الأرق - خالد الخميسي - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 10:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأرق

نشر فى : الأحد 19 ديسمبر 2010 - 10:17 ص | آخر تحديث : الأحد 19 ديسمبر 2010 - 10:17 ص

 انفتح الباب الأزرق فهبت الأعاصير وتنامت إلى أذنى أهازيج غريبة الألحان. حاولت الابتعاد عن مجرى الإعصار المستطيل الهيئة، ولكن اشتدت الريح وعوت عواء ممتدا بدأ فى الشوشرة على رتابة الأهازيج الأولى، وبدأ حصى الرمال الناعمة يدخل فى مقلتى. أغلقت عينى ولكن الرمال البغيضة كانت قد بدأت تثقب الحدقة. لمحت حينها يد العدو تهبط بنصل حاد لتمزيق عينى. تساقطت الدماء فى حنجرتى.

ابتلعتها مرغما حتى لا يرى الأولاد فجيعة الهزيمة. قررت الاقتراب لمحاولة غلق الباب بأى وسيلة، وبدأت فى البحث عن المفتاح الأزرق فى جيبى. حاربت الأعاصير بقوة جبار عتى، وعندما نجحت فى دفع الإعصار المستطيل بروح حديدية، حركت أصابعى يمينا ويسارا فلم أجد فى جيبى أى مفتاح. تسرب الألم الذى بدأت تزداد حدته من الحدقة إلى الإبهام، فانفتح حينها على يمينى الباب البنى. واندفعت فى وجهى كيانات ذات أشكال دائرية بأجنحة أسطورية بدأت فى التهام خلايا من مخى. صرخت من الألم واندفعت لأغلق الباب، وبدأنا فى عراك مرير وسط أصوات أزيز طائرات نفاثة مرعبة انتهت بنجاحى فى أن أغلق الباب البنى.

أخذت ألهث من الفرحة فسمعت صوت ابتسامة سوداء، وانفتح الباب ثانية فبدأت أصرخ كالمختل، وأنا أبحث عن المفتاح البنى لأغلق الباب نهائيا ودون رجعة. تقلبت فى فراشى، وأنا أبتلع لترات من الهواء عسى أن أجد بها أى مفتاح تائه. وحين امتلأ صدرى بالهواء انفتح الباب الفستقى، فظهرت أمى ووضعت كفها على جبهتى، فانغلقت كل الأبواب وساد السكون المكان واختفى الألم من الكون. تقلبت مرة أخرى فى فراشى وغفوت للحظات. استيقظت بعدها فلم أجدها ووجدت الباب الفستقى مغلقا حاولت أن أفتحه فلم أعرف. بحثت عن مفتاحه دون جدوى. خبطنى اليأس فانفتحت بوابة هيكل أسود كان يختبئ فى رعونة خلف الوسادة. خرجت منه كل الأكاذيب التى تجرعتها من أقرب المقربين. بدأت تتلاعب وتتراقص أمام عينى فى مداهنة الثعابين وسط موسيقى شرقية هادئة تمنيت معها أن تنفتح أبواب الجحيم. شددت اللحاف فوق وجهى وكرمشت جبينى لطرد بعض الأكاذيب الراقصة الممطوطة، التى بدأت فى لعق أذنى بمخاطها ذى الرائحة الكريهة. هذا الهيكل يحتاج إلى مفتاح أسود هائل الحجم رأيته يوما فى يد جنكيز خان. ركبت الحصان «بيجاس» وانطلقت إلى منغوليا.

وفى الطريق الممتد بالمستنقعات انفتح باب البرونز. وقبضت يدا برونزية اللون على قلبى لانتزاعه. شهقت فشممت رائحة التقلية، وشعرت بطعم الملوخية المحبب إلى قلبى. قرت عينى وقررت أن أنام بأى شكل، وأن على الأبواب أن تحترم نفسها وتغلق حتى دون أن أجد مفاتيحها. أخذت نفسا عميقا ورفعت يدى اليسرى إلى أعلى وفتحت عينى فلم أر شيئا. فتساءلت وأنا فى وهلة وئام: هل نمت أخيرا؟ وعندها بدأت عشرات الأبواب تنفتح وتبخ فى روحى وجوها بأقنعة تاريخية وأسئلة كونية وأخرى وجودية وسط سلاطة من النخاع الشوكى المشدود بسبب عدم تنجيد المخدات منذ زمن سحيق. وضعت يدى على أذنى لأمنعها من الاستماع إلى صرير الأبواب المتصل حتى اكتشفت بعد فترة طويلة وبعد أن آلمتنى أذنى من شدة الضغط أن هذا الصوت يأتى من داخل أنفى. فتمخطت وقررت أن أكون صانعا للمفاتيح.

أغلق أبواب الزيف والأكاذيب المرعبة وأفتح أبوابا أجد خلفها بعضا من الحنان ويد أم وكلمة صديق. ولكن يجب فى البداية أن أنام ولكى أنام يجب إغلاق الأبواب بالترابيس. فتحولت إلى «شيفا» وبحثت بأذرعى الكثيرة على المفاتيح المتناثرة داخل جمجمتى ولما تمايلت واختفت برعونة داخل تلافيف زهرية اللون، هشمت بيدى الرابعة الجمجمة فظهرت مفاتيح من كل لون تفتح كل الأبواب. تركتها فى مكانها ونمت أخيرا مرتاح البال

خالد الخميسي  كاتب مصري