.مستقبل الإخوان دعوة للمناقش - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 2:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

.مستقبل الإخوان دعوة للمناقش

نشر فى : الخميس 20 مارس 2014 - 8:35 ص | آخر تحديث : الخميس 20 مارس 2014 - 8:35 ص

منذ أن تم عزل الرئيس السابق محمد مرسى لم تهدأ ثائرة «الإخوان المسلمين» وحلفائهم وهذا منطقى، فقد خسروا حكم مصر بعد قرابة تسعة عقود من السعى لبلوغ هذه الغاية، ولا شك أنهم كانوا يعتبرون ذلك نقطة انطلاق لتحقيق حلمهم النهائى فى تحقيق الخلافة الإسلامية. لكن غير المنطقى هو الأسلوب الذى اتبعوه للتعبير عن اعتراضهم على ما تم، فقد شهد المواطنون جميع الأعمال الدءوبة التى تكاد ألا تتوقف من اعتصامى «رابعة» و«النهضة» إلى المظاهرات وأعمال قطع الطرق وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة وحرق الكنائس والمحاولات العنيفة لوقف العملية التعليمية فى الجامعات إلى استهداف الأفراد وبالذات رجال الشرطة والقوات المسلحة وزرع المتفجرات وعمليات التفخيخ وغير ذلك من حلقات هذا المسلسل المجنون. مورس العنف ضدهم من قبل الدولة وأحيانا من قبل الأهالى، ومن المؤكد أن ثمة تجاوزات لا يمكن قبولها قد وقعت فى مواجهتهم لكنهم هم الذين بدأوا بالعنف، ولا يستطيع المرء أن يضمن إنسانيًا رشادة رد الفعل إذا كان الفعل نفسه منعدم الرشادة، وليس هذا تبريرا للتجاوزات وإنما هو تفسير لها، ويلاحظ أن نشطاء حقوق الإنسان عادة ما يركزون على هذه التجاوزات دون الأفعال التى أفضت إليها ولذلك كانت ثورة بعضهم عارمة على تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان عن أحداث رابعة والذى حاول أن يكون متوازنا.

•••

تنكر مصادر جماعة «الإخوان المسلمين» مسئوليتها عن عديد من الأعمال السابقة لكن خبرة الإخوان الماضية منذ أن اشتد عود تنظيمهم تخذلهم فى هذا الصدد كما أن الترابط الزمنى بين عزل الرئيس السابق وبين تصاعد العنف لا يمكن إغفاله، كذلك من الصعب على المرء أن يستبعد فكرة العلاقة العضوية بين الإخوان والتنظيمات المتطرفة التى تفخر بارتكاب أعمال عنف بشعة والتى خرجت فى الأصل من رحم الجماعة، وعندما أفرط الرئيس السابق فى قرارات العفو عن مدانين بأحكام قضائية فى أعمال عنف فإن النسبة الأكبر من هذا العفو كانت من نصيب المنتمين إلى تلك التنظيمات المتطرفة كذلك لا ننسى أن من شاركوا فى اغتيال السادات كانوا «ضيوف شرف» فى الاحتفال بنصر أكتوبر عام 2012 فيما غاب صانعو النصر عن هذا الاحتفال، ولماذا نذهب بعيدا وقد سبق أن صرح البلتاجى بأن اللحظة التى يعود فيها الرئيس السابق إلى موقعه سوف تكون هى ذاتها لحظة توقف العنف فى سيناء، وأخيرا وليس آخرا فإن الجماعات التى اعتدت على مقار كليات جامعية فدمرت فيها ما دمرت وأحرقت فيها ما أحرقت كان أفرادها يرفعون شعارات رابعة ويهتفون بمطالب الإخوان. يحتاج المرء إذن إلى قدر يعتد به من الغفلة كى يصدق مقولة نفى مسئولية الإخوان عما يحدث وإن كان هذا لا يعنى بالضرورة أنهم مسئولون عن كل ما حدث ويحدث.

<<<

المشكلة أن الأعمال السابقة قد تسبب أضرارا جسيمة للوطن ولهم لكنها لن تعيدهم للسلطة، فعندما يصل الأمر إلى حد استخدام العنف تتفوق الدولة، ولا تصل قوة سياسية إلى الحكم إلا بثورة شعبية أو على الأقل حركة جماهيرية واسعة وقوية كما حدث فى يناير 2011 أو يونيو 2013، وقد فقد الإخوان فى سنة حكمهم معظم رصيدهم الشعبى لأن الأعمال التى أرادوا بها تقويض حكم من ثار عليهم طال ضررها حياة المواطن العادى فانفض عنهم، وأمامهم سنوات طويلة لإعادة بناء الثقة فيهم إن غيروا ما بأنفسهم. لكن ثمة مشكلة أخرى تعترض مسارهم وهى حالة الوهم التى يعيش الإخوان فيها، فهم مازالوا يتوهمون أن ما يفعلونه الآن يمكن أن يعيدهم إلى السلطة. ومن الواضح أن قيادتهم لم تتوقف يوما لتسأل: كم مرة حددنا مواعيد باليوم لعودة مرسى إلى السلطة ولم يعد؟ وكم مرة بشرنا بانهيار «دولة الظلم» ولم يحدث ؟ كذلك من الجلى أن هذه القيادة لا تلاحظ تدنى قدرتها على الحشد الجماهيـــــــرى، إذ إن تحركات الجماهير فى البداية كانت حاشدة بدليل اعتصام رابعة على سبيل المثال لكن الأمور قد وصلت فى آخر أعمالهم الاحتجاجية إلى عشرات وعلى أحسن الفروض مئات قليلة تتحرك على نحو فردى بمجرد تصدى قوات الشرطة لها، وتستطيع هذه الأعداد بطبيعة الحال أن تحدث ضررا لكنها غير قادرة بأى حال على تحقيق نقلة نوعية فى المواجهة. وربما تكون قيادة الإخوان مدركة للموقف على حقيقته، غير أنها تواصل إطلاق الوعود الوهمية اعتقادا منها بأنها ضرورية لاستمرار زخم حركة أنصارها مع أن الاستمرار فى هذه الوعود والتنبؤات الزائفة لابد وأن يؤدى يوم إلى لحظة اكتشاف الوهم.

•••

يبدو مستقبل جماعة الإخوان المسلمين إذا ثابرت على سلوكها الراهن بائسا، وهى على أية حال لن تستطيع أن تحكم شعبا لا يحبها بعد أن عانى معاناة ظاهرة من سلوكها خاصة بعد أن بدأت عملية زرع المتفجرات عشوائيا وتفخيخ المنشآت العامة وكلها أعمال تصيب المواطنين الأبرياء كما تصيب المستهدفين منها.

كما أن تشديد الحراسة وزيادة اليقظة ألجأت المنفذين لعمليات الإرهاب إلى استهداف جنود عاديين سواء فى الشرطة أو فى القوات المسلحة ومن شأن هذا كله أن يزيد من الرفض الشعبى للجماعة ناهيك عن أن تعود للحكم أو حتى تشارك فيه. ولعل قيادات الإخوان المسلمين وأعضاء جماعتهم يدركون أنه بينما يبادر نفر من النخبة السياسية من حين لآخر بأفكار تتعلق بالمصالحة بين الجماعة والحكم فإن ثمة رفضا شعبيا لهذه المصالحة بل إن قطاعات واسعة من الرأى العام تطالب بتصعيد المواجهة بما فى ذلك مطالب ليس لها أى أساس قانونى، والحقيقة أن المصالحة مستحيلة فى ظل استمرار السلوك الراهن للجماعة وكذلك فى ظل غياب أى عملية نقد ذاتى من قبل قياداتها تفضى إلى اعتذار عما وقع من أخطاء ووعود قاطعة بوقف العنف تخضع لاختبار مصداقيتها لمدة كافية من الزمن، ولأنه لا توجد حتى الآن أى مؤشرات على أن هذه المراجعة يمكن أن تحدث فى المدى القصير فإن مستقبل الجماعة قد يكون معلقا بذلك النفر من شبابها الذى يدرك الأمور على حقيقتها ويدرك كذلك ما وقع من أخطاء ويحاول أن يبلور رؤية جديدة تعيد الجماعة إلى رشدها، وقد تكون عودة الجماعة إلى طابعها الدعوى بعيدا عن السياسة هى الحل الأمثل على الرغم من أن هذا لا يضمن بحد ذاته أن تعيد تسللها إلى هذه السياسة.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية