الصراع على سوريا بين الأمس واليوم - علاء الحديدي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:52 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصراع على سوريا بين الأمس واليوم

نشر فى : الإثنين 19 فبراير 2018 - 10:20 م | آخر تحديث : الإثنين 19 فبراير 2018 - 10:20 م

تمر فى هذا الأسبوع الذكرى الستون لإعلان الوحدة بين مصر وسوريا فى ٢٢ فبراير من عام ١٩٥٨. وتأتى هذه الذكرى لتعيد إلى الأذهان ما مرت به سوريا من أحداث وتطورات من قبل فى حقبة الخمسينيات، والتى أفضت إلى إعلان الوحدة المصرية السورية التى دامت حتى إعلان الانفصال من جانب سوريا فى سبتمبر ١٩٦١. وهو الأمر الذى يستوجب معه إعادة قراءة تاريخ هذه الفترة فى ضوء ما تمر به سوريا حاليا من حروب وصراعات، واستخلاص بعض المشاهد والملاحظات التى تلقى بعض الضوء على ما يحدث اليوم هناك. فما أوجه الشبه والاختلاف بين ما يحدث اليوم فى سوريا وبين ما حدث بالأمس؟ وهل اختلفت أدوار بعض اللاعبين الرئيسيين مثل روسيا وتركيا وأمريكا فى السابق عما يحدث الآن؟

بداية، فقد كانت المنطقة العربية فى منتصف الخمسينيات من القرن الماضى تعيش صراعا سياسيا بين قوتين رئيسيتين؛ يمثل القوة الرئيسية الأولى حركة القومية العربية بزعامة مصر ورئيسها جمال عبدالناصر، الذى كان يحظى بتأييد جماهيرى واسع فى معظم الأقطار العربية. ورغم أن بعض هذه الجماهير كانت تنضوى تحت لواء حزب البعث العربى الاشتراكى، إلا أنها رأت فى جمال عبدالناصر الزعيم القادر على تحقيق أحلامها وخاصة بعد العدوان الثلاثى على مصر فى أكتوبر عام ١٩٥٦. على الجانب الآخر، كانت القوى التقليدية ترى فى حركة القومية العربية (بشقيها الناصرى والبعثى) خطرا على مصالحها، والتقت مصالحها مع كل من واشنطن ولندن اللتين كانتا فى صراع مع الاتحاد السوفيتى آنذاك. وقد كانت هاتان الدولتان الغربيتان تعملان على تطويق موسكو من خلال سلسلة من الأحلاف حولها فى آسيا وأوروبا والشرق الأوسط بهدف محاصرتها ومنعها من التوسع والانتشار. وكان حلف بغداد الذى تكون فى فبراير ١٩٥٥ من العراق (تحت حكم الأسرة الهاشمية وقتذاك)، وكل من تركيا وإيران وباكستان، فضلا عن بريطانيا (الولايات المتحدة لم تنضم رغم أنها كانت القوة المؤثرة وراء فكرة الحلف، وفضلت تقديم الدعم له من بعد)، يمثل المعسكر أو القوة الأخرى التى تريد السيطرة على المنطقة. وكانت أهداف هذا المعسكر أو الحلف تتناقض مع رؤية عبدالناصر الذى كان يرى فى إسرائيل الخطر الأكبر الذى يهدد الشعوب العربية، وليس الاتحاد السوفيتى الذى مد يد العون والمساعدة لمصر حين طلبتها. سواء كان ذلك فى شكل السلاح لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على القوات المصرية فى غزة (صفقة الأسلحة التشيكية الشهيرة فى سبتمبر ١٩٥٥)، أو فى بناء السد العالى بعد سحب البنك الدولى لعرضه بالمشاركة فى بنائه بإيعاز من الولايات المتحدة. وكانت واشنطن تأمل من ذلك الضغط على مصر من أجل قطع علاقاتها المتنامية مع الاتحاد السوفيتى والانضمام لحلف بغداد.

كانت سوريا فى ذلك الوقت هى ساحة المعركة التى يدور حولها الصراع بين هذين المعسكرين. فمن ناحية، بدأت تركيا فى حشد قواتها على الحدود حيث تواترت أنباء عن قرب غزو تركى للأراضى السورية بدعم وتأييد واضح من دول حلف بغداد. ومن ناحية أخرى، بدأت أيضا أنباء تتواتر عن قرب حدوث انقلاب داخلى يقوده عفيف البزرى، رئيس الأركان والقائد العام للجيش السورى، المعروف بقربه من الحزب الشيوعى السورى. وما بين مطرقة الغزو الخارجى الآتى من تركيا، وسندان الانقلاب الداخلى من أنصار الحزب الشيوعى فى الجيش السورى، كان توجه القيادات السياسية فى دمشق وعلى رأسهم رئيس الجمهورية حينئذ شكرى القوتلى بالتوجه إلى مصر لإنقاذ سوريا مما يحيق بها من مخاطر وتهديدات خارجية وداخلية. ومن المعروف أن عبدالناصر رفض فى البداية عرض الوحدة المقدم من الجانب السورى، إلا أنه تحت ضغط تطور الأحداث وتعاظم الخطرين التركى والشيوعى اللذين كانت تتعرض لهما سوريا، رضخ فى النهاية وكان قرار إعلان الوحدة فى ٢٢ فبراير من عام ١٩٥٨. وكان إعلان هذه الوحدة المصرية السورية يمثل انتصارا كبيرا لمعسكر القومية العربية، وهزيمة مدوية لحلف بغداد الذى ما لبث أن إنهار بعد قيام الثورة العراقية فى ١٤ يوليو ١٩٥٨.

ما يعنينا هنا هو أولا الدور المصرى فى إنقاذ سوريا، ثانيا الدور التركى كرأس حربة للقوى الغربية فى المنطقة، وأخيرا الدوران الروسى والأمريكى اللذان كانا فى بداية تحركاتهما وسط دول المنطقة بهدف جذب هذه الدول، كل إلى صفه، لمواجهة الطرف الآخر، فما أشبه اليوم بالبارحة.

طبعا تختلف الظروف والأدوار اليوم عما كانت عليه منذ ستة عقود، فقد شهدت المنطقة من الأحداث والتطورات ما يجعل الساحة تبدو ظاهريا جد مختلفة عما كانت عليه فى السابق؛ فقد انهار الاتحاد السوفيتى وتوارت حركة القومية العربية، هذا فضلا عن نمو قوة إسرائيل وبزوغ الدور الإيرانى بعد الثورة الإسلامية فى فبراير من عام ١٩٧٩. أدى ما سبق إلى تغير خريطة التحالفات فى المنطقة وتراجع القضية الفلسطينية كالقضية المركزية للشعوب والحكومات العربية، ليحل الصراع السنى الشيعى محل الصراع العربى الإسرائيلى كالصراع الرئيسى فى المنطقة. وإذا أضفنا إلى ما سبق نمو حركات إسلامية تتبنى الإرهاب منهجا كتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم داعش، لأدركنا كيف تغير المشهد وتعقدت الصورة. ولكن ما يهمنا هنا هو استمرار نفس أدوار اللاعبين الرئيسيين السابقين على الساحة السورية، سواء كنا نتحدث عن تركيا أو روسيا أو الولايات المتحدة. فتركيا التى كانت بصدد غزو سوريا فى عامى ١٩٥٧ــ ١٩٥٨، دخلت قواتها سوريا الآن فى منطقة عفرين وتهدد بمزيد من التدخل العسكرى. أما واشنطن فقد أصبح لديها قوات لأول مرة على الأرض السورية ممثلين فى ألفى جندى فى شمال شرق سوريا بحجة حماية الأكراد هناك، ولكن فى حقيقة الأمر فهى تتواجد لقطع الطريق على الامتداد الإيرانى من بغداد إلى بيروت. وأخيرا فهناك التواجد العسكرى الكثيف لروسيا فى سوريا الذى بدأ بالتدخل العسكرى المباشر لدعم نظام الرئيس السورى بشار الأسد فى سبتمبر ٢٠١٥ وتثبيت التواجد الروسى فى سوريا من خلال قاعدتين عسكريتين، واحدة جوية بحميميم بريف اللاذقية وأخرى بحرية فى طرطوس. ولا شك أن ذلك يمثل انتصارا لروسيا فى أن يكون لها موطئ قدم على سواحل البحر الأبيض المتوسط، وهو الأمر الذى كانت واشنطن ودول حلف الناتو تسعى لحرمان موسكو من تحقيقه.

عودة على بدء، وبعد أن كان الدور المصرى حاضرا وبقوة فى الخمسينيات، فقد أدى غياب الدور المصرى فى الآونة الأخيرة نظرا لانشغاله بقضاياه الداخلية، إلى استبداله حاليا بالدور الإيرانى. فكما هو معروف، لجأت دمشق إلى طهران التى أصبح لها تواجد ملموس على الأراضى السورية، ممثلة فى قاعدة عسكرية إيرانية فى منطقة الكسوة جنوب دمشق. وهو ما يشى إلى نية إيران تكريس وجودها العسكرى داخل الأراضى السورية وعدم وجود أى نية للانسحاب منها قريبا، وهو ما يمثل هاجسا لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية. وتنبئ أحداث الأيام الأخيرة، من إسقاط سوريا لطائرة حربية إسرائيلية، أو قيام القوات الأمريكية بتوجيه ضربة جوية لبعض القوات الموالية لنظام الرئيس بشار الأسد، بأن الأيام القادمة ستشهد مزيدا من الأحداث والتطورات، ويعزز كفة حدوث مواجهات عسكرية قادمة بين مختلف هذه الأطراف. وهو ما لن تقف تداعياته داخل الأراضى السورية فقط، ولكن ستطول بقية دول الأقليم، بما فى ذلك مصر، وبما يفرض على القاهرة التدخل بشكل أقوى عما تقوم به حاليا، ومثلما حدث من قبل فى عام ١٩٥٨.

التعليقات