خواطر ثورى عجوز بعد عام على ثورة يناير - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خواطر ثورى عجوز بعد عام على ثورة يناير

نشر فى : الإثنين 20 فبراير 2012 - 9:05 ص | آخر تحديث : الإثنين 20 فبراير 2012 - 9:05 ص

التقيت به فى ميدان التحرير يوم الأحد الحادى عشر من فبراير بعد عام على الثورة، وسعدت لرؤيته، فقد انقطعت الصلات بيننا بسبب مشاغل الحياة منذ فترة ليست بالقصيرة مرت خلالها أحداث هائلة زلزلت مسرح الحياة السياسية فى مصر، وكنت أعرف عنه وضوح الرؤية، وسلامة المقصد والإيمان العميق بقضية تقدم الإنسانية، وكذلك معرفته العميقة بخبايا السياسة فى مصر، ولذلك كنت شغوفا بالحديث معه حول مجريات الأمور وتوقعاته بالنسبة لمستقبل الثورة. ولذلك توجهنا بعد المصافحة الحارة إلى أحد المقاهى فى الميدان، وتجاذبنا أطراف الحديث لأكثر من ساعة، انصرف بعدها كل منا إلى حال سبيله.


وقد لمست فى حديثه حزنا عميقا حول ما آلت إليه أحوال الثورة، وذلك على الرغم من إصراره على أن الأمور سوف تتحسن فى المدى البعيد الذى لم يحدده، ولكنه كان يرى أن أهداف الثورة من عيش وحرية وعدالة اجتماعية سوف تتحقق، ربما بعد سنوات، ولكنها لن تتحقق تلقائيا فالأمر فى رأيه يتوقف على ما سيصنعه الثوار خلال هذه السنوات.

 

وهنا قلت له إنه يحكم على ثورة يناير بمعايير نضاله الثورى فى الخمسينيات، بل وبمعايير الأربعينيات، عندما كان كل طموح اليسار أن يكون مجرد الجناح التقدمى للحركة الوطنية المناضلة من أجل إنجاز الاستقلال الوطنى، ولكنه سارع إلى نفى ما قلت، مؤكدا إعجابه الشديد بثوار يناير، وأن نجاحهم فى تعبئة المواطنين وراءهم وإسقاطهم لرأس النظام السابق فاق أكثر أحلامه تفاؤلا، ولكن مبعث حزنه كان إحساسه بأن ثوار يناير، قد امتلكهم شعور هائل بقدرتهم على تكرار ما فعلوه فى يناير 2011، دون أن يدركوا أن المياه لا تجرى تحت الجسور مرتين، أن ما كان ممكنا منذ عام ليس ممكنا فى الوقت الحاضر، فليس الثوار على وحدتهم ووضوح أهدافهم، وليست الجماهير على استعداد لمسايرتهم. وهنا سألته عن أسباب هذه الرؤية التى أجدها متشائمة، ويجدها هو واقعية إلى أبعد الحدود.

 

المرحلة الحالية للثورة المصرية

 

كانت أول مآخذه على ثوار يناير خطأ بعضهم فى تحديد طبيعة المرحلة التى تمر بها الثورة المصرية، فهى فى رأيه مرحلة الثورة الديمقراطية، بينما يعطيه بعض ثوار يناير الانطباع بأنهم يتصورون أنها مرحلة الثورة الاشتراكية، وعلى الرغم من تمسك هذا الثورى العجوز بأن الاشتراكية التى تستفيد من دروس الماضى وخصوصا أسباب إخفاق التجربة الاشتراكية السوفييتية هى التى تمثل أفضل مستقبل للإنسانية.

 

إلا أن ما تحتاجه مصر فى الوقت الحاضر هو إنجاز مهام الثورة الديمقراطية، ففى الوقت الذى ترفض فيه أقسام مهمة من الحركة السياسية فى مصر مفهوم المواطنة، أى المساواة الكاملة بين المواطنين فى التمتع بالحقوق السياسية والمدنية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتتخذ أقسام أخرى منها موقفا غامضا، وتسايرهم ملايين من المواطنين فى هذا الرفض لمفهوم المواطنة بحماسها لما أسماه بالتنقية العرقية لقراهم وأحيائهم، يصبح الحديث عن ثورة اشتراكية نوعا من القفز على الواقع، فلا يمكن أن يناضل المواطنون من أجل الاشتراكية إذا كانوا لا يشعرون بالإخوة الإنسانية مع رفاق لهم فى الوطن يختلفون معهم فى عقائدهم الدينية، ويستسلمون لقيادة من يرفضون المساواة بين المرأة والرجل، ومن يرفضون الانفتاح على الفكر الإنسانى بكل تنوعه. وخطورة هذا التشخيص الخاطئ لطبيعة المرحلة التى تمر بها الثورة المصرية أنه يحرم ثوار يناير من تأييد قطاع مهم من المجتمع قد لا تلتقى مصالحه مع الثورة الاشتراكية، ولكنه بكل تأكيد من أنصار الثورة الديمقراطية التى تنهى سيطرة مفاهيم خاطئة عن الدين على عقول ملايين من جماهير المواطنين.

 

تعدد أساليب النضال الثورى

 

وعندما احتد بيننا النقاش حول هذه القضية، لم يملك هذا الثورى القديم إلا أن يضيف سببا آخر لحزنه على مستقبل الثورة المصرية، وهو استغراق ثوار يناير فى التمسك بأسلوب واحد من النضال وهو تعبئة المواطنين للانخراط فى أنشطة احتجاجية، وكأن الأسلوب الوحيد للنضال فى رأيهم هو الإضراب عن العمل والتظاهر والاعتصام فى ميادين التحرير فى القاهرة ومدن أخرى فى مصر، وهو فى رأيه خطأ بالغ، لأن التعبئة الجماهيرية هذه هى أسلوب واحد، ولا يكون فعالا إلا إذا كان نتاجا لاتباع أساليب أخرى فى النضال، وبدون اتباع هذه الأساليب الأخرى تصبح هذه التعبئة إن تمت قصيرة الأجل، أو لحظة استثنائية لا تتكرر بسهولة مرة أخرى.

 

وسألت وما هى هذه الأساليب الأخرى، فتعجب لسؤالى، مبينا أن أدبيات اليسار نفسه تكشف عن هذه الأساليب الأخرى من العمل وسط المنظمات الجماهيرية والكفاح معها لتحسين أوضاع أعضائها، ومن السعى المباشر للنهوض بأوضاع المواطنين، وخصوصا على المستويات المحلية، ولليسار فى مصر سوابق فى هذا المجال فى الأربعينيات، كما أن لأحزاب اليسار فى أوروبا وفى آسيا تجارب ثرية فى إيطاليا وفى إندونيسيا، بل إن من واجب الثوريين فى مصر أن يتعلموا حتى من الحركات الإسلامية التى لها وجود بارز بين المواطنين الذين يفترض أن يكونوا هم الأنصار الحقيقيون لهؤلاء الثوريين، وهم الآن أصبحوا فى صف خصومهم.

 

الواقعية فى تحديد المهام العاجلة للحركة الثورية

 

ثم اكتسى وجه هذا الثورى العجوز بالغضب وهو يتحدث عن آخر المهام التى سعت القوى الثورية إلى تحقيقها خلال الأسبوع الماضى، والتى ربما تواصل السعى لتنفيذها خلال الأسابيع القادمة، وهى محاولة إسقاط المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وإحلال مجلس رئاسة مدنى محله أو تولى رئيس مجلس الشعب منصبه بصفة مؤقتة. وتساءل كيف يمكن تعبئة المواطنين وراء هذا الشعار بينما لا يوجد اتفاق بين القوى السياسية على من يكونون أعضاء هذا المجلس، بل ورفض حزب الحرية والعدالة الذى ينتمى إليه رئيس مجلس الشعب هذا المطلب، وكيف تقبل هذه القوى الثورية أن تجتمع السلطتان التشريعية والتنفيذية فى أيدى حركة سياسية لا تلتقى معها فى تصورها لطبيعة المجتمع المنشود، بل والأدهى من ذلك أن هذه القوى الثورية تغاضت تماما عن قراءة أدبيات اليسار بالنسبة للعصيان المدنى أو الإضراب الشامل، فهما لا يمكن القفز إليهما مرة واحدة، وإنما ينجحان عندما يكونان المحطة الختامية لعمل دؤوب على المستويات المحلية وفى قطاعات مختلفة، وتتويجا لمجهود متعدد الوسائل وترجمة لدروس مفيدة تم اسخلاصها من هذا المجهود، أما الدعوة إليه دون هذا العمل التحضيرى فهى بكل تأكيد مغامرة غير محسوبة العواقب، ولا يورث الفشل فى القيام بها إلا انتشار الشعور باليأس غير المبرر فى أوساط القوى الثورية.

 

الاجتهاد فى إعداد برنامج النهضة الوطنية

 

وأخيرا أضاف محدثى أنه مما يؤسف له أن كافة القوى السياسية فى مصر ليس لديها برنامج محدد للنهضة الوطنية، وهى عبارة قد تكون فضفاضة، ولكنها تعنى أولا تصورا واقعيا لكيفية مواجهة مشاكل اللحظة الراهنة من انهيار الأمن، واستعادة معدلات طبيعية للنشاط الاقتصادى، وإعادة بناء جهاز الدولة، ثم الانطلاق بعد ذلك لتحقيق التنمية الإنسانية المتوازنة للوطن، إذا كان هذا البرنامج لا يتوافر لدى أحزاب وقوى سياسية تعتمد على استغلال المشاعر الدينية للمواطنين، فالمفروض من باب أولى أن يتوافر مثل هذا البرنامج لدى تلك القوى الثورية التى تتفاخر بأنها تضم فى صفوفها أعدادا كبيرة من المثقفين فى كافة التخصصات من علماء وخبراء اقتصاد وفنانين وأدباء، وتدعى أيضا أنها تسترشد برؤية علمية للواقع المصرى وتتباهى بأنها حاملة التنوير فى المجتمع. وقد افترض أنه عندما تملك القوى الثورية هذا البرنامج وتطرحه على المجتمع، وتجتهد فى نقله للمواطنين وابتداء بالمتعلمين فى أوساطهم، فإن مصداقيتها سترتفع كثيرا، وسوف تجد لها جيشا من الأنصار. وأكد على أن مثل هذا البرنامج لا يهبط داخل القوى الثورية من القمة إلى القاعدة، ولكنه حصيلة لمجهود التثقيف الذاتى الذى يقوم به أعضاء هذه القوى الثورية، وللحوار النشط داخل صفوفها، وللعمل بين المواطنين، واختبار صحة عناصر هذا البرنامج بالتطبيق العملى متى أمكن ذلك. وشدد فى هذا الإطار على أهمية خوض الانتخابات المحلية ليس فقط لبناء التنظيمات الجماهيرية لهذه القوى الثورية، ولكن للتعلم بتواضع من تجربة الاحتكاك بالواقع على هذا المستوى.

 

هل تقدر قوى الثورة فى مصر

 

على إعادة التأهيل الذاتى؟

 

وعندما وصل النقاش مع هذا الثورى العجوز هذا الحد، وجدتنى حائرا فقلت له إن ما يطلبه هو ليس فقط مجهود شاق على القوى الثورية وحدها، ولكنه على النقيض تماما من معالم الشخصية المصرية التى تسعى إلى الإنجاز السريع، وتضيق بالصبر طويلا للوصول إلى هدف قد لا يكون مؤكدا لارتباطه بردود أفعال القوى الأخرى المحلية والإقليمية والدولية، إلا أنه قال لى لقد تغيرت كثير من ملامح الشخصية المصرية، التى تخلت عن خنوعها التقليدى أمام سلطات الحكم، وأصبحت أميل للتمرد والاحتجاج العلنى والجماعى، ومن ثم يمكن أن يصبح العمل الدؤوب لبلوغ غاية نبيلة هو البديل لثقافة الحلول السريعة التى تسهم فى تعقيد مشاكل الوطن الأساسية بدلا من معالجتها عند جذورها. هنا لم يسعنى إلا أن أرجو معه أن يتحقق هذا التغير فى معالم الشخصية المصرية بدءا على الأقل بطليعتها الثورية.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات