البحث عن.. على حسنين - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 5:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البحث عن.. على حسنين

نشر فى : الثلاثاء 18 أغسطس 2015 - 7:45 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 18 أغسطس 2015 - 7:45 ص

بناء على اقتراح صديق مشترك، ذهبت معه، فى منتصف التسعينيات، إلى المعادى، لحضور افتتاح محل «تذكارات»، لصاحبه على حسنين.

المتجر، يحتوى على «فازات» قليلة، قديمة وجديدة، وعلب متعددة الأحجام والأشكال والألوان، وثمة مسابح، تماثيل صغيرة، خلاخيل وكردانات وحلقان.. بضاعة فقيرة، باهتة، لا تناسب الحضور الصداح للرجل الستينى، المفعم بالحيوية، الذى يتحرك بنشاط، مستقبلا ضيوفه بتهليل سكندرى صاخب، وبدفء يبدد شيئا من برد ديسمبر. الهواء يقتحم الدكان، يداعب لحية على حسنين الغزيرة، الناعمة، التى يتراجع سوادها أمام بياضها.. بدا الرجل مرحا، منشرحا، تتحول ابتسامته إلى قهقهات عالية، نابعة من القلب، متغيرة الوقع والأداء، مرة عالية، حنجرية، وثانية أقرب للسخسخة، وثالثة مكتومة.

كانت الزيارة، هى الوحيدة التى التقى فيها على حسنين.. ويبدو أن صديقنا المشترك، لاحظ دهشتى الممتزجة بالكدر، فقد رأيت الرجل أكبر من مشروعه. صديقى، حاول تفسير الأمر بقوله إن الدكان، غالبا، كان فى الأصل محل «كوافير» رجالى، يملكه ويعمل به على حسنين.. قلت لصديقى إن داوود عبدالسيد، هو سبب دهشتى وكدرى.. ولما سألنى، كيف؟.. أجبته بأن الصورة الخلابة التى أظهره بها مخرجنا الكبير، المبدع، المحير، فى «البحث عن سيد مرزوق»، هى التى جعلتنى أظن، على نحو ما، أنها تجسد شخصيته المتعاظمة، الطاغية، وبالتالى، فوجئت بما هو عليه، واقعيا: إنسان طيب، على سجيته، بسيط متواضع.

بحثت عن على حسنين، تاريخه، مشواره الفنى، وكيف سطع كالشهاب فى دور «سيد مرزوق»، ثم، حقق إضاءات خافتة، متوالية.

على حسنين، العصامى، بدأ حياته الفنية ممثلا فى إذاعة الاسكندرية، ومنها، جاء إلى إذاعة القاهرة، مشاركا فى مسلسل جميل، عنوانه «عيلة مرزوق أفندى»، استمر تقديمه عدة سنوات، ضمن فقرات برنامج «إلى ربات البيوت»، بقيادة القديرة، صفية المهندس.

صوت على حسنين، من أهم وسائله فى التعبير، يلونه ويشكله كيفما يشاء، يتمتع بقدر كبير من الليونة والحيوية، يمكنه أن يجعله نحيلا، كصوت الأطفال، أو خشنا، ممتلئا، غليظا، إذا تطلب الموقف.. الطاقة الصوتية، أتاحت له، فى سنواته الأخيرة، القيام بدبلجة الكثير من شخصيات أفلام ومسلسلات الكرتون الأجنبية، خاصة التى أنتجتها والت ديزنى، الشركة ذات التاريخ الطويل، التى ودعته بعبارات رقيقة، دقيقة، جاء فيها «على الرغم من أن الممثل على حسنين قد رحل عن عالمنا بجسده، إلا أن صوته سيظل حيا فى قلوب العديد من الأجيال القادمة التى ستستمتع بما قدمه هذا الفنان القدير».

قبل «البحث عن سيد مرزوق»، شارك فى على حسنين فى خمسة أو ستة أفلام، منها «الحريف» لمحمد خان ١٩٨٣، «التوت والنبوت» لنيازى مصطفى ١٩٨٥، «احتيال» لياسين إسماعيل ياسين ١٩٩٠.. جاءت أدواره صغيرة، هامشية وليست ثانوية، اسمه لا يكتب على الافيشات، ويأتى فى ذل قائمة التترات.

عين داوود عبدالسيد اللاقطة، اختارت على حسنين، كى يؤدى دور «سيد مرزوق» فى فيلمه الشهير، المتعدد المستويات، والدلالات «سيد مرزوق»، الثرى، الأرستقراطى، واسع النفوذ، العابث، ملك الحكايات، الكذاب، الذى يروى وقائع يعلن بعدها أنها مجرد ترهات، يقع فى مخالبه الناعمة المواطن المسالم، منعدم التجارب، يوسف «نور الشريف» الذى يتورط فى جريمة اقترفها «سيد مرزوق»، الذى يستعد لمغادرة البلاد، هاربا من أجل أمواله المنهوبة من الوطن، والتى أودعها فى بنوك بالخارج ـ لاحظ، من فضلك ــ أن هذا الكلام، جاء فى العام ١٩٩١، قبل الثورة بعقدين من الزمان.

بعيدا عن تحليل هذا الفيلم، بأغواره العميقة، بدا على حسنين ممثلا عملاقا، فى قامة أورسون ويلز، وسبنسر تراسى، ما أن يظهر حتى تتوهج الشاشة بحضوره، بل يتوحد المتابع مع يوسف ــ نور الشريف ــ فى بحثه المضنى عن سيد مرزوق، طوق النجاة الوهمى، صاحب الابتسامة الخلابة، الواقف فوق أرض صلبة، المراوغ، النهم لمتع الحياة.

بعد «سيد مرزوق»، شارك على حسنين فى أكثر من عشرين عملا، سينمائيا وتليفزيونيا، تميز، فى «آيس كريم فى جليم» لخيرى بشارة ١٩٨٢، بدور الموسيقى العدمى «زرياب».. ومع داوود عبدالسيد، يؤدى دور الشيخ الضرير، صديق الشيخ حسنى «محمود عبدالعزيز» فى «الكيت كات» ١٩٩٢، وجاء دوره أقل شأنا من «البحث عن....».

على حسنين «١٩٣٩ ــ ٢٠١٥»، الرجل الطيب، عاشق التمثيل، المجتهد، قد تجده فى مسرحيات ومسلسلات وأفلام ودوبلاجات.. لكن حضوره الطاغى، الساحر، لن تجده إلا فى سيد مرزوق.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات