قرية فاشلة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 4:52 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قرية فاشلة

نشر فى : السبت 19 مارس 2011 - 9:43 ص | آخر تحديث : السبت 19 مارس 2011 - 9:43 ص

 عشرات الوجوه ظهرت على الشاشة الصغيرة، تتحدث، بصدق وإيمان، عن الوحدة الوطنية، وجاء الاتجاه العام مؤكدا أن ما حدث فى قرية «صول» بمركز أطفيح، هو مجرد حادث عابر، يعد استثناء سيئا لا ينبغى ولا يتوقع، تكراره.. لفت نظرى وجه فلاح مصرى تماما، محدد القسمات والتقاطيع، لوحته الشمس بلون أسمر داكن. وبرغم جلبابه الأنيق، وجلوسه على كنبة مغطاة بقماش «كريتون» ذات ألوان فوشية، ويجوارها ثلاجة، مما يعبر عن أن الرجل ميسور الحال، فإن أصابعه الغليظة، القوية، تشير إلى أن صاحبها، حمل الفأس، وقلَّب الأرض طويلا. وبصوت واضح النبرات، نابع من القلب، يمتزج فيه العتاب الرقيق بالغضب النبيل، طالب بشجاعة أن يرفع الجميع أياديهم عن «صول»، وألا يتدخل أحد فى شئونها، فهى، بعقلاء رجالها، قادرة على حل مشكلاتها بنفسها.

هذا الرجل المحترم، بكلامه الوجيه، يعبر عن قيمة إنسانية رفيعة، تتحلى بها كل المؤسسات، الصغيرة والكبيرة، ابتداء من الأسرة المكونة من زوج وزوجة وأولاد، إلى الدول الكبيرة التى تشتمل بداخلها على أعراق وأديان مختلفة. هذه القيمة تتجلى فى أخلاقيات القرية المصرية التى ترى فى تدخل الآخرين، حتى من باب المساعدة، إهانة لها، واستخفافا بقدراتها، فإذا شب حريق فى أحد بيوت قرية، فإن إطفاءها هى مسئولية ساكنيها، وبالتالى يسارع الأهالى لإطفائها، سواء الرجال الذين يضربون مصادر النيران بالجريد، أو النساء، حاملات أوعية المياه، يسكبونها حول الأجزاء المشتعلة، أو الصبية الذين يطلقون، من أفواههم، صفيرا تحذيريا لا يتوقف.. غالبا، تنجح القرية بتكتلها، وعزيمتها، وخبرائها المتوارثة، فى إطفاء الحريق.

أما إذا عز الانتصار على النار، فإن سكان القرى المجاورة يتوافدون، بحماس، من أجل المساعدة. عندئذ تنشأ حالة معنوية سيئة عند أبناء القرية المنكوبة، فالشعور بالخزى، يظل عالقا فى الأفئدة، خاصة إذا قيل لهم، من قرية مجاورة «نحن الذين أطفأنا لكم حريقكم».. الإحساس المؤلم بالعار، بسبب الفشل فى الاعتماد على الذات، يضنى الروح، ويظل عالقا بها، لفترة قد تقصر أو تطول.

تعاطفت، بقلبى، مع الفلاح الشهم، الغاضب، الحزين، الذى طالب برفع الأيدى عن «صول»، ولكن عقلى كان له رأى آخر، أتمنى ألا يكون جارحا، وإن جاء بالضرورة، موجعا.. فبعيدا عن التفاصيل، وتتبع ما حدث. وبعيدا عن إدانة هذا الطرف أو ذاك، تبقى حقيقة واحدة، لا مجال لإنكارها، هى أن تلك القرية الغالية، المغمورة، التى لم يكتب اسمها واضحا على الخرائط، أصبحت حديث العالمين، بسبب مخجل: فشلها فى إطفاء حريقها.. الأمر الذى لم يستدعِ جيرانها، فى مركز أطفيح، فحسب، ولا فى محافظة حلوان فقط.. ولكن فى مصر كلها. ولأول مرة، فى تاريخها، يهرول لها كبار الدعاة، ورجال فكر، ولواءات جيش وشرطة، وشباب ثورة، ليس لمجرد وقوعهم فى غرامها فجأة، ولكن لأن اللهب المستعر منها، كاد يمتد لمناطق أخرى.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات