الهدهد.. شريف - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 5:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الهدهد.. شريف

نشر فى : السبت 19 فبراير 2011 - 9:21 ص | آخر تحديث : السبت 19 فبراير 2011 - 9:21 ص

 تماما شكل الهدهد: جسم نحيل، متسق وأنيق، يعلوه رأس صغير، دقيق الملامح، أوضح ما فيه تلك العينين اللتين تنطقان بالذكاء، فضلا عن ذلك الشعر الكستنائى الأقرب للتاج. لكن الأهم، بالنسبة للمذيع المتمكن، الهادئ، شريف عامر، صاحب برنامج «الحياة اليوم»، أن جوهره، يتطابق مع خصائص الهدهد. غير جارح، لا يثير المخاوف، قليل الصخب والضوضاء، رصين، كلاسيكى النزعة، يتمتع بحيوية داخلية، يتحمل الظروف الصعبة، قوى الملاحظة، يعرف اتجاهه ولا يحيد عنه.

بهذه المواصفات، تمكن من تغطية أحداث ووقائع الثورة، على نحو بالغ الرهافة، فبينما انخرط غيره من المذيعين، برعونة، فى تشويه الثوار وتوبيخ المتظاهرين، احتفظ هو بدور ناقل الأخبار الأمين، وتعمد أن يكون صادقا ومحايدا وواضحا، لا يبعث برسائل ولاء لسلطة ذلك الزمان، سواء بالصوت أو بالإيماءة أو بحركة اليدين. لذا، أصبح شريف بمثابة جزيرة مطمئنة، موثوق فيها، وسط زلزال هز معظم زملائه.

فى لقاءاته مع ضيوفه، تتجلى إحدى صفات الهدهد فيما يعرف بقدرته على تحديد طريقه للوصول، بنعومة، إلى هدفه، فمذيعنا النابه، بابتسامته العذبة، لا يقتحم محاوره، ولا يصطدم معه، ولا يدفعه لقول ما لا يريد، ولكن، بدمائه، يسبر غوره، فإذا كان الهدهد، بطبيعته، يعرف مكان الماء تحت قشرة الأرض، وينقرها بدأب، حتى يصل إليها، فإن «شريف»، بشفافيته، وثقافته، يدرك خبيئة الأسرار عند ضيفه، ويحاول، برقة، أن ينظر فيها، ويتلمسها.. وهذا ما حدث، على نحو ممتع، مع أحد كبار البنائين، فى أواخر عهد السادات وبداية عهد مبارك. حسب الله الكفراوى، الرجل الذى ارتبطت صورته فى الأذهان وهو فى مواقع العمل، بين صفوف الطوب وتلال الرمال وأكوام الزلط. غلالة عرق فى سمك الزيت تغطى وجهه، يلتقط أنفاسه بصعوبة وحشرجة كما لو أنه صعد وهبط صقالة عالية عدة مرات، حاملا على كتفه قصعة الأسمنت.. مضت سنوات على هذه الصورة الخلابة.. وبدا الرجل، الآن، شيخا طيبا، صوفيا حكيما، ولكن المشاهد لا يحتاج لجهد كى يدرك أنه إزاء صقر شديد اليقظة، مرهف الحواس، صعب المراس، وبالتالى جاء الحوار كما لو أنه بين هدهد وصقر.

عش الصقر ملىء بالوقائع الثمينة، أثارت لعاب الهدهد، دفعته لأن يرنو بعينين شغوفتين فأخذ يلف ويدور حول الصقر، يبتسم له بمودة ورجاء. والواضح أن الصقر فهم اللعبة، وأحبها، فاستجاب لها بشروطه: يظهر للهدهد جزءا من المقتنيات ولا يسلمها كاملة.. وفى لمسة إنسانية أشرق وجه الكفراوى بنوع من المحبة الصافية، لا تتأتى إلا من كبار السن، قال لشريف مشاغبا «أنا جدو..»، ومثل أى «جدو»، كان الصقر كريما مع حفيده الهدهد، فمنحه، ومنحنا، قطعة ثمينة من عندياته، تمثلت فى واقعة ابن أكبر مسئول فى الوطن، ذهب للكفراوى طالبا منه «ألف فدان».. وطبعا، كانت إجابة الصقر قاطعة «فليحدثنى والدك فى هذا الشأن».. فهم الهدهد، وفهمنا معه، كيف ولماذا تم الاستغناء عن أحد كبار البنائين.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات