هل يخرج العراق من الهيمنة الأمريكية؟ - محمد السماك - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 3:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل يخرج العراق من الهيمنة الأمريكية؟

نشر فى : الأحد 21 مارس 2010 - 10:08 ص | آخر تحديث : الأحد 21 مارس 2010 - 10:08 ص

 فى كتابه الجديد «الهيمنة من البحر إلى البحر» يتحدث المؤرخ البريطانى بروس كامينج فى أحد فصول الكتاب عن الغزو الأمريكى للفلبين فى عام 1898، ويقول إن تحرير الفلبين من إسبانيا تحول إلى احتلال أمريكى، وأن القائد العام للقوات الأمريكية قال يوم ذاك: «قد يكون ضروريا قتل نصف الشعب الفلبينى من أجل تمكين النصف الباقى من تحقيق التقدم فى الحياة». أدّت عملية «التحرير الاحتلالى» إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين الفلبينيين حتى تمكنت القوات الأمريكية من بسط سيطرتها على بلادهم.

ويبدو أن هذه النظرية فى «التقدم» لاتزال قائمة ومستمرة حتى اليوم. وكان من ضحاياها فى القرن الماضى، كوريا ثم فيتنام.. ومن ضحاياها اليوم أفغانستان والعراق.

يذكر كامينج فى كتابه أيضا أن تسعة أعشار الجنرالات الأمريكيين الذين اشتركوا فى عملية غزو الفلبين واحتلالها سبق لهم أن اشتركوا فى قيادة العمليات القتالية ضد الهنود الحمر فى أمريكا.

ويبدو أن الجنرالات الذين خاضوا غمار الحرب العالمية الثانية هم الذين قادوا الحرب فى كوريا.. وان الذين بدأوا تجاربهم فى كوريا، طوروها فى فيتنام.. ومن هناك تخرّج الجنرالات الذين يقودون اليوم الحرب فى أفغانستان والعراق!

يوجد اليوم نحو 800 قاعدة أو مركز عسكرى للولايات المتحدة فى العالم، بعضها فى دول عربية وإسلامية فى آسيا وأفريقيا. ويطلق كامينج فى كتابه على هذه القواعد اسم «أرخبيل الإمبراطورية الأمريكية».

***

بعد أن انكشف زيف الادعاءات بأن العراق كان حليفا لتنظيم القاعدة، وانه كان يملك أسلحة دمار شامل تشكل خطرا على أمن الولايات المتحدة وعلى أمن حلفائها، برّر الأمريكيون غزو العراق «بتخليص العراقيين من ديكتاتورية الرئيس السابق صدام حسين ومساعدتهم على التقدم والرقى». وتحت هذا الشعار المختلف سقط حتى الآن أكثر من مليون عراقى. إلا أن العراق اليوم، من حيث الرقى والتقدم هو فى حال أسوأ كثيرا مما كان عليه فى السابق. صحيح انه تخلص من ظلم الديكتاتورية، إلا انه أُسقط فى فخ الانقسامات المذهبية والعنصرية التى تفتك بوحدته وتعطّل مسيرة المعافاة الوطنية بعد طول معاناة.

فهل ينتظر الأمريكيون ــ كما قال احد جنرالاتهم عن الفلبين ــ القضاء على نصف الشعب العراقى لمساعدة النصف الباقى على التقدم والرقى؟
فى الفلبين لاتزال القواعد العسكرية الأمريكية مستمرة منذ عام 1898 حتى اليوم، إلا أن البلاد هى أبعد ما تكون عن الرقى والتقدم.
وفى العراق يبدو أن الاحتلال الأمريكى سوف يتقوقع داخل قواعد عسكرية يجرى بناؤها فى شمال ووسط وجنوب البلاد.. فهل إن هدف هذه القواعد هو مساعدة العراقيين على الرقى والتقدم.. على الطريقة التى اعتمدت فى الفلبين؟

يذكر جوناثان ستيل المعلّق السياسى فى صفحة الجارديان البريطانية فى كتاب له عن العراق عنوانه « الهزيمة: لماذا خسروا العراق».. «أن رفض الرئيس جورج التفكير فى انسحاب مبكر ووضع جدول زمنى من أجل رحيل كامل، كان متماشيا كليا مع الأفكار الامبريالية للمحافظين الجدد». ويقول إن ذلك «كان السرطان الذى اضعف الاحتلال منذ اليوم الأول؛ فهو الذى أثار الشكوك العراقية وألهب الغضب القومى، وذكّر العراقيين بتاريخ طويل من العيش تحت حكم أجنبى وتحدّى شعورهم بكرامتهم، وجعل الكثيرين من العراقيين يشعرون بعدم الارتياح تجاه القيام بوظائف رفيعة المستوى مع التحالف، وحوّل العراق إلى بؤرة جاذبة لجهاديين من مختلف أنحاء العالم الإسلامى، فضلا عن جذب إرهابيى القاعدة».

وفى الواقع فإن الولايات المتحدة ليست جمعية خيرية، وقواتها ليسوا ملائكة الرحمة.. وهى لم تحتلّ العراق ولم تضحِ بأرواح أكثر من أربعة آلاف من شبابها كرمى لعيون العراقيين. لقد جاءت إلى العراق، كما جاءت إلى الفلبين من قبل، من أجل أن تبقى ولو بصيغة مختلفة.

حاول الأمريكيون استغلال معاناة العراقيين من ظلم ديكتاتورية النظام السابق، كما حاولوا استغلال معاناة الفلبينيين من ظلم الاحتلال الإسبانى. فاستبدلوا فى العراق ديكتاتورية محلية باحتلال أجنبى. كما استبدلوا فى الفلبين الاحتلال الإسبانى المتداعى بالاحتلال الأمريكى المتنامى. وفى الحالتين كانت شعارات الديمقراطية والحرية والحقوق الإنسانية تنتهك فى المعتقلات والسجون من أبوغريب إلى جوانتانامو.

أدرك الرأى العام الأمريكى خطورة ما ارتكب باسمه، فتخلى عن الرئيس جورج بوش الذى سقط حزبه الجمهورى سقوطا مدويا فى الانتخابات الرئاسية وفى انتخابات الكونجرس الأخيرة. وأدرك الرأى العام البريطانى خطورة توريطه فى المغامرة الأمريكية الفاشلة فحمل رئيس حكومته تونى بلير على الاستقالة، ثم جرى استجوابه أمام هيئة قضائية عليا.. وليس من المستغرب أن يتحول الاستجواب إلى أساس للمحاكمة.

غير أن مما يبعث على الأسى أن المحاكمة ــ إذا جرت ــ فى أى وقت، فلن تجرى على أساس الفظائع التى تعرض لها العراقيون على يد قوات الاحتلال.. ولكنها ستجرى على أساس سقوط آلاف من القتلى الأمريكيين والبريطانيين، وضياع المليارات من الدولارات التى أنفقت على تمويل عملية الاجتياح.

***

لقد انسحبت القوات البريطانية من العراق (البصرة) مما جعل المساءلة والمحاسبة أمرا ممكنا. أما القوات الأمريكية فلا يعقل أن تتعرّض للمساءلة والمحاسبة طالما أنها باقية فى العراق ومستمرة باحتلاله، ولو حتى من خلال القواعد العسكرية.

هناك سوابق أمريكية لمحاكمة عسكريين أمريكيين على جرائم ارتكبوها أثناء الخدمة (مثل ما حدث بعد مجزرة ماى لاى فى فيتنام، وفضيحة أبوغريب فى العراق مثلا) ولكن لا توجد سابقة لمحاكمة رئيس أمريكى أو إدارة أمريكية على جرائم ارتكبت فى دولة أخرى (إسقاط القنابل النووية على اليابان مثلا) أو احتلال جزر المحيط الباسيفيكى وتحويله إلى بحيرة أمريكية، كما يقول المؤرخ كامينج فى كتابه.

لقد حوكم الرئيس الأسبق بيل كلينتون بسبب الفضيحة الجنسية مع الموظفة فى البيت الأبيض مونيكا لوينسكى.. أما غزو العراق واحتلاله فليس فضيحة.. بل إنه جزء من ثوابت الإستراتيجية الأمريكية المستمرة منذ انتزاع ولايتى كاليفورنيا وتكساس من المكسيك فى عهد الرئيس جيمس بولك !!.

تتغير الأسماء وتتبدل المسارح، ولكن السيناريو يبقى واحدا.

محمد السماك كاتب وصحفي لبناني
التعليقات