سلم إلى دمشق - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 1:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سلم إلى دمشق

نشر فى : الثلاثاء 20 مايو 2014 - 5:15 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 20 مايو 2014 - 5:15 ص

فى إحدى لقطات الفيلم، تمتد السلوك الشائكة، المتقاطعة، بكثافة، لتغطى آلة التصوير، مما يخلف إحساسا أن السلوك القاسية تغطينا، تهيمن علينا، تحاصرنا.. وفى عمق المجال، ثمة أقدام لحراس، أحذيتهم الضخمة توحى بالبطش.. ثم، حارس بلا ملامح، أقرب للظل أو الشبح، يسير على أرضية فناء المعتقل، شاهرا سلاحه. اللون الرمادى، بدرجاته القاتمة، يغلف المكان. يقطع الصمت صوت آمر يقول «نزل راسك». لا نرى الآمر ولا المأمور، كأننا نحن المقصودين بتلك الكلمتين اللتين تعبران عن روح القمع وتنذران بالشر.

هذه واحدة من لقطات أحدث أعمال مخرجنا السورى الموهوب، عاشق السينما، عقلا وقلبا، صاحب الأفلام القليلة، كما، الآسرة، المؤثرة، كيفا حقق من قبل، الروائيان «أحلام المدينة 1984»، «الليل» 1973، فضلا عن ثلاثة أفلام تسجيلية: «القنيطرة» 1974، «المنام» 1988، «باب المقام» 2005.. كل عمل من هذه الأعمال، يعتبر حدثا ثقافيا، فإلى جانب قيمتها الفنية، الجمالية، تُعد شهادات يقظة، لمراحل تاريخية متوالية، يمتزج فيها العام بالخاص، وتتصادم الآمال مع الحقائق.

محمد ملص، ابن القنيطرة المدمرة، بفعل العدو الإسرائيلى، يعيش فى دمشق، يعشقها، يخفق قلبه الجريح مع أحلامها الموءودة.. يبدأ العمل فى «سلم...» مع اختطاف ربيع ثورة تحولت إلى كابوس. يحاول، تذكر ما كان، ورصد ما يعتمل، وتلمس ما تخبئة الأيام القادمة.

لذا قد تبدو حمولة الفيلم ضخمة، ثقيلة وبالغة السخاء فى آن، وبالتالى تحتاج متابعته إلى تهيؤ نفس يتضمن وعيا من المشاهد الذى عليه إدراك أنه إزاء عمل ليس لمجرد المتعة، ولكن للتفكير والتأمل والمشاركة.

فى بيت دمشقى عريق، دافئ وحميم، صاحبته، الطيبة العجوز، تؤجر حجراته لسوريين من مختلف الأماكن والطوائف والثقافات. موزاييك بشرى يكمن سحره فى تنوعه. سكانه، بينهم من يدرس الطب، ومن يمارس فن النحت، ومن يعزف الموسيقى، ثم الواقد، عاشق الفن السابع الذى يطلق عليه جيرانه اسم «سينما».. ومعه الفتاة الرقيقة، هاوية التمثيل «غالية»، التى رحلت عنها صديقتها «زينة» انتحارا، عقب اعتقال والدها.

أوضاع الاستبداد، وهاجس الاعتقال والإحساس بالاختناق، كلها تتوافر فى الفيلم وتتبدى على نحو إيحائى فى نوافذ البيت حيث تتقاطع قضبان الحديد، بالإضافة للأبواب الموصدة بكل ما تحمله من معانى النواهى والممنوعات.. أبواب لا تفتح، منذ سال الدم من رأس أحد طفلى «أحلام المدينة» وهو يضرب الباب برأسه، حتى كف بطلة «سلم..» الدامية وهى تطرق الباب الفولاذى.. ملص، شأن أبطاله، يحس الأشياء بقوة، يتبين معانيها، يجيد استخدامها، فالماء المتدفق من الصنبور، داخل البيت الدمشقى، يبعث قدرا من الطمأنينة.. لكن مع القصف فى الخارج، تهتز الأوعية بما تحمله من ماء، تعبيرا عن اهتزاز الحياة.

تندلع الثورة، نستمع لصوت المواجهات. مؤثرات صوتية تغنى عن صور الجرحى والموتى.. أسباب الثورة متوفرة، فكما يقول أحدهم، ما معنى وما الهدف من اعتقال شباب فى مقتبل العمر، لسنوات ليست قليلة.. وها هو أحد نزلاء البيت الدمشقى ، يجرى اعتقاله.

تتصاعد الأحداث فى الخارج، تنعكس بالضرورة على الداخل.. وفى نوبة من نوبات القلق، والرغبة المحمومة فيما تخبئه الأيام القادمة، وعلى نحو رمزى، يندفع «سينما» إلى سطح البيت، مع رفاقه، واضعا سلما يرتقيه، يطل على دمشق وسوريا.. لا نعرف ما رآه، فقط نعرف ما يتمناه، وهو يصرخ بأعلى صوته «حرية».. ملص، فى حواراته المتعددة، الممتعة والذكية، تحاشى تماما التصريح بما يراه، لا هو ولا بطله.. لكن، نهاية فيلمه تطمن صوت انفجار ضخم، وتغرق الشاشة فى ظلام دامس.

إنها نهاية تعلن، بجلاء، عما لا يريد مخرجنا أن يؤلمنا به.. «سلم إلى دمشق»، فيلم مهم، مركب، يقول الكثير إنه ليس للمشاهدة العابرة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات