المرزوقى.. وانقلاب الصخيرات بالمغرب - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المرزوقى.. وانقلاب الصخيرات بالمغرب

نشر فى : الجمعة 19 أغسطس 2016 - 9:35 م | آخر تحديث : الجمعة 19 أغسطس 2016 - 9:35 م
• حكم عليه بالسجن خمس سنوات فمكث فيه 18 عاما أى ما يزيد عن 6500 يوما قضاها فى أسوأ السجون المغربية وأقساها سجن «تازمامارت» والذى كان رمزا لانتهاك حقوق الإنسان فى عهد الملك الحسن الثانى ملك المغرب السابق حتى أنه قال من هول ما رآه فى السجن: «ليس على هذه البسيطة مخلوق أشد قسوة وهمجية من الإنسان، وإن من الحجارة لما هو ألين من قلب بن آدم».

• ورغم ذلك كله خرج أحمد المرزوقى محبا لكل الناس، لا يحقد على أحد، ولا يكره سجانيه أو يريد الانتقام أو يحمل ضغينة لأحد.

• كان قلب المرزوقى كبيرا رغم أن «سجن تازمامارت» يعذب نزلائه بالبرد والثلوج أكثر من تعذيبهم بالكرباج والكهرباء لأنه عذاب دائم مستمر، فقد سجن المرزوقى على خلفية اتهامه بالمشاركة فى انقلاب الصخيرات على الملك الحسن الثانى سنة 1971 .

• استلهم بعض قادة الجيش المغربى نموذج عبدالناصر ورفاقه وأرادوا تكرار ما صنعه ناصر ورفاقه مع فاروق مع الملك الحسن رغم كل الفروق بين البلدين والملكين، أرادوا إجبار الملك على التنازل عن العرش عبر الإذاعة والتلفزيون دون دماء، ولكن التخطيط شىء والواقع قد يكون شيئا مغايرا، لم يستطيعوا أن يصارحوا الضباط الصغار أو طلاب مدرسة ضباط الصف بأنهم سيتحركون للانقلاب على الملك، أوهموهم أنهم فى مناورة عسكرية لردع بعض الخارجين على القانون.

• تحرك طلاب المدرسة من ضباط الصف وصغار الضباط حيث أُمروا، فوجئ بعضهم أنه يرابط عند قصر الصخيرات الملكى وآخرون يحتلون الإذاعة والتلفزيون.

• دخلت القوات قصر الملك الحسن تحولت المناورة إلى مؤامرة، وجد المرزوقى نفسه فى القصر كان رائدا وقتها، وإذا بامرأة فى القصر تناشده: ألست ضابطا مغربيا فأجابها: نعم قالت له: هناك طفل صغير عند حمام السباحة أرجوك أحضره، فأحضره لها فورا فشكرته بحرارة.

• جاءه أحد خدم القصر وقبل يده قال: أرجوك لا تقتلنى فقال له: ما جئنا لقتل أحد، ولا أدرى من أطلق الرصاص فى القصر، أسر إليه الخادم أن الطفل الذى أنقذه هو ولى العهد «محمد الخامس» وهو الملك الحالى، كرر قوله: نحن لا نؤذى الأطفال وجئنا لحماية القصر ولا أدرى لماذا يطلق الرصاص فى القصر.

• لم يكن المرزوقى يعلم أن المناورة هى غطاء استراتيجى للانقلاب على الملك، تحول الانقلاب إلى فوضى عارمة ورصاص متناثر فى كل مكان، ومواقف متضاربة من الخيانة والغدر والرحمة والوفاء.

• بعد أن سيطر الطلاب على الإذاعة، بدأ الملك يستعيد زمام المبادرة ويمسك بدفة الحكم من جديد، جاءت قوات مغربية تابعة له إلى الإذاعة، قالت للطلاب أنتم مغرر بكم ومن يسلم نفسه ويلقى سلاحه لن يصيبه أذى على الإطلاق.

• توافد الطلاب للخارج رافعين أيديهم فتحت العربات المدرعة التابعة للملك رشاشاتها تجاههم، حصدت منهم قرابة 130 قتيلا مع مئات الجرحى.

• الانقلابات عبارة عن كوكتيل عجيب من الغدر والخيانة وسيلان الدماء المعصومة وسجون بغير حساب وإقصاء جمعى وتعذيب تتخللها مواقف إنسانية لا حدود لها مثل موقف المرزوقى مع ولى العهد، فى الانقلابات والثورات المسلحة «لا يدرى القاتل فيما قَتل ولا يدرى المقتول فيما قُتل» إنه وصف النبى «صلى الله عليه وسلم» للفتنة.

• لا سامح الله من ابتدع الانقلابات والثورات المسلحة فى الشرق الأوسط كطريقة للتغيير، لم يشفع للمرزوقى إنقاذه لولى العهد من الموت كى ينجو من السجن.

• بعد الانقلابات والثورات يعمم العقاب وتعمم الأحكام وتكثر المظالم بغير حساب، حشر المرزوقى إلى سجن تازمامارت ليقضى مع مئات أخرى بقية عمره لولا كاتب فرنسى أثار قضايا السجون وحقوق الإنسان فى المغرب فى عدة كتب هزت أوروبا ثم المغرب، لو كتبها مغربى أو عربى ما التفت إليها أحد ولخرج عليها أتباع نظرية المؤامرة يشككون فى صدقها وأنها مؤامرة على المغرب واستقراره.

• فى سجن تازمامارت ألف السجناء لغة خاصة بهم أسموها اللغة «التزمامارتية» حتى لا يفهمها الحراس الذين يراقبونهم ليل نهار، كانت هذه اللغة خليطا من اللغة البربرية والعربية والفرنسية والانجليزية والإسبانية.

• لم تتحسن الأحوال فى سجنهم إلا حينما سعت الأمريكية نانسى زوجة الملازم أول السجين مبارك الطويل لدى السفير الأمريكى فى المغرب لإنقاذ زوجها من الموت، فتحركت أمريكا من أجل زوج الأمريكية حتى أن الطائرة الهليكوبتر كانت تأتى من الرباط ومعها فريق طبى وعلاج وتحط فى فناء السجن وتفحصه وتترك له علاجا قد يكفى السجن كله.

• والغريب أن الرجل أرسل مرارا لزوجته الأمريكية «نانسى» كى يسرحها سراحا جميلا لكيلا يكون أنانيا، فإذا بها تأبى وترفض وترد عليه: «أنا مسلمة الآن وتحولت من نانسى إلى ثريا وسأدافع عنك حتى النهاية»، وظلت معه وفية حتى خرج من السجن.

• كانوا يتندرون على الملازم مبارك المعروف بوسامته «يا ليتنا كنا كذلك»، فهم السجناء الرسالة الضمنية: «أن المغربى لا قيمة له فى وطنه أما الأمريكية فحتى زوجها الأجنبى تحفظ كرامته فى كل مكان».

• وصف المرزوقى حال السجناء بأنهم كانوا أشبه بأصحاب القبور، وأشبه بالهياكل العظمية، كان كل ضابط منهم له جسم رياضى عسكرى فاره الطول فإذا بهم يتحولون إلى شبه أقزام، نحن كنا أصحاب الكهف كما عبر المرزوقى عن لحظة خروجه، كانت بدايتنا هى نهايتنا، خرجوا من السجن ولكن السجن لم يخرج من قلوبهم ونفوسهم كما حكى المرزوقى، حيث لا يستطيع أن يغلق الباب على نفسه وهو نائم إلا للضرورة القصوى، ويريد أن تبقى كل النوافذ مفتوحة وإذا رأى ورقة فى الطريق طواها قائلا لنفسه لعلها تفيدنى، لم يعرف أسرته وأشقاؤه حينما رآهم أول مرة احتضنته والدته حضنا طويلا وكأنها لا تريد فراقه بعد ذلك أبدا مع دموع منهمرة كالسيل.
التعليقات