طه حسين والشراكة الاستراتيجية بين مصر وأوروبا - خالد أبو بكر - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 11:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طه حسين والشراكة الاستراتيجية بين مصر وأوروبا

نشر فى : الثلاثاء 19 مارس 2024 - 7:05 م | آخر تحديث : الثلاثاء 19 مارس 2024 - 7:05 م

شهدت مصر، الأحد الماضى، حدثًا رفيع المستوى، استضاف فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيسة المفوضية الأوروبية، ومستشار النمسا، ورئيسة الوزراء الإيطالية، بالإضافة إلى نظرائهم فى اليونان وبلجيكا وقبرص، لتوقيع «شراكة شاملة واستراتيجية» بين مصر والاتحاد الأوروبى. تتضمن التعاون فى العلاقات السياسية، واستقرار الاقتصاد الكلى، والاستثمار المستدام، والتجارة، والطاقة والمياه والأمن الغذائى ومكافحة تغير المناخ والهجرة.
وبحسب ما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى فإن «مسار ترفيع العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى» عبر الشراكة الاستراتيجية الشاملة اقترن بحزمة مالية لدعم الاقتصاد المصرى، تبلغ حوالى 7,4 مليار يورو.
خلال متابعتى لتفاصيل هذا الاجتماع رفيع المستوى الذى جمع الرئيس المصرى بالقادة الأوروبيين، لم تفارقنى صورة عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، رحمه الله، قلت لنفسى: «لا شك أنك أيها العميد أسعد إنسان بهذه الشراكة الاستراتيجية بين مصر وأوروبا.. وأنت الذى اعتبرت فى كتابك المثير للجدل حتى اليوم «مستقبل الثقافة فى مصر» المنشور فى سنة 1938»، «إن المصريين والأوروبيين جميعهم نتاج ثقافة واحدة، هى ثقافة حوض البحر المتوسط الإغريقية»، وتاليًا فإنه بإيمان المصريين بالثقافة الغربية «لن يكونوا بصدد التحول إلى شىء غريب عليهم. إنما عليهم فقط أن يعترفوا بأصلهم الثقافى الحقيقى، ذلك الأصل الذى ربما أخفته عنهم أحداث التاريخ وآماد طويلة من الظلامية الفكرية».
***
لكن.. هل جاءت أوروبا بقضها وقضيضها إلى مصر بهذا العطاء السخى إيمانًا بمقاربة طه حسين التى تعتبر أن مصر بتاريخها العظيم وأوروبا بتاريخها الممتد ينهلان من نفس الجذرى الحضارى، وهو الحضارة اليونانية القديمة، رغم أن الحضارة الفرعونية أسبق؟
الحق أن أوروبا تحكمها مصالحها الاستراتيجية، ولخصت وكالة الأنباء النمساوية ذلك فى تقرير لها عن توقيع هذه الشراكة الاستراتيجية، بقولها: «إن استقرار مصر يصب فى المصلحة الاستراتيجية الأوروبية العليا»؛ ذلك أن أوروبا تنظر لمصر باعتبارها شريكًا فوق العادة فى إطار الجوار الأوروبى، بالثقل الذى تتمتع به أم الدنيا فى فضائها الإقليمى، ودورها فى تحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط، خصوصًا فى مسار القضية الفلسطينية، وبكفاح القاهرة لتطويق حزام النار الذى يحيط بها من كل الجهات.. وكلها صراعات لها ارتداداتها المباشرة على أوروبا نفسها.
***
يُضاف إلى ذلك شعور الاتحاد الأوروبى بالكثير من الامتنان والعرفان لدور مصر الأخلاقى فى استضافة نحو ثمانية ملايين لاجئ قدموا إليها من إفريقيا والشرق الأوسط، قمة الأحلام وسدرة المنتهى لكل فرد منهم إيجاد طريق إلى البحر الأبيض، للتوجه نحو أوروبا التى صارت مأزومة، وتعانى التضخم والبطالة جراء الحرب الروسية الأوكرانية، التى رفعت أسعار الطاقة، وأثقلت كاهل الموازنات العامة للدول الأوروبية بشراء صفقات ضخمة من الأسلحة بعد أن صار السلام الذى بشّر به الكثير من القادة الأوروبيين فى أعقاب الحرب العالمية الثانية ضربًا من الخيال.
تدرك أوروبا أنا قدوم هذه الأعداد الضخمة إليها من اللاجئين الذين تستضيفهم مصر المثقلة بعدد سكان ضخم سيصيب الاقتصاد الأوروبى فى مقتل، ويهدد استقرارها المجتمعى، وربما يعرض هويتها للخطر، بغض النظر عن مبالغات اليمين المتطرف من هذه الأخطار، إلا أن فيها ظلالًا من الحقيقة لا يمكن إنكارها.
خلصت أوروبا إلى نتيجة مفادها أن تحقيق مصالحها الاستراتيجية يقتضى شراكات استراتيجية مع جيرانها الكبار والمؤثرين فى الناحية الأخرى من المتوسط على قاعدة المصالح المشتركة، فى وقت يواجه فيه التكتل الأوروبى تحديات ضخمة مرتبطة بانفصام عرى الوحدة مع الشريك الأمريكى تدريجيًا حتى إنها ترفع الآن شعار «الاستقلال الاستراتيجى عن أمريكا»، التى ترفع بدورها شعار «دع ما بجوار أوروبا لأوروبا.. معركتى صارت هناك فى شرق آسيا حيث يتعين عليّ مواجهة التنين الصينى الزاحف على قيادة العالم»، بغض النظر عن تدخل واشنطن المباشر ضد روسيا فى أوكرانيا لاعتبارات تمس المصالح الأمريكية العليا فى المقام الأول.
***
خير الختام ما قاله طه حسين عما تحتاجه مصر بعد تحقيق الحرية والاستقلال لتراكم لبنات جديدة فى سلم الرفعة والتطور الحضارى، وهنا نراه قد حدد ثلاثة أشياء تحتاجها مصر فى كتابه الذى أشرنا إليه توًا، هى:
• الحضارة؛ التى تقوم على الثقافةِ والعلم.
• القوة؛ التى تنشأ عن الثقافةِ والعلم.
• والثروة؛ التى تنتجها الثقافةُ والعلم.
وها هى مصر تناضل بعد 86 سنة على ما كتبه طه حسين من أجل تحقيق هذه الحضارة، والوصول لتلك القوة وامتلاك هذه الثروة القائمة على الثقافة والعلم.
حفظ الله مصر.. ورحم عميد الأدب العربى وأسكنه فسيح جناته.

التعليقات