا بوزن الأفكار التى صمم المؤلف على تضمينها فى هذه الحدوتة وعلى مدى الفيلم كله. أما القصة الثانية فتفتقر إلى الخيال وكأنك تقرأ ببطء مقالا طويلا فى صفحة الحوادث. حدوتة قرأنا تنويعاتها عشرات المرات. شخصيات غير مكتملة، أحادية، استعراض خارجى لحدوتة دون رغبة فى الولوج إلى دقائق الدراما البشرية وبالتأكيد دون أى لحظة موحية بدلالات جديدة، ودون غزل لون أو إيحاء لون جديد. فأصبت وأنا أتابع هذه الحدوتة الثانية بالملل بسبب عدم استثارة خيال المشاهد. أما القصة الثالثة فافتقرت لمتعة التوهج، كما لم تلمس هى الأخرى مواطن الدهشة. يعيبها بقوة عدم المصداقية. فالمؤلف رغب أن يصبح بطلها ــ وهو صياد لثروات النساء ــ وزيرا، وهى الشخصية التى لعب دورها محمود حميدة. وهو أمر يتكرر فى أعمال الكاتب الكبير وحيد حامد. وقد وصل لى كمتفرج أن هذا القرار الذى اتخذه المؤلف مفتعل وليس له علاقة حقيقية بالموضوع، حتى يتسنى للكاتب التأكيد أنه يتعرض للوزراء بالانتقاد الحاد، أو للحكومة باختيارها هذه النماذج المريضة للقيادة السياسية. أو أن يثبت لنا أن هناك ديمقراطية تسمح له بالتعرض لهذه القضايا. ولكن حقيقة الأمر من وجهة نظرى أن ما قدمه الفيلم من تشوه إنسانى نتيجة للقمع كان كافيا جدا.
هذا البناء الذى اختاره المؤلف كان يجب أن يتيح قدرا أكبر من الحرية فى التناول، قدرا أكبر من الجنون فى الكتابة وفى الإخراج، قدرا أكبر من خيال حكايات شهرزاد التى مدت أجنحتها لملامسة أعمق مشاعرنا. ولكن لم يلجأ مخرجنا الكبير لخياله الخصب فى إخراج العمل ولكن اكتفى بتقنية إخراج حساسة اكتفت بملامستنا كمشاهدين لقشرة العمل دون جوهره. خرجت من دار العرض وأنا حزين من اكتفائنا بالتعرض للقضايا المهمة دون القدرة على تناولها بصورة فنية، تحمل القدرة على نقلنا من مجال الأفكار إلى مجال روعة حكايات شهرزاد.

خالد الخميسي  كاتب مصري