فى الطريق إلى سنغافورة - خالد الخميسي - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 8:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى الطريق إلى سنغافورة

نشر فى : السبت 21 مارس 2009 - 7:04 م | آخر تحديث : السبت 21 مارس 2009 - 7:04 م

 وصلت إلى مطار القاهرة، ساعتان كاملتان قبل إقلاع طائرتى المتوجهة إلى سنغافورة ملتزما بالأعراف الدولية. كانت المرة الأولى التى أسافر فيها مستخدما الخطوط الجوية السنغافورية، وبمجرد وصولى إلى مكتب التسجيل فوجئت برجل سنغافورى، وفى الأصل صينى، ينطبق عليه المثل القائل إنه يبلغ من العمر بين السابعة والسابعة والسبعين، قصير القامة، خنثى الملامح، يتوجه إلى وملامح الأسى بادية على وجهه وهو يناولنى ورقة ويطلب منى قراءتها. نظرت حولى فوجدت حالة من الوجوم والصمت تسيطر على مجموعة العاملين فى الشركة السنغافورية. كانت فاكسا تم إرساله من رئيس شركة الطيران لركاب الطائرة يقدم فيه واجب الاعتذار عن تأخير إقلاع الطائرة لمدة ثلاث ساعات كاملة، ويشرح تفصيليا أسباب هذا التأخير، وهى أسباب وإن كانت خارجة بالكامل عن مسئوليته إلا أنه يتحمل كافة المسئولية، وفى النهاية يطلب منّا السماح، وأنه سوف يوالينا بفاكسات لمتابعة الأمر أولا بأول. شكرت الرجل فطأطأ رأسه خجلا ثم سانَدَته فى أزمته النفسية فتاة تبدو على ملامحها سمات شعوب آسيا الوسطى وهى الخلطة السحرية بين الشعوب التركمانية والشعوب الآسيوية وأكدت لى أنهم قاموا بالاتصال بجميع الركاب الذين تركوا أرقام هواتفهم أما أنا فلم أكن قد تركت رقما يمكنهم من الاتصال بى للاعتذار.

بعد أن وزنت حقائبى اقترب منى الرجل السنغافورى نفسه وقال لى إنهم قاموا بحجز قاعة الطعام الرئيسية فى المطار وأن مضيفى الطائرة سوف يقومون بالخدمة، وأنهم سوف يبدأون فى تقديم طعام الغذاء بعد نصف الساعة، ثم بدأ مرة أخرى موشحا يشرح أسفه العميق لما حدث من تأخير. توجهت إلى قاعة الطعام وبمجرد جلوسى فى الجزء المخصص لركاب تلك الطائرة جاءنى رجل آخر وانحنى أمامى بإجلال باعتبارى راكبا منكوبا بتضييع وقته الثمين وأعطانى فاكسا جديدا من رئيس الشركة فى سنغافورة يشرح للسادة الركاب تطورات الأمر لحظة بلحظة من غرفة عمليات متابعة الكارثة. ثم قدم لى بأدب جم شريحة تليفونية بقيمة خمسين جنيها للاتصال وإبلاغ العائلة بتفاصيل تأخرى عن الإقلاع.

وبعد انتظار دام ساعتين ونصف الساعة قامت خلالها المضيفات بتقديم الغذاء طلبوا منا التوجه إلى صالة الانتظار، وقبل المرور من بوابة الكشف عن المعادن فوجئنا جميعا بأربع مضيفات رائعات البهاء تقدمن هدية لكل راكب فى علبة جميلة، كانت هدايا تم شراؤها من خان الخليلى، عبارة عن قنينة عطر من زجاج ملون مشغول. ناولتنى إحداهن الهدية بابتسامة واسعة وطلبت منى أن أقبل اعتذار خطوط الطيران عن هدر زمنى. أخذ كل منا علبته وصعدنا على متن الطائرة. وبمجرد جلوسنا بدأ قائد الطائرة فى شرح أسباب التأخير وطلب منا قبول اعتذاره الشخصى واعتذار رئيس الشركة. وبدأ المضيفون يمرون بسرعة لإعطاء كل راكب منشفة ساخنة مبللة لمسح وجهه من غبار الانتظار الممض. استمرت الرحلة قرابة الاثنتى عشرة ساعة اعتذر لى خلالها عن التأخير على الأقل اثنا عشر مواطنا سنغافوريا. وعند هبوطى فى مطار سنغافورة وتوجهى إلى المكتب المخصص لنقلى مجانا من المطار إلى الفندق سمعت للمرة الأخيرة اعتذارا رقيقا من الموظف هناك.

لم أستطع منع نفسى وهؤلاء السنغافوريون يمنحوننا بلا كلفة لمحة عن ثقافتهم، أن أتذكر رحلتى من الخرطوم إلى القاهرة مع شركة مصر للطيران فى أول رحلة لى إلى السودان. كان الجو حارا والمطار مزدحما وقبل أن أزن حقائبى طالبنى موظف مصر للطيران بأن أذهب للوقوف فى طابور طويل لدفع مبلغ من المال والحصول على شهادة تثبت أننى صحيح معافى من أمراض الحمة الصفراء والالتهاب السحائى. فأخرجت له بثقة كتيبا أصفر يثبت حصولى على كافة التطعيمات من القاهرة. فأكد لى أننى لن يمكننى المرور من بوابة مطار القاهرة دون هذه الشهادة. أكدت له خطأه ولكنه أصّر بإلحاح. نظرت إلى الطابور الطويل وسألته وكيف يعرف هذا الموظف أننى لست مصابا بأى مرض.. هل سوف يتم الكشف على؟ فطمأننى أن هذه الشهادة مجرد حبر على ورق سوف أحصل عليها فور دفعى المبلغ المطلوب، وأنهم فى مطار القاهرة يعلمون ذلك حق العلم ولكنها الأوامر.

حاولت المقاومة لكن هيهات، ذهب نباحى أدراج الرياح ووقفت كالكلب فى النهاية فى الطابور كى أحصل على ورقة لم يطلبها منى فى النهاية أى مسئول فى مطار القاهرة. بعدها طلبوا منى دفع عشرين دولارا رسوم مطار، لم أسمع عن ذلك طوال حياتى رغم ترحالى عبر العالم، ولكننى بعد موقعة الشهادة الطبية كانت طاقتى فى رفض الغرائب قد استنفذت، فدفعت الرسم صاغرا، ودخلت أخيرا المطار. تركونا فى أمان الله وحفظه لمدة تعدت الثلاث ساعات، دون أن يكلفوا خاطرهم تقديم أى تفسير أو حتى تقديم معلومة بسيطة مفادها أننا سوف ننتظر. أدخلونا بعدها إلى صالة انتظار عدد كراسيها أقل كثيرا من عدد الركاب، وقفت فى هذه الصالة لمدة الساعتين، ثم حشرونا فى أوتوبيس لم يتحرك حتى أنزلونا منه جميعا وأبلغونا شاكرين أن الطائرة سوف تقلع فى اليوم التالى وعلينا ألف سلام. اعترض أحدهم فصرخ فيه موظف مصر للطيران قائلا: لو لدى أحدكم شكوى فليقدمها لله عز وجل.

خالد الخميسي  كاتب مصري